
نازحون يتحلّقون حول موقد نار للتدفئة في مدينة غزة (أ ف ب)
كشف المنخفض الجوّي الذي ضرب قطاع غزة، في أثناء الأيام الماضية، حجم المأساة الإنسانية التي يعيشها مئات الآلاف من النازحين: أجساد هزيلة مرتجفة، وخيام بالية لا تقي من البرد ولا تعصم من زخّات المطر.
يقول محمد المصري، وهو يعصر فراش أطفاله من الماء، في حديث إلى «الأخبار»: «غرقنا من أول خمس دقائق أمطاراً. الخيمة بالية وكل مناشداتنا لتأمين مأوى قبل المنخفض الجوّي لم يسمعها أحد»، مضيفاً أنّ «المخيّم مقام على أرض طينية عديمة الامتصاص. ومياه المطر الغزيرة حوّلت المكان إلى وحل. إننا نسبح في الوحل منذ الصباح».
وناشد أكثر من مليون إنسان في قطاع غزة، يسكنون الخيام طوال أيام، المؤسسات الدولية والمحلّية القيام باستجابة جادّة تتوافق مع حجم الكارثة، لكنّ مجمل ما تقدّمه تلك المؤسسات لا يرقى إلى الحدّ الأدنى من الحاجات. وتعزو جهات الإغاثة، البطء في الاستجابة إلى التلكّؤ الصهيوني في إدخال المتطلّبات العاجلة؛ إذ يسمح الكيان الصهيوني بدخول عشرات الشاحنات من المواد التموينية الثانوية فقط، فيما تمنع مواد البناء والشوادر والخيام الشتوية من الدخول بكمّيات وفيرة.
وحتى إذا توفّرت هذه الأخيرة، فهي تكون بأدنى مستوى من الجودة، لا يتلاءم مع ما يعيشه الغزّيون. ففي مخيم إيواء منطقة «المخابرات» شمال غرب مدينة غزة، حيث مئات الخيام المتراصّة التي من المفترض أن تتّسع لآلاف العائلات، خرج النازحون هرباً من تلك الخيام في اللحظات الأولى للمنخفض. وتقول أم محمود، إنّ «الخيام مصنوعة من القماش الذي يسمح بتسرّب الماء. الخيمة لا تفيد. عانينا من البرد، وخرجنا إلى العراء لأنّ البرد أخفّ ممّا هو داخل الخيمة».
كشف المنخفض الجوّي حجم ما فعلته آلة التدمير الإسرائيلية بالبنية التحتية
أمّا بالنسبة إلى شوارع المدينة، فقد كشف المنخفض الجوّي حجم ما فعلته آلة التدمير الصهيونية، بالبنية التحتية؛ إذ تحوّلت الشوارع الرئيسية إلى برك ومسطّحات مائية كبرى، بعد أن فاضت شبكات المياه والصرف الصحي بكميات هائلة من المياه. ووفقاً لبلدية غزة، فقد دمّرت إسرائيل 800 ألف كيلومتر من شبكات المياه والصرف الصحي، ولا تزال تمنع إدخال المعدّات والأدوات اللازمة لصيانتها.
ويؤكّد مدير «المكتب الإعلامي الحكومي»، إسماعيل الثوابتة، أنّ المنخفض الجوّي الذي شهده قطاع غزة، تسبّب في تضرّر نحو 22 ألف خيمة للنازحين، وترك أكثر من 288 ألف أسرة بلا حماية في مواجهة البرد والأمطار. وقُدّرت الخسائر الناجمة عن المنخفض بنحو 3.5 مليون دولار، بعد أن أغرق مساحات واسعة من المخيمات وحوّلها إلى مناطق غير صالحة للإيواء، كما طاول ضرره شبكات الصرف الصحي البدائية. وشهدت المدارس المستخدمة كمراكز نزوح أيضاً، فيضان الممرّات وتعطّل شبكات المياه المؤقّتة، فيما تكبّد القطاع الغذائي خسائر فادحة مع تلف كميات كبيرة من المواد الغذائية وفقدان مساعدات كانت معدّة للتوزيع. وتعطّلت كذلك أكثر من 10 نقاط طبية متنقّلة، بالإضافة إلى فقدان أدوية ومستلزمات ضرورية بفعل صعوبة الحركة في المناطق الغارقة.

