تبذل أطراف عربية وخاصة مصر والأردن جهودا جبارة لإحياء مسرحية المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، التي امتدت سنين طويلة دون أي فائدة تذكر، وذلك في مسعى يلقى تأييدا أمريكيا لانتشال سلطة محمود عباس من مستنقع العجز والركود الذي أوصلها إليه تقديمها التنازل تلو الآخر.
وعلى الرغم من أن المسيرة الطويلة للمفاوضات الفلسطينية الصهيونية، لم تقدم شيئا للفلسطينيين، وقدمت لإسرائيل كل ما تريده لان الأساس الذي ترتكز إليه وهو اتفاقات أوسلو فاسد ولا يصلح لآن يكون مرتكزا لعملية سلام شبه عادلة، على الرغم من ذلك فالاندفاعة المصرية الأردنية لإحياء التفاوض تتفاعل بسرعة .
وفي ظلّ التراجع غير المسبوق في شعبيتها وتهمُّش دورها، تشتغل السلطة الفلسطينية على إعادة إنتاج نفسها، فيما تأمل أن تنجح مساعيها لإحياء المفاوضات مع العدوّ الإسرائيلي برعاية أميركية، ودعم عربي تبديه خصوصاً كل من مصر والأردن اللذين يتوسّطان لدى إدارة جو بايدن لمنع انهيار «سلطة أوسلو» وتَمكُّن المقاومة من القرار الفلسطيني. من جانبها، تُظهر الإدارة حماسة لهذا الطرح، ولاسيما في ضوء تشكُّل حكومة جديدة في كيان الاحتلال تبدو مستعدّة هي الأخرى لالتقاط فرصة تعويم السلطة.
وفي هذا الإطار، أفادت مصادر في السلطة الفلسطينية بأن قيادة رام الله وجدت في المعركة الأخيرة منفذاً للوصول إلى البيت الأبيض، لطرح فكرة العودة إلى مفاوضات «السلام». وهي فكرةٌ تعزّزت أخيراً في ضوء تشكُّل حكومة جديدة في كيان الاحتلال، يرى جزء كبير من الأحزاب المكوِّنة لها، ولاسيما اليسارية، ضرورة التقاط فرصة استئناف المفاوضات لإضعاف برنامج المقاومة. إزاء ذلك، لاقى طرحُ السلطة بضرورة تقويتها في الضفة الغربية المحتلّة، والضغط على حركة «حماس» لتسليم مقاليد الأمور في قطاع غزة لحكومة تلتزم ببرنامج «منظمة التحرير» وتحظى بمقبوليّة من جانب المجتمع الدولي، قبولاً ودفعاً عربيين، وخاصة من قِبَل كلّ من مصر والأردن اللتين عرضتا على إدارة بايدن تبنّى هذا الاتجاه لمنع انهيار السلطة، وسيطرة «حماس» على القرار الفلسطيني. وهو ما ناقشه الرئيس عبد الفتاح السيسي مع نظيره الأميركي، أخيراً، حيث جرى الاتفاق على دعم الفكرة بعد تولي حكومة بينت مهمّاتها، وانتهاء دور حكومة بنيامين نتنياهو التي أرادت أن تُبقي دور السلطة وظيفياً وأمنياً فقط، وأن لا يكون لها أيّ تأثير سياسي. وكشفت المصادر، أن مصر والولايات المتحدة أبلغتا السلطة أن الإدارة الأميركية ستعمد، خلال الأسابيع المقبلة، إلى اقتراح مباحثات استكشافية للمواقف الإسرائيلية والفلسطينية، يُفترض أن تُفعِّل ملف التفاوض من جديد، وهو السبب الذي دفع عباس إلى إعادة ترتيب ملفّ المفاوضات عبر التجهيز لتعيين مسؤول جديد، خلفاً للراحل صائب عريقات. وفي الأسبوع الماضي، ناقش عباس قضيّة استئناف المفاوضات، خلال رئاسته اجتماع اللجنة التنفيذية لـ«منظمة التحرير الفلسطينية» في رام الله، وطلب من اللجنة التحضير لإجراء انتخابات لتعيين شخصيتَيْن بديلتَين من صائب عريقات الذي توفي قبل أشهر، وحنان عشراوي التي قدَّمت استقالتها. وتبدو حركة «فتح»، وفق المصادر، عازمة على الدفع بشخصيتين تابعتين لها لهذين المنصبين، يبدو أن هناك إجماعاً وموافقة من قِبَل عباس على أن يكون من بينهما حسين الشيخ ليحلّ محلّ عريقات في ملف المفاوضات، فيما لم يُحسم بعد الخيار بين ماجد فرج ورياض المالكي، لتولّي المنصب الثاني. وأشارت المصادر إلى أن القاهرة وواشنطن تدفعان، بوضوح، في اتجاه عودة المفاوضات، استجابةً لرسائل السلطة التي تفيد بأن وضعها بات حرجاً، وبأن استمرار السياسات السابقة تجاهها من قِبَل البيت الأبيض ودولة الاحتلال، سيؤدّي إلى تراجع مكانتها، في موازاة سيطرة «حماس» على القيادة الفلسطينية