تقرير إخباري إعداد أحمد بدور
تشهد المناطق الخاضعة للاحتلال التركي في شمال سورية، عمليات تنافس واقتتال فيما بين الفصائل الإرهابية التي تتواجد فيها، فيما تعمل الأجهزة التركية على تسعير هذه العمليات من خلال التغاضي عن مهاجمة كل فصيل للآخر، ومن خلال الانحياز لهذا الفصيل أو ذاك، في خطة يرى مراقبون أنها تمهد لسيطرة الفصائل التي لها علاقات متينة مع هيئة تحرير الشام الإرهابية «النصرة»، ليصار فيما بعد إلى جعل الجميع تحت زعامة الهيئة، التي تتمتع برضى أمريكي، وبدعم لا محدود من تركيا.
اختلف النهج التركي بين مرحلتَين، إذ دعمت أنقرة في الأولى توحيد الفصائل وفي الثانية دعمت تمزّقها
وتحدثت تقارير صحفية عربية عن أن تركيا بدلت أسلوبها في توحيد الفصائل الإرهابية، فبعدما كانت تسعى لتوحيد تلك التي تنشط داخل المنطقة التي تحتلها تحت عنوان «غرفة عزم»، عادت لتنفيذ مخطّط جديد يقضي بتوحيد المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة السورية، بما فيها إدلب التي تسيطر عليها «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة) التي يقودها الإرهابي أبو محمد الجولاني. ويبدو أنّ هذا المخطّط اصطدم في مرحلة التوحيد برفض من بعض الفصائل، وعلى رأسها «الجبهة الشامية»، التي استغلّت «غرفة عزم» لشنّ هجمات طاولت جماعات تتمتّع بعلاقات قوية مع تركيا، من بينها «سليمان شاه»، الذي يُعتبر من أبرز مورّدي المقاتلين الذين ترسلهم تركيا للقتال خارج سورية (ليبيا، وآذربيجان، وأخيراً أوكرانيا)، إضافة إلى علاقته مع «هيئة تحرير الشام»، الأمر الذي يفسّر سبب محاولات إنهائه من قِبَل بعض الفصائل، وعلى رأسها «الجبهة الشامية»، التي يَظهر أنها تحاول خلق حالة مماثلة وموازية لـ«تحرير الشام»، وتقديم نفسها على أنها الأكثر ملاءمة لقيادة هذه المناطق.
وأمام تلك المساعي، يبدو أن «الجبهة الشامية» والفصائل المتحالفة معها (الفيلق الثالث)، وعلى وقع الضغوط التركية المتواصلة بتخفيض النفقات والاعتماد على التمويل الذاتي أسوة بـ «تحرير الشام»، بدأت محاولات السيطرة على معابر التهريب، التي تُعتبر من أبرز الموارد المالية، بالتوازي مع محاولات تهميش الفصائل الأخرى («هيئة ثائرون» على وجه التحديد) وتسليط الضغط عليها لإنهاء المنافسة معها، الأمر الذي خلق بيئة متوتّرة جاهزة للاشتعال في أيّ وقت، وهو ما تَظهر آثاره بين وقت وآخر في صراعات واشتباكات دامية. ويلاحظ، في هذا السياق، ميل تركيا الواضح إلى «ثائرون» ومحاولتها تسويقها بشكل غير مباشر، عن طريق العلاقات القوية التي ظهرت بين «الائتلاف» المعارض الذي أعادت تركيا هيكلته و«ثائرون»، من خلال الزيارات العديدة التي قام بها مسؤولو الأوّل لمناطق سيطرة الأخيرة، وتجاهل مناطق سيطرة الفصائل الأخرى، الأمر الذي يمثّل خطوة على طريق فتح الأبواب أمام «هيئة تحرير الشام» التي تتمتّع بعلاقات قوية مع «ثائرون».
وتوقّعت المصادر أن تستمرّ حالة التوتّر القائمة في الوقت الحالي، في ظلّ عدم التدخّل التركي، والإصرار على تقديم الدعم السياسي لفصائل وتجاهُل أخرى، الأمر الذي يمكن أن ينتهي إلى أشكال عدّة، جميعها تصبّ في مصلحة تركيا، سواءً تمكّنت فصائل «الفيلق الثالث» من تقوية نفوذها وتأمين مصادر تمويل ذاتي لها، أو تمكّنت فصائل «ثائرون» من الاستفادة من الظروف وطفت على السطح. وسيسمح ذلك بمجمله بالانتهاء من حالة الانقسامات القائمة، ويفتح الباب أمام توحيد المناطق تحت راية الجولاني الذي بات يتمتّع بعلاقات طيبة مع الولايات المتحدة تسمح لتركيا بتسويقه في مناطق جديدة، أو عن طريق إيجاد مظلّة تجمع بين الفصائل التي تثبت سطوتها و«هيئة تحرير الشام»، وفق توازن واضح تديره أنقرة بعد التخلّص من الأصوات المعارضة لهذا المشروع.
وهكذا تتلاعب الأجهزة الأمنية التابعة لأردوغان بالجميع، لتتمكن أخيرا من تنفيذ المخطط الأمريكي الذي يقضي بسيطرة هيئة تحرير الشام على المناطق الخارجة عن الشرعية السورية، وتتحكم هي بها ومن المؤكد أن ذلك سيكون غطاء وتمهيدا لمرحلة لاحقة يتم خلالها قضم هذه المناطق، واحتلالها ومن ثم ضمها لتركيا، تحقيقا لأطماع عثمانية في ذهن كل مسؤول تركي من أتاتورك وحتى اليوم، وهو ما يتضمنه الميثاق الملي التركي، الذي تمتد أطماع العثمانيين فيه إلى حلب والموصل.