الحكم في قطر كغيره من ممالك ومشيخات الخليج حكم فردي مطلق، لا يعرف من الديمقراطية إلا اسمها، ولا نية له في الاقتراب منها على الإطلاق لكن ومن خلال عملية تجميل الوجه القبيح للإمارة تقرر إجراء انتخابات لمجلس شورى قطري له صلاحيات محدودة جدا، ومع ذلك فقد وضعت قوانين انتخابية تحصر حق الترشح بفئات محدودة جدا بحيث يحرم أغلبية أبناء قبيلة بني مرة من هذا الحق.
قبيلة بني مرة تتموضع على الحدود مع السعودية وهناك من يحمل الجنسيتين السعودية والقطرية وهو بحكم قانون الانتخاب لا يحق له الترشح بل الانتخاب فقط كذلك سيقتصر حق الترشّح والتصويت في الانتخابات القطرية، على المواطنين «الأصليين»، أي أحفاد مَن حصلوا على الجنسية قبل العام 1930، بينما القطريون المجنّسون والمولودون في قطر، الذين حصل أجدادهم على الجنسية القطرية بعد العام المذكور، فيحقّ لهم التصويت فقط، ولن يُسمح لباقي المجنّسين لا بالترشّح ولا بالتصويت.
هذه القيود القاسية التي فرضت على المرشح تكاد تحرم وفق تقارير إخبارية الأكثرية الساحقة من قبيلة بني مرة المعارضة للأمير من حق الترشح مما أثار مظاهرات واحتجاجات في صفوف أبنائها.
احتجاجات بني مرّة، كالعادة، اتّسمت بالهجوم الشديد على القيادة السياسية في قطر، بشكلٍ أثار مخاوف قبائل أخرى من تهديد الاستقرار في الدولة. وفي مقطع فيديو نُشر في مواقع التواصل الاجتماعي، تَوجّه المحامي هزاع المري إلى أمير قطر في كلمة اعتُبرت «مسيئة»، قائلاً: «أنشدك أن تنجد نفسك وشعبك من فتنة عظيمة… لن نعيش كالأنعام نأكل ونشرب وأمرنا بيد غيرنا… وسنطالب بحقوقنا حتى لو كُتب الموت لنا في السجون». وأطلق ناشطون «هاشتاغ»: «آل مرّة هل قطر قبل الحكومه».
وقد بالغت الحكومة القطرية ، في الشدّة التي تعاملت بها مع تظاهرات أبناء القبيلة، أولاً لأن التظاهرات ليست بالحجم الذي يهدّد الحكم في الدوحة، وثانياً لأن الانتخابات لن تُغيّر كثيراً في تركيبة السلطة القطرية، نظراً لمحدودية صلاحيات مجلس الشورى. وكان يمكنها أن تتعامل بطريقةٍ أكثر ليونة مع التظاهرات، لاسيّما وأنّه من غير الممكن الاستمرار في التمييز بين المواطنين، إذا كان للتجربة الانتخابية القطرية أن تستمرّ، وإلّا فلا لزوم لهذه الانتخابات من الأصل.
قبيلة بني مرة شاركت في تحركات شهدتها منعطفاتٌ حاسمةٌ أخرى في التاريخ القطري الحديث، فقد وقفت أجزاء كبيرة من القبيلة مع الأمير الأسبق خليفة بن حمد آل ثاني، في العام 1996، لدى محاولته استعادة السلطة من ابنه حمد (الذي كان قد انقلب عليه قبل ذلك بعام)، والتي اتَّهمت قطر السعودية والإمارات والبحرين بدعمها. أمّا المَرّة الأخيرة من الاضطرابات التي اشتركت القبيلة بها واتهم فيها بنو مرّة بأنهم لعبوا دور حصان طروادة للسعودية وحلفائها، فقد وقعت قبل أربع سنوات، حين قاد شيخ القبيلة، طالب بن لاهوم آل شريم، الذي كان يحمل الجنسية القطرية، تحرّكاً موازياً للمقاطعة التي فرضتها السعودية والإمارات والبحرين ومصر على بلاده في العام 2017 واستمرّت ثلاث سنوات، منادياً بسقوط الأمير تميم بن حمد، ليؤول تحرّكه إلى نزْع السلطات القطرية جنسيّته مع نحو 54 فرداً من القبيلة، التي أعلن كُثرٌ من أبنائها، في المقابل، ولاءهم للأمير. يومها، بدا رهان المناهضين للحُكم القطري من بني مرّة، كبيراً، خصوصاً أن الخطّة السعودية – الإماراتية قضت باجتياح قطر عسكرياً والإطاحة بحُكّامها كما زعم حينها.
مشكلة تعدد الجنسيات الخليجية
تُمثّل «الجناسي» (جمع جنسية وفق التعبير الرائج خليجياً) واحدة من المشكلات المستعصية في الخليج، الناتجة من وجود قبائل عابرة للحدود. إذ لطالما استُخدمت «الجناسي» سياسيّاً في تاريخ دول المنطقة، وستظلّ كذلك، مَنحاً أو إسقاطاً، بصورة جماعيّة ممنهجة، أو بصورةٍ فردية ضمن التضييق على أيّ نشاط معارض. يحصل الأمر برغبةٍ من الحكومات في التلاعب بالتوازنات القبلية أو الطائفية، أو من قِبَل أبناء القبائل العابرة للحدود، والذين يسعون إلى الحصول على جنسية الدولة الأكثر ثراءً، حتى إذا كانوا يملكون جنسيّة دولة خليجيّة، وهذا ليس حكراً على قبيلة واحدة ولا على دولتَين متجاورتَين بعينهما. هكذا كلّ القبائل، وهكذا كلّ الحدود. ومن هنا، تنشأ مشكلة مزدوجة تتمثّل في امتلاك عددٍ من الخليجيين جنسية دولتَين أو أكثر، وافتقار آخرين لأيّ جنسية، كالبدون. ولأن القانون القطري يمنع ازدواجية الجنسية، فقد قامت الحكومة في العام 2005 بتجريد الآلاف من أبناء بني مرّة (تحديداً من عشيرة الغفران، وهي أحد أفخاذ القبيلة) الذين يحملون الجنسية السعودية، من جنسياتهم القطرية.