تقرير إخباري إعداد أحمد بدور
جدد عدد من المسؤولين الأتراك وخاصة وزير الدفاع ياشار غولر النوايا العدوانية للنظام القائم في تركيا تجاه الشعب السوري وسعيه للتدخل في الشؤون الداخلية السورية وكذب ادعاءاته بمناصرة حقوق الشعب الفلسطيني.
فقد أكد غولر في المؤتمر السنوي التقييمي لعام 2023 أن أنقرة لم تكن جادّة بالمرّة في استعدادها لإجراء مصالحة مع سورية عندما طَرحت ذلك على بساط البحث منذ أكثر من سنة. فعندما تناول كل الموضوعات الأمنية التي تهمّ تركيا، ولا سيما اعتبار «الإرهاب الكردي» في قلب أولويات الدفاع عن الأمن القومي التركي. كان الأمر في غاية الوضوح بالنسبة لسورية، ولو لم يعلن بصراحة، وهو أن جيش الاحتلال التركي لن ينسحب من سورية إلا بعد تغيير نظام الحكم فيها، لمصلحة نظام موالٍ لأنقرة، في تكرار لمقولات سادت مع بداية الحرب.
وقال غولر إن المطلوب من أجل إحلال السلام البنّاء في سورية هو «اعتماد دستور شامل، وإجراء انتخابات حرّة، وضمان أمن حدودنا»، و«حينها سنقوم بما يتوجّب علينا»، و«لكن موقفنا واضح لجهة مواصلة المعركة مع التنظيمات الإرهابية الموجودة على الأراضي السورية، ويجب أن يكون هذا مفهوماً ومعروفاً وموافَقاً عليه من الجميع».
وهكذا، يرسم غولر وهو وزير دفاع دولة خارجية ما يجب أن تقوم به دولة أخرى، في تدخُّل فاضح في الشؤون الداخلية السورية. وفيما يواصل الادعاء بأن بلاده تدعم وحدة الأراضي السورية، تستمر في المقابل حقائق الممارسات التركية التغييرية على الأرض. وإذا كان غولر يضع هذه الشروط على سورية، فلماذا لا يطالب دولاً أخرى يَعتبرها هو ديكتاتورية – من مثل مصر – بالشيء نفسه؟
غزّة أحدث الاختبارات: تركيا والتلوّن في السياسة الخارجية
وبالنسبة لغزة أظهرت تركيا، في السنوات الأخيرة، كأنها ليست لديها «سياسة دولة» خارجية، بل علاقات تتبدّل وتتغيّر تبعاً للظروف العامّة، ولا سيما حسابات السياسات الداخلية. ويبدو ذلك جليّاً لدى النظر إلى أكثر من حادثة أو قضية في هذا الإطار. أولى تلك القضايا وأبرزها، موقف أنقرة من عملية «طوفان الأقصى»، وما تبعها من عدوان وحشي صهيوني على قطاع غزة. فتركيا التي رفعت كذبا، على مدى سنوات، شعارات تُناصر الشعوب والمظلومين – ولو على حساب العلاقات مع الأنظمة – كانت آخر المتّبعين لـ«نهجها»، عندما دانت عملية المقاومة، وساوت بينها وبين العدوان الصهيوني في «الشراكة» في قتل المدنيين. وعندما تمادى الكيلان الصهيوني في بطشه بالشعب الفلسطيني في غزة، ظلّ ردّ الفعل التركي في حدود التنديد بالعدوان، لكن من دون الانتقال إلى خطوات تنفيذية يكون من شأنها إنزال نوع من العقاب به، لا بل إن خطوط التواصل الديبلوماسي، كما التجاري بين الجانبَين، استمرّت مفتوحة على مصراعيها. وكان لسان حال وزير الخارجية التركي، حاقان فيدان، حين ادعى أن استمرار العلاقات مع الكيان لا يؤثّر على موقف بلاده «الداعم» للقضية الفلسطينية.
تلون أردوغان في علاقاته الخارجية وخاصة العربية
القضية الثانية تتعلّق بمصر، حيث أجرى إردوغان، اتصالاً بنظيره المصري، عبد الفتاح السيسي، لمناسبة إعادة انتخاب الأخير لولاية رئاسية ثالثة من ست سنوات (بنسبة 89.6%). والاتصال الهاتفي الذي قالت رئاسة الجمهورية التركية إن إردوغان بادر إليه، هو الأول من نوعه منذ عام 2014 للتهنئة؛ إذ رفض إردوغان آنذاك – وكان في حينه رئيساً للوزراء – الاعتراف بنتائج الانتخابات، واصفاً السيسي بأنه «انقلابي». وفي عام 2018 أيضاً، لم يوجّه إردوغان تهنئة إلى السيسي لمناسبة انتخابه رئيساً لولاية ثانية. لكن هذه المرّة، كان الرئيس التركي سبّاقاً إلى التهنئة، متمنّياً لنظيره المصري التوفيق، وأن تكون المرحلة المقبلة مفيدة للعلاقات بين البلدَين، بالعا كل الاتهامات التي وجهها له سابقا .
فمنذ ما يقرب من عشر سنوات، دخلت العلاقات التركية – المصرية في مرحلة من الانسداد بسبب الخلاف على عناوين من مثل التدخّل التركي في الشؤون الداخلية لمصر من خلال الانحياز إلى جماعة «الإخوان المسلمين»، والصراع في ليبيا وشرق المتوسط. وقد جرت محاولات متعدّدة لرأب الصدع بين إردوغان والسيسي، من مثل المصافحة خلال افتتاح «مونديال قطر»، ومشروع زيارة السيسي لتركيا في تموز الماضي. وجاءت أحداث غزة لتكون بمثابة فرصة لتحسين العلاقات بين أنقرة والقاهرة، وخصوصاً مع قيام وزير الخارجية التركي بزيارة لمصر. لكن كل ذلك لم ينجح، إلى الآن، في إنجاز التطبيع بين البلدَين، على أمل أن ينجح اتصال التهنئة الأخير في طيّ الصفحة السلبية الماضية، ولا سيما أنه يجبّ كلّياً ما قبله من عدم الاعتراف بشرعية ما سماه أردوغان «الانقلابي» السيسي.
في سياق «عدم وجود سياسة خارجية ثابتة ومبدئية»، جاءت الزيارة التي قام بها إردوغان إلى اليونان
وقد علق عدد من الكتاب والصحفيين الأتراك على تذبذب أردوغان وكذبه في علاثاته الحارجية إذ يذكّر الكاتب المعروف، مراد يتكين، بأن إردوغان، منذ عام 2014 وحتى الأمس القريب، لم يترك بلداً إلا «خرّب» العلاقات معه من مصر وسورية إلى اليونان والسعودية والإمارات وحتى الولايات المتحدة، وفي ليبيا، دخل في صدام مع القوى التي تؤيّدها مصر والإمارات. غير أن قطار المصالحات التركية مع بعض هذه الدول، أعقب انطلاقه، وفق يتكين، تدفُّق 20 مليار دولار من الرياض، ومثلها من أبو ظبي، ما جعل أسباب التصالح واضحة، بحسبه. وقبل أيام، وفي سياق «عدم وجود سياسة خارجية ثابتة ومبدئية»، جاءت الزيارة التي قام بها إردوغان إلى اليونان، حيث التقى رئيس الوزراء اليوناني، كيرياكوس ميتسوتاكيس، الذي كان قد قال (إردوغان) إنه «انتهى» بالنسبة إليه، و«قد نأتي فجأة ذات ليلة» للهجوم على اليونان، وهي الجملة نفسها التي يستخدمها لتهديد القوى الكردية في سورية والعراق. وعبارة «انتهى»، تُذكّر بما قاله الرئيس التركي عن رئيس الحكومة الصهيونية، بنيامين نتنياهو، قبل حوالي شهر ونصف شهر، من أنه «انتهى بالنسبة إليه، ولم يَعُد هو المخاطب».