صحيفة الرأي العام – سورية
صحة

هل يمكن أن يضرّ ترتيب السرير بصحتك؟

هل يمكن أن يضرّ ترتيب السرير بصحتك؟

هل يمكن أن يضرّ ترتيب السرير بصحتك؟

يبدأ يوم كثيرين بطقس بسيط ومألوف: ترتيب السرير بعناية، شدّ الغطاء، وتسوية الوسائد، في مشهد يُنظر إليه تقليدياً بوصفه رمزاً للنظام والانضباط وبداية صحيحة ليوم منتج. وعلى مدى أجيال، جرى ترسيخ هذه العادة في التربية، والتدريب العسكري، وكتب تطوير الذات، باعتبارها خطوة صغيرة تحمل أثراً كبيراً.

لكن، بحسب تقرير حديث نشرته «تايمز أوف إنديا»، قد لا تكون هذه العادة اليومية بريئة كما تبدو. إذ تشير دراسات علمية متزايدة إلى أن ترتيب السرير مباشرة بعد الاستيقاظ قد يخلق بيئة غير صحية، ولا سيما لدى الأشخاص الذين يعانون من الحساسية أو من تهيّج في الجهاز التنفسي.

جودة الهواء داخل المنازل… ودور غرفة النوم

في السنوات الأخيرة، تزايد الاهتمام بجودة الهواء داخل المنازل، خصوصاً مع قضاء الناس وقتاً أطول في أماكن مغلقة. وقد ربطت أبحاث عدة بين الهواء الداخلي وحالات مثل الربو، والتهاب الأنف التحسّسي، ومشكلات الجيوب الأنفية المزمنة.

وتبرز غرفة النوم في هذا السياق بوصفها مساحة حسّاسة، إذ يقضي الإنسان نحو ثلث حياته فيها. وهنا تحديداً، تبدأ عادة ترتيب السرير في إثارة تساؤلات علمية جدية.

لماذا قد يكون ترك السرير غير مرتّب أكثر أماناً؟

تُظهر الأدلة العلمية أن شدّ أغطية السرير بإحكام قد يوفّر بيئة مثالية لتكاثر عثّ الغبار، أحد أكثر مسببات الحساسية شيوعاً داخل المنازل. وتشير دراسة أُجريت في جامعة كينغستون في المملكة المتحدة، وقادها عالم البيئة المعمارية ستيفن بريتلَف، إلى أن ترك السرير غير مرتّب خلال النهار يمكن أن يسهم في تقليل أعداد هذه الكائنات الدقيقة.

خلال النوم، يطلق الجسم حرارة ورطوبة عبر التعرّق والتنفس، ويُقدَّر أن الشخص البالغ يفرز نحو ليتر واحد من السوائل كل ليلة. وعندما يُرتَّب السرير فور الاستيقاظ، تُحبس هذه الرطوبة والحرارة تحت طبقات الأغطية، ما يخلق مناخاً دافئاً ورطباً مثالياً لبقاء عثّ الغبار وتكاثره.

وفي المقابل، يسمح ترك السرير مكشوفاً بتبخّر الرطوبة من المرتبة ومواد الفراش بفضل حركة الهواء، ما يجعل البيئة أقل ملاءمة لعيش عثّ الغبار، ويحدّ من نشاطه وقدرته على التكاثر.

عثّ الغبار… خطر غير مرئي

ورغم أن عثّ الغبار غير مرئي بالعين المجرّدة، فإن فضلاته تُعدّ من أقوى مثيرات الحساسية. ووفقاً للجمعية الأميركية للرئة، تُعتبر أغطية السرير والوسائد من أكثر مصادر مسببات الحساسية تركّزاً داخل المنازل.

وقد يحتوي السرير الواحد على ما يصل إلى 1.5 مليون عثّة، ما يعني تعرّضاً مستمراً للمثيرات التحسسية ليلة بعد أخرى. وتتراوح الأعراض بين العطاس واحتقان الأنف، وصولاً إلى مشاكل تنفّسية أكثر خطورة لدى المصابين بالربو أو أمراض الجهاز التنفسي المزمنة، إضافة إلى الأطفال وكبار السن.

هل السرير المرتّب أنظف فعلاً؟

يفترض كثيرون أن ترتيب السرير يعني بيئة نوم أنظف وأكثر صحة. غير أن الواقع، بحسب الخبراء، قد يكون معاكساً. فمع ضعف التهوية، خصوصاً في أشهر الشتاء حين تبقى النوافذ مغلقة، تزداد الرطوبة المحتبسة داخل الفراش.

وتشير هيئات صحية، من بينها مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC)، إلى أهمية تقليل الرطوبة وتحسين التهوية للحدّ من مسببات الحساسية داخل المنازل، إلا أن تأثير روتين ترتيب السرير في هذه المعادلة غالباً ما يُغفل.

كيف يمكن تعديل العادة من دون التخلّي عن النظافة؟

لا يدعو الخبراء إلى إهمال النظافة أو التخلي عن ترتيب المنزل، بل إلى اعتماد مقاربة أكثر وعياً. إذ يُنصح بترك السرير غير مرتّب لبضع ساعات بعد الاستيقاظ، مع سحب الغطاء إلى الخلف وفتح النوافذ إن أمكن، للسماح بتجديد الهواء وتبديد الرطوبة.

وتُستكمل هذه الخطوة بعادات صحية أخرى، مثل غسل أغطية السرير كل أسبوع إلى أسبوعين بالماء الساخن، وتنظيف المرتبة بانتظام، واستخدام أغطية مقاومة لعثّ الغبار للوسائد والمراتب.

غرف النوم متعددة الاستخدام… تحدٍّ إضافي

مع تغيّر أنماط الحياة، لم تعد غرفة النوم مساحة مخصّصة للنوم فقط، بل أصبحت مكاناً للعمل والاسترخاء أيضاً. وفي هذا السياق، تزداد أهمية جودة الهواء الداخلي.

ووفق تقرير «تايمز أوف إنديا»، يُعدّ السماح للسرير «بالتنفّس» خطوة بسيطة ومنخفضة التكلفة يمكن أن تحسّن جودة الهواء وتقلّل من مسببات الحساسية، من دون التخلي عن مفهوم النظافة.

خلاصة

دائماً ما اعتُبرت عادة ترتيب السرير صباحاً علامة إيجابية، لكن الأبحاث الحديثة تشير إلى أن تعديلاً بسيطاً عليها قد يحمل فوائد صحية ملموسة. فترك السرير غير مرتّب لبضع ساعات يتيح للهواء الطبيعي تجفيف الفراش، ويحدّ من نشاط عثّ الغبار، ويسهم في خلق بيئة نوم أكثر صحة.

إعادة التفكير في هذا الطقس اليومي لا تعني كسر قاعدة قديمة، بقدر ما تعني التكيّف مع فهم علمي جديد، قد يقلّل من خطر صحي غير مرئي أثّر بهدوء في حياة ملايين الأشخاص.