22.4 C
دمشق
2024-07-27
صحيفة الرأي العام – سورية
سياسة

النازحون السوريون في لبنان: تمييز عنصري ولا ذكريات حلوة

تقرير إخباري اعداد احمد بدور

تزداد أزمة النازحين السوريين إلى لبنان تعقيدا عاماً بعد عام، ولا سيما مع الأزمة الاقتصادية المتمادية. فبعد مرور 12 سنة على اندلاع الحرب الظالمة على سورية، تتعمق أزمة من اضطر من السوريين للنزوح الى لبنان وتزداد الاستفزازات ضدهم أغلبيتها الساحقة لدواع تمييزية وسياسية، والبعض الآخر بسبب ما يدعيه المستفزون من أن الكثير من النازحين رفض العودة إلى مناطقهم الآمنة تمسكاً بالمساعدات التي يحصلون عليها. أزمة ولّدت مشاكل اقتصادية واجتماعية، كان أبرز ضحاياها الأطفال الذين ولدوا في النزوح بلا أوراق ثبوتية أو شعور بالانتماء.

يعتمد الأطفال على روايات الأهل المحكيّة لكي يتعرّفوا إلى وطنهم

فقد قال تقرير نشرته صحيفة الأخبار اللبنانية اليوم إنه مثلا في إحدى الخيم في سهل الوزاني، ولد أحمد قبل تسع سنوات. بين خيمته وخيم الجيران وحقول العنب والدراق وزرائب الماشية، أمضى طفولته ولم يذهب إلى المدرسة. كلّ ما يملكه انتماؤه إلى وطنه الواقع خلف جبل الشيخ المجاور. «أنا سوري»، ينهرنا بانفعال. «هيدي مش بلدنا. هيدي للبنان». أحمد وأشقاؤه الثلاثة، لم يرثوا من والديهم سوى الانتماء المعنوي. فهم لم يحصلوا على أوراق ثبوتية، باستثناء وثيقة تفيد بأنهم ولدوا في مستشفى مرجعيون الحكومي. لكن سراب الانتماء، لا يبدّد من سوريّتهم. يحفظ الأربعة، الذين تقلّ أعمارهم عن العشر سنوات، حكايا الأهل عن القامشلي وحلب التي نزحوا منها إثر اندلاع الحرب في آذار 2011. منذ ذلك الحين، لم يزر الأطفال وعائلاتهم مسقط رأسهم.
تقول أمينة والدة أحمد، (24 عاماً) إنها غير قادرة مادياً على العودة إلى القامشلي لزيارة أهلها الذين عادوا من لبنان منذ سنوات. أما زوجها وعائلته، فقد فضّلوا البقاء لأن «الوضع هنا على سوئه، يبقى أفضل من سورية حيث البطالة وفقدان الحاجيات الأساسية. هنا، تتوافر فرص عمل كثيرة لزوجي. فضلاً عن المساعدات التي تقدمها الأمم والمنظمات». وفي حال رغبت أمينة بزيارة سورية، فلا يمكنها اصطحاب أطفالها لأن لا شيء يثبت أنها والدتهم أو تزوّجت والدهم في الأساس. «تسجيل الزواج والأولاد يحتاج إلى تكاليف مادية في السفارة السورية في بيروت ولدى الأمم (مفوضية اللاجئين في الأمم المتحدة)». رسمياً، لا يملك الأطفال الأربعة كيانات مثبتة، ما حرمهم من الالتحاق بالمدرسة.
أما عائشة (7 سنوات) التي تعتبر بأنها «سورية لأن أهلها سوريون». لا يملك هؤلاء الأطفال أدوات متنوّعة للتعرّف إلى بلادهم. في الخيم، لا يملكون تلفازاً أو هواتف ذكية. يعتمدون على الروايات المحكية من الذاكرة الجماعية للأهل، وتحديداً لمن يملك الوقت والحسّ منهم لشدّ الأواصر بين أولادهم وموطنهم.

تكرار المأساة الفلسطينية؟

جاسم عندما سئل عن النزوح تشتّت تركيزه عن الذكرى الثانية عشرة للنزوح. لم يكن متنبّهاً لمرور أكثر من عقد بهذه السرعة. يشير إلى مستعمرتَي المطلة وكريات شمونة ويخشى تكرار تجربة اللجوء الفلسطيني. «عندما نزحنا، لم نجلب كل ّأغراضنا. ظننّا بأن الأمر لن يتخطى الشهر. أصابنا ما أصاب الفلسطينيين عام 1948». يتحسّر الوالد الثلاثيني قبل أن يستسلم لنظرية المؤامرة وتوطين النازحين. «نتمنى أن تسمح لنا الدولة اللبنانية بتشييد منازل من الاسمنت على غرار المخيمات الفلسطينية، لنرتاح من صراعنا الدائم مع الشوادر وألواح الزينكو في كلّ شتاء».

لا ذكرى جميلة

يقول محمد علي (76 عاماً) إنه تنقل بين شقق كثيرة، استأجرها مع ولديه وأسرهما. وبرغم الجيرة الطيبة التي عرف بها، كان يضطرّ إلى ترك المنزل لأن أصحاب بعض الشقق أرادوا رفع بدل الإيجار، أو لأن آخرين قرّروا استعادة شققهم وعدم تأجير سوريين. همّ النزوح بدا على جسد محمد علي. تراجعت صحته تدريجياً. نقص وزنه واصفرّ لونه واحدودب ظهره إلى أن طرح في الفراش. «الزعل أقعدني» يقول بغصة. بدّل النزوح أحواله من صاحب ورشة للنجارة في سوق سد اللوز، ومنزل فخم في حيّ الشعار في مدينته حلب، إلى عاطل من العمل يعيش على المساعدات ويتشرّد من منزل إلى آخر. لا يحفظ من لبنان أي ذكرى جميلة: «زوجتي صدمتها سيارة ورفض السائق أن يدفع الدية، رغم تنازلنا عن حقنا الشخصي، مستخفاً بنا لأننا سوريون. فيما أنا وابني وزوجته وأطفاله الأربعة انتهى بنا السكن في طبقة سفلية لمنزل سكني، استغل صاحبه أزمة النزوح واستحدث جدراناً على عجل، صانعاً شبه منزل ليحصل على بدلات الإيجار التي تدفعها الأمم بالدولار. أما ولدي الثاني وأسرته، فيسكن في غرفة كان يستخدمها جارنا زريبة لبقرته. لكنه عطف علينا وقدّمها لنا كمسكن مؤقت».
ولده الساكن في زريبة كان مدير شركة في لبنان قبل الحرب. «كنت أزوره في شارع الحمرا، حيث يقيم ويعمل لدى زوج شقيقتي». يجزم محمد علي بأن اللبنانيين لم يشعروه قبل النزوح بأي تمييز. أما الآن، فيعاني أحفاده الذين لا يعرفون سوى لبنان من تحريض وكراهية من أطفال بعمرهم. «حفيدتي اكتفت بالذهاب إلى المدرسة ليوم واحد فقط. يومها، عادت مصدومة وخائفة ولم تنجح محاولاتنا في إقناعها بالعودة مرة أخرى. بلغت الآن ثماني سنوات وتتعلم القراءة والكتابة بمفردها عبر الهاتف. شقيقتها ابنة الخمس سنوات، تخاف الخروج من المنزل. ابن الجيران يرشقها بالحجارة هي وإخوتها ويعايرهم بأنهم سوريون».

بشير خضر: جيل مقبل من مكتومي القيد

أبرز الأزمات التي نتجت من أزمة النزوح السوري، الأطفال الذين ولدوا من والدين سوريين خلال الـ 12 عاماً الماضية. فيما يصوّب البعض على أعدادهم الكبيرة التي تفوق المواليد من والدين لبنانيين، يركز آخرون على عدم إحصاء مختلف المواليد السوريين في لبنان، بدقة، عددياً وجغرافياً، ما أدى إلى نشوء جيل كامل غير مسجل في أي قيود. وهذا الجيل مرجح لأن يصبح رجالاً ونساء مكتومي القيد. في هذا الإطار، نشر أمس محافظ بعلبك – الهرمل بشير خضر تغريدة على حسابه على «تويتر» ذكر فيها أن «نسبة النازحين في المحافظة الذين ولدوا في لبنان وتتراوح أعمارهم بين يوم و12 عاماً، تشكل 48 في المئة من مجمل النازحين. وتقدّمت اليوم إحدى الجمعيات بطلب الموافقة على مشروع دعم للنازحات الحوامل في بلدة واحدة، بلغ عددهن 720 سيدة حاملا».
في حديثه إلى «الأخبار»، يوضح خضر أن نسبة الـ 48% ظهرت في إحصاء قام به اتحاد بلديات دير الأحمر، بهدف تبيان واقع النزوح والمخيمات الواقعة ضمن نطاقه وتنظيمه. أما الـ 720 سيدة حاملا، فهنّ في بلدة عرسال. لكن خضر لفت الى أن هذا الرقم لم يحصِ كل الحوامل، إنما الفئة المستفيدة فقط من مشروع الدعم.

مواضيع ذات صلة

اترك تعليق