يحاول بنيامين نتنياهو رئيس حكومة العدو الصهيوني كسب المزيد من الوقت للاستمرار في قتل وتشريد المدنيين العزل في قطاع غزة من خلال الإعلان عن رفضه أي وقف لإطلاق النار، باعتباره «دعوة لإسرائيل إلى الاستسلام»، ما عقّد المساعي للتوصل إلى حلول جزئية أو مستدامة تحقّق وقفاً للعدوان.
موقف نتنياهو هذا فسره المراقبون بأنه محاولة لكسب مزيد من الوقت في محاولة لتحقيق إنجازات ميدانية، لكنهم أشاروا في الوقت نفسه إلى أن نتنياهو نفسه، كما وزير حربه يوآف غالانت ثم وزير الشؤون الإستراتيجية رون ديرمير المقرّب من الأميركيين، وضعوا هدفاً ثانياً يتمثّل في السعي إلى أن «تفيد العمليات العسكرية بإطلاق» الأسرى لدى المقاومة.
ويحاول جيش الاحتلال من خلال عمليته البرية فصل شمال القطاع عن جنوبه، مع تركيز على قصف التجمّعات بغية دفع السكان للتوجه إلى جنوب القطاع الذي بقي عرضة للغارات أيضاً، في محاولة إضافية لإجبارهم على المغادرة بصورة نهائية. وفي هذا السياق، كان لافتاً إعلان منسّق السياسات الإستراتيجية في مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي «أننا نركز على مدى إمكانية إيجاد مخرج آمن من القطاع. في حال نجحنا في تأمين ذلك، ينبغي إجراء مباحثات مع الشركاء في المنطقة، بمن فيهم المصريون، حول قدرتهم الاستيعابية لتوفير نوع من الدعم المؤقّت للعائلات التي ترغب بالخروج، لأن شعورنا أنهم يودون العودة إلى منازلهم، ولا نعتقد أن أعداداً كبيرة ترغب بالمغادرة بشكل نهائي». فيما أعلنت مندوبة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة أن الوضع الإنساني في قطاع غزة يسوء يوماً بعد يوم، وأن على “إسرائيل” مسؤولية تحييد المدنيين.
ميدانياً، فشل جيش العدو في تثبيت مواقع في منطقة زراعية قريبة من الجدار الفاصل في القطاع بعدما ووجه بمقاومة قوية في كل مناطق الاشتباك. وفيما يتعمّد قادة الجيش الحديث عن «عمليات» وليس عن «اجتياح»، قال متصلون بالجانب الأميركي إن ذلك يعبّر عن عدم رغبة العدو بالتورط في القول إنه يشنّ اجتياحاً واسعاً للقطاع، ويعكس، من جهة ثانية، التفاهمات بين الأميركيين والإسرائيليين على وضع «إطار دقيق للعمليات وأهدافها». وأضافت المصادر أن هناك «خشية في واشنطن من إقدام قيادة إسرائيل على خيار توسيع العمليات من دون العودة إلى الأميركيين»، وهو ما عبّرت عنه صحيفة «نيويورك تايمز»، إذ نقلت عن مسؤولين أميركيين «احتمال عدم معرفة» ما تريد إسرائيل القيام به في نهاية الأمر.
تخوف في واشنطن من إقدام اسرائيل على توسيع العمليات من دون العودة الى الاميركيين
وفي ما يتعلق بالمفاوضات حول الأسرى، قالت مصادر معنية لصحيفة «الأخبار» اللبنانية إن رفض العدو أي اتفاق لوقف إطلاق النار يتعارض مع جوهر الاتصالات الجارية بوساطة أميركية – قطرية – مصرية، تهدف إلى إنجاز اتفاق جزئي إن لم يكن كلياً. وأضافت أن المقاومة جزمت للوسطاء بأنها ليست في وارد تقديم أي تنازل، وهي مستعدّة لصفقة كاملة بشروط واضحة، أو لصفقة جزئية ولكن بأثمان واضحة، وفي الحالتين فإن وقف إطلاق النار شرط حيوي لتنفيذ أي اتفاق. وعلمت «الأخبار» أن رئيس الموساد ديفيد بارنيا زار القاهرة والدوحة موفداً من نتنياهو.
وبعد نشر المقاومة شريط فيديو لثلاث أسيرات صهيونيات طالبن حكومتهن بإنجاز صفقة تبادل لإطلاقهن، زعم جيش العدو أنه نجح في تحرير مجنّدة أسيرة لدى المقاومة وسط غموض يحيط بالعملية، إذ تبيّن أن المجنّدة كانت قد نشرت في 12 من الشهر الجاري تغريدة على منصة «أكس»، فيما نفى عضو المكتب السياسي لحركة حماس عزت الرشق الأمر، مؤكداً أن «هذا الإعلان هدفه التشويش على فيديو الأسيرات الذي بثّته كتائب القسام وأحدث صدمة كبيرة لدى المجتمع الصهيوني». وأضاف أن «هذه المزاعم هي محاولة للهروب من الضغط الذي يمثله ملف أسرى الاحتلال على نتنياهو وحكومته».
وقالت مصادر فلسطينية إن مصر طلبت من قيادات في حماس الحضور إلى القاهرة لتسريع الاتصالات. وكشفت أن مسؤولين من سبع دول أجنبية على الأقل، تواصلوا مع قيادة الحركة للسؤال عن أسرى أو مدنيين من حملة جنسيتها، وادّعوا بأنهم يمارسون ضغوطاً على الكيان. ونقلت المصادر عن المفاوضين أن كل الأطراف المشاركة في الاتصالات تبدي خشيتها من تعنّت العدو ورفضه اتفاقاً قابلاً للتطبيق. وشدّدت على أن المقاومة «لن تقبل بصفقة لا تشتمل على وقف لإطلاق النار وإطلاق سراح معتقلين من سجون العدو وإدخال كل المساعدات الموجودة في منطقة العريش»، إضافة إلى البدء في برنامج إيواء العائلات التي دُمرت منازلها أو نزحت إلى مناطق أخرى في القطاع.
وأكدت المصادر الفلسطينية أن الأميركيين وغيرهم في المنطقة يعرفون وقائع ما يجري على الأرض، وأن العدو غير قادر على تحقيق أي إنجاز نوعي في حربه البرية، وأن محاولة رهن صفقة التبادل بمجريات العملية العسكرية سيعقّد الأمور أكثر، وسيرفع شروط المقاومة يوماً بعد يوم. وأشارت إلى أن القاهرة أبلغت القوى الفلسطينية بأنها حصلت على موافقة أميركية لإدخال نحو 750 شاحنة من المساعدات خلال أسبوع إلى القطاع، لكنّ الجانب الإسرائيلي يعيق العملية.
حزب الله يواصل العمليات: لدينا وضوح في الرؤية
فيما بدأ حزب الله ترتيباته اللوجستية لتنظيم احتفالات في عدة مناطق من لبنان لتكريم شهداء المقاومة في معركة التضامن مع غزة، ينتظر اللبنانيون والمنطقة المواقف التي سيطلقها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في خطابه الجمعة المقبل. في غضون ذلك، حافظ حزب الله على وتيرة تصدّيه للاعتداءات الصهيونية عبر مواصلة استهداف التجهيزات الفنية والتجسّسية لمواقع العدو في بياض بليدا والمطلة ورأس الناقورة البحري وجل العلام وثكنة برانيت.
سياسياً، جدّد الحزب موقفه الداعم للمقاومة في غزة. وقال رئيس كتلة الوفاء النيابية محمد رعد: «نحن لا نطلق شعارات، وإنما نحمي ثغورنا ونقف جاهزين منفتحين على كل التطورات التي نواكبها ونلحظها لحظة بلحظة، لنطوّر موقفنا في ما يحقق مصلحتنا ومصلحة بلدنا وأهلنا في غزة ومصلحة قضية فلسطين»، مشدداً على أن «لنا كل الوضوح في الرؤية التي نتصرف بموجبها، ونحن معنيون بأن نمارس كل الضغوط منفردين ومجتمعين من أجل وقف العدوان».