20.4 C
دمشق
2024-07-27
صحيفة الرأي العام – سورية
سياسة

عشائر شرق الفرات وتحدي التوحد على رأي واحد والالتزام بقضايا الوطن

تحقيق صحفي اعداد احمد بدور

منذ بدء سيطرة ما كانت تسمى كتائب الجيش الحر على مناطق واسعة شرق الفرات وغربه، أي منطقة الجزيرة السورية، والأحاديث تتطاير بين المعنيين بالشأن العام، منهم من أعطى حكما عاما مبرما بأن هذه السيطرة تمت بالتنسيق مع الزعامات العشائرية، ومنهم من كان يقول علنا إن شيوخ العشائر يقيمون في العاصمة في فنادق فخمة على حساب الدولة، وأبناؤهم يقاتلون مع القوى المسلحة المعادية لهذه الدولة، مما كان يسمى الجيش الحر، مرورا بالنصرة، ثم داعش، وانتهاء بقسد حاليا، لكن أطرافا أخرى وهي أصوات قليلة من داخل العشائر كانت تنفي ذلك عندما تتحدث من مناطق تحت سيطرة الدولة.

 وإذا كان من الصعوبة بمكان التعرف على حقيقة الأمر في مثل هذه الحالات، وان التعميم خطأ فادح، فإن ما ظهر، وما يظهر من وقائع على الأرض حتى الآن لا تبدو من خلاله العشائر العربية في سورية، وخصوصاً في منطقة شرق الفرات، على قلب رجل واحد، إذ إن الانقسام داخلها حقيقي وواقع، وإن اعتبره البعض ناتجاً من مقتضيات مصلحية ستتغيّر بمقتضى الظروف. وأيّاً تكن حقيقة الأمر، فالأكيد أن نواة أيّ مقاومة شعبية للاحتلال الأميركي وأدواته، داخل النسيج العشائري، تتطلّب شغلاً من نوع خاص، حتى تستطيع النموّ وإحداث تأثير فعلي على الأرض، إذا أمكن إنشاؤها بالأصل.

فهذه العشائر تنقسم في موقفها من الأزمة السورية، وتتوزّع ولاءاتها ما بين الأطراف المتعدّدة للأزمة، وقد تكون العشيرة نفسها مقسومة ما بين تأييد الدولة، أو أيّ طرف آخر، أو مجرّد الخضوع لسلطة الأمر الواقع في مناطقها. انقسامٌ تكاد لا تنفكّ محاولات تبديل خارطته، خصوصاً في المنطقة الشرقية، حيث تبدو العشائر محور تجاذب مستمرّ.

 وفي هذا الإطار، يكشف أمير قبيلة طي العربية، الشيخ محمد الطائي، في حديث إلى صحيفة «الأخبار» اللبنانية، عن محاولة مستميتة ممن تسمي نفسها «قوات سورية الديمقراطية» لاستمالته وتبديل موقفه الداعم للدولة، وذلك عبر عدد من الشخصيات الكردية والعشائرية التي تقطن في مدينة القامشلي.

 واعتبر الطائي، أن توحيد موقف العشائر مسألة مستحيلة بسبب الاختلافات السياسية، لذلك فهو يطالب الحكومة بإيلاء اهتمام أكبر لهذا الملفّ، لمواجهة المشروع الأميركي الذي تُمثّل «قسد» إحدى أدواته، عبر العمل على جعل العنصر العربي الأقلّ فاعلية في الحياة المجتمعية والسياسية.

 واعتبر الطائي أن دعم العشائر وتسليحها من قِبَل الدولة السورية مسألة ضرورية لإنشاء قوى قادرة على مواجهة الاحتلال الأميركي ومشروع «قسد»، لافتاً إلى أن العشائر بواقعها الحالي غير قادرة على المواجهة الطويلة الأمد، وخير مثال على ذلك هو ما شهده حيّ حارة طي في مدينة القامشلي قبل أشهر، من هجوم غير مبرَّر لـ«الإدارة الذاتية»، كان فيه موقف القوات الروسية سلبياً، حينما لعبت دور الوسيط ودفعت إلى إقرار هدنة بين أبناء عشيرة طي و«قسد»، لتقوم الأخيرة باستغلال الهدنة وتقتحم الحيّ أمام أعين القوات الروسية التي لم توقف الهجوم الذي يُعدّ خرقاً لوساطتها.

محاولة الاستقطاب تأتي بعد فشل قسد في صنع زعامات جديدة

 وحسب ما ظهر على الأرض ووفق ما أكده خبراء في المنطقة فإن محاولة «قسد» استقطاب شخصيات فاعلة ومعترَف بها في الوسط العشائري، تأتي بعدما باء مسعاها لتصنيع شخصيات عشائرية على مقاس مشروعها بالفشل؛ فمَن تُقدّمهم على أنهم «وجهاء ومشايخ» يدعمون موقفها ويتبنّون مشروعها في إنشاء كيان مستقل أو شبه مستقل، لا يُعتدّ بمواقفهم ولا يتمّ اعتماد رأيهم أو سماعه من قِبَل العشائر التي يدّعون تمثيلها.

 فقد أفضى العمل على تصنيع مشايخ على هوى «قسد» مثلاً، إلى قيام أحمد الخبيل الذي يقود «مجلس دير الزور العسكري»، وهو أحد تشكيلات «قسد» المسلّحة، بتنصيب نفسه «أميراً لقبيلة البكيّر»، الأمر الذي قابله رفض عشائري للاعتراف بـ«حرامي الميتورات» كما يصفه سكان شرق الفرات، بحسب ما يقول مصدر عشائري لـ«الأخبار»، مضيفاً أن «عباية المشيخة باتت تُمنح لكلّ مَن ترضى عنه قسد ليكون موظفاً يَحضر حين الطلب الاجتماعات التي تصدر من خلالها صورة إعلامية تقول بأنها مدعومة من العشائر، علماً أن القيادات الكردية تعاني من فوبيا العشائر منذ أحداث عام 2004 التي شهدتها مدينة الحسكة، والتي كان للعشائر العربية حينها دور أساسي فيها، عبر إنهاء الحراك الكردي الذي حاول استغلال أحداث شغب خلال مباراة لكرة القدم، ليُحوّله إلى حدث سياسي».

وللحاجة المادية أكبر الأثر

وأعرب شيخ عشيرة عنزة نوّاف الملحم، في تصريح إلى «الأخبار»، عن اعتقاده بأن موقف وجهاء العشائر إنما هو موقف وطنيّ، ولكن انخراط بعض أبنائها في صفوف «قسد» يُعدّ فرصة عمل لا أكثر، في ظلّ تردّي الأوضاع المعيشية في المناطق المحتلّة، معتبراً أن هؤلاء سيتركون السلاح بمجرّد حدوث صدام مع الدولة.

 ويشدّد الملحم على أن محاولة «تفصيل» وجهاء عشائر على مقاس أهداف «الإدارة الذاتية» أو الأطراف الأخرى المنتشرة في الأراضي السورية، لا يمكن أن يعبّر عن الموقف الوطني الذي تمسّكت به العشائر التي لعبت دوراً مهمّاً في معارك ريف الرقة وتدمر ودير الزور.

 ويرى الملحم الذي يشغل أيضاً منصب الأمين العام لـ«حزب الشعب» المحسوب على المعارضة الداخلية، إن العمليات التي تستهدف مقارّ «قسد» وقوات الاحتلال الأميركي في مناطق شرق الفرات تُنفَّذ من قِبَل ما سمّاه «المقاومة العشائرية»، عبر خلايا تعمل بشكل منفصل من دون أيّ تنسيق، الأمر الذي يجعل تعقّبها صعباً، مشيراً إلى أن «المقاومة السرّية» هي الأسلوب المعتمَد من قِبَل كلّ حركات المقاومة حول العالم، إلى أن تحين أو تتهيّأ الظروف السياسية والميدانية للإعلان عن نفسها من خلال بيانات رسمية.

هناك أسباب عدة للانقسام

 عضو مجلس الشعب حسن المسلط يشير في حديث إلى «الأخبار» إلى أن أسباب انقسام الموقف العشائري متعدّدة، بدءاً من أساليب الترهيب التي مارستها الأطراف المسلحة التي تناوبت على احتلال المنطقة الشرقية، مروراً بطرح أجندات تُحقّق منافع شخصية للمنخرطين فيها، إضافة إلى اللعب على وتر الدين، الأمر الذي منح البعض الفرصة لجنْي مكاسب مالية على حساب انتمائه الوطني والعشائري.

 ويعتبر المسلط أن العمليات ضد قسد «لا تزال خجولة ولا يمكن أن تؤثر على بقاء الاحتلال حالياً». ويعتقد البرلماني الذي يُعدّ أحد وجهاء عشيرة الجبور العربية أيضاً، أن «الضغوط الحياتية وإبقاء السكان في المنطقة مشغولين بالجوع المفروض عليهم من قِبَل سلطة الأمر الواقع الممثَّلة بقسد، من أهم أسباب محدودية هذه العمليات».
صراع النفوذ

 يتحدّر معظم المنخرطين في صفوف الفصائل المسلحة في منطقة مخيم الركبان، من العشائر العربية التي تقطن في ريف دير الزور ومدن تدمر والقريتين الواقعتين في ريف حمص الشرقي. وعلى الأساس العشائري، تنقسم هذه الفصائل على الرغم من موقفها الموحّد في العمل لصالح القوات الأميركية وتحت حمايتها في منطقة تُعرف إعلامياً بـ«منطقة الـ 55 كم»، وهي المنطقة المحيطة ببلدة التنف والقاعدة الأميركية التي أنشئت عند المعبر الحدودي مع العراق. وأصل تسمية تلك المنطقة ناتج من توافق روسي – أميركي على إنشاء مساحة خفض تصعيد تقف فيها القوات السورية على بعد لا يقلّ عن 55 كم من معبر التنف. واللافت أيضاً أن العشائر المذكورة ترفض التنسيق بأيّ شكل كان مع «قسد»، أو الانخراط ضمن مشروع الإدارة الذاتية المعلَنة من طرف واحد شرق سورية. ولذا، فإن انتخاب سالم المسلط رئيساً لـ«الائتلاف السوري» المعارض، جاء مفاجئاً نسبياً، علماً أنه ثاني الشخصيات العشائرية التي تصل إلى هذا المنصب بعد أحمد الجربا المتحدّر من قبيلة شُمّر، والذي يدور صراع خفي بينه وبين حميدي الدهام على مشيخة عشيرة شُمّر العربية، والأخير أحد أبرز الشخصيات العشائرية الموالية لـ«قسد». وبالعودة إلى المسلط، وهو شقيق نواف المسلط، أمير قبيلة الجبور في سورية والعراق، فإن انتخابه لرئاسة «الائتلاف» تُعدّ محاولة من المعارضة المدعومة من تركيا لاستمالة العشائر في المنطقة الخاضعة حالياً لسيطرة «الإدارة الذاتية»، من بوّابة شخصية من المفترض أن تمتلك تأثيراً في الجزيرة السورية على أقلّ تقدير، إلّا أن مصدراً من عشيرة الجبور تحدّث عن جهل سالم المسلط بالخريطة الديمغرافية لعشائر الجزيرة والفرات، إضافة إلى كونه من الشخصيات التي تُعدّ محدودة التأثير وسط عشيرته نفسها، لوجود شقيقه الأكبر نواف كأمير للقبيلة.

 فرص المقاومة

 ويرى مصدر عشائري من ريف دير الزور، أن بعض عمليات الاغتيال التي تُنفَّذ في المنطقة من دون أن يتبنّاها تنظيم «داعش» أو أيّ طرف آخر، إنما يقوم بها بعض أبناء المنطقة المتضرّرين من «قسد» أو قياداتها بشكل شخصي، موضحاً أن ما يساعد هؤلاء على تنفيذ عملياتهم انتشار ظاهرة فوضى السلاح والتي تسهم «الإدارة الذاتية» فيها بشكل كبير من خلال التراخي في ضبط بيع الأسلحة علناً من قِبَل عناصرها في الأسواق العامة، فالمواطن يستطيع الحصول على بندقية أو مسدس من خلال زيارة لأيّ من أسواق المواشي المنتشرة في مدن ريف دير الزور الشرقي وبلداته.

  ويقلّل المصدر من أهمية أيّ عمل يستهدف «قسد» ما لم يكن منظَّماً، مشدّداً على وجوب أن تكون العمليات التي تستهدف القوات الأميركية مبرمجة وذات ثقل كبير، بما يؤثّر على الوجود الأميركي، ولو احتاج الأمر إلى عمليات استشهادية تُذكّر بما شهده لبنان في ثمانينيات القرن الماضي ضدّ القوات الإسرائيلية و«جيش لحد».

مواضيع ذات صلة

اترك تعليق