صحيفة الرأي العام – سورية
سياسة عربي

التعاون الاستخباري بين الإمارات وإسرائيل: شراكة تتجاوز التطبيع

أبرمت الإمارات عدة شراكات ثنائية مع شركات تكنولوجيا إسرائيلية لتعزيز قدراتها في الدفاع السيبراني (من الويب)

أبرمت الإمارات عدة شراكات ثنائية مع شركات تكنولوجيا إسرائيلية لتعزيز قدراتها في الدفاع السيبراني (من الويب)

منذ توقيع الإمارات اتفاقيات «أبراهام» مع العدو الصهبوني في عام 2020، لم تَعُد العلاقة بين الطرفين مقتصرة على التطبيع السياسي أو الاقتصادي، بل تحوّلت إلى شراكة أمنية وعسكرية متقدّمة تشمل مناطق حسّاسة في الشرق الأوسط، ما جعل الإمارات بمنزلة بوّابة الكيان الصهيوني إلى الخليج العربي، فيما تحوّل اليمن إلى مختبر ميداني لهذه الشراكة.

تبادل استخباري وتقنيات مراقبة

ووفقاً لمجلة «SAGE Journals» في دراسة بعنوان «الإطار الأمني الديناميكي: تحليل التعاون الأمني والدفاعي بين الإمارات و”إسرائيل” بعد اتفاقيات أبراهام» فإن «الإمارات تستفيد من الاتفاقات مع “اسرائيل” على مستويات الدفاع والأمن».

وأوضحت الدراسة أن الإمارات تنظر إلى إيران من منظور النزاعات الإقليمية، خصوصاً السيادة على جزر أبو موسى وطنب، بينما ترى “إسرائيل” في إيران راعياً لـ«مجموعات» مثل حزب الله، تهددها مباشرة، ما يشكل تهديداً مشتركاً يؤسس لأرضية للتعاون بين الدولتين، رغم اختلاف الأولويات الإستراتيجية لكل منهما.

ورغم غياب أي تعاون سيبراني منصوص عليه في اتفاقيات «أبراهام»، إلا أن التعاون بين الإمارات ووالكيان ظهر عبر مبادرات ثنائية وإقليمية عدة.

فمنذ توقيع الاتفاقيات، أبرمت الإمارات شراكات ثنائية عدة مع شركات تكنولوجيا صهيونية لتعزيز قدراتها في الدفاع السيبراني. ففي عام 2023، دخلت شركة «Cyber Together» الصهيونية في مذكرة تفاهم مع نظيرتها الإماراتية EliteCISOs للتعاون في تبادل الخبرات، واستضافة ورش عمل مشتركة، والمساعدة في تدريب الكوادر وتطويرها. ويُذكر أن رئيس Cyber Together الحالي، يائير كوهين، كان رئيس وحدة الاستخبارات 8200 الصهيونية، المتخصصة في استخبارات الإشارات والمراقبة وفك الشفرات.

وأشارت المجلة إلى أنه قبل اتفاقيات «أبراهام»، شاركت الإمارات والكيان في تدريبات جوية متعددة الجنسيات في الولايات المتحدة واليونان، فيما شملت التدريبات Blue Flag 2021 في صحراء النقب بمشاركة وفد إماراتي رفيع المستوى، وتمارين بحرية في البحر الأحمر بمشاركة الإمارات والكيان والبحرين والولايات المتحدة، بعد الاتفاقيات.

وإضافة إلى ذلك، كانت سلسلة تقارير صادرة عن معهد «AGSI» قد تناولت الموضوع كاشفة أن التعاون بين الطرفين يشمل الأمن السيبراني والمراقبة البحرية، في ظل ما وصفه بـ«تهديدات مشتركة» من جماعات مدعومة من إيران، وقد أسهم تصاعد التوتر في البحر الأحمر في تعزيز هذا التعاون، خصوصاً مع تصاعد هجمات حركة «أنصار الله» اليمنية على الملاحة الدولية، مشيرة إلى أن الإمارات من أكثر الدول الخليجية تفاعلاً في هذا المجال.

وقد أظهرت التقارير أن الإمارات استخدمت تقنيات مراقبة صهيونية، بما يعكس شراكة تتجاوز حدود التعاون التقليدي، وصولاً إلى تأسيس شبكة تُدعى «Crystal Ball» لتبادل المعلومات الاستخباراتية، ما حوّل هذا التحالف إلى منظومة عملياتية فاعلة، لا تقتصر على تبادل معلومات، بل تشمل تدريبات مشتركة في الأمن السيبراني وتقنيات المراقبة الرقمية.

وبحسب صحيفة «هآرتس» العبرية في شباط 2025، كان لـ«الموساد» دور مركزي في بناء قنوات التواصل الأولى مع الأجهزة الأمنية الإماراتية، ولا سيما في مجال تعقّب تحركات «الحرس الثوري» الإيراني.

وفي هذا الإطار، نشرت صحيفة «The Guardian» عدة تقارير منذ 2021 تفيد بأن أبو ظبي استخدمت برنامج «بيغاسوس» التابع لشركة NSO الصهيونية للتجسس على معارضين وصحافيين، عرب وأجانب، ما أثار انتقادات واسعة بشأن دور التكنولوجيا الصهيونية في تكريس الرقابة الداخلية.

اليمن: مختبر للتجارب الأمنية

منذ انخراطها في الحرب على اليمن عام 2015 ضمن التحالف الذي تقوده السعودية، ركّزت الإمارات على بناء بنية أمنية خاصة بها، عبر السيطرة على موانئ إستراتيجية، وإنشاء تشكيلات عسكرية تابعة لها. وبحسب موقع «ميدل إيست آي» في نيسان 2023، أسّست الإمارات شبكة قواعد في المخا وسقطرى وعدن، ضمن ما بات يُعرف بـ«الحزام الأمني» البحري، و«النخبة الشبوانية»، و«النخبة الحضرمية»، ما أتاح لها بناء بنية عسكرية ولوجستية ذات أهمية قصوى “لإسرائيل”، ومنح الأخيرة موطئ قدم استخباري دائم.

وتحوّلت هذه المواقع إلى نقاط متقدّمة للتنصّت ورصد الاتصالات، وفقاً لتقارير تحدثت عن تجهيز قواعد استخبارية “إسرائيلية” – إماراتية مشتركة، تمكّن تل أبيب من رصد تحركات خصومها في باب المندب وخليج عدن. وذكرت مجلتا «Foreign Policy» و«Stratfor» في 2024 أن هذا التعاون شمل أيضاً إنشاء مراكز رصد مشتركة في البحر الأحمر والقرن الأفريقي، وتحديداً في إريتريا وجيبوتي، لمراقبة حركة السفن الإيرانية وخطوط إمداد «أنصار الله».

عمليات سرّية واغتيالات

لم يتوقف التعاون عند الدعم اللوجستي، بل بلغ حدّ التورط في تنفيذ عمليات اغتيال داخل الأراضي اليمنية. فقد كشف تقرير مركز «القدس للشؤون العامة» في آب 2025 أن عملية «تيبات مزال» (قطرات الحظ)، والتي استهدفت رئيس وزراء حكومة صنعاء أحمد غالب الرهوي وتسعة من وزرائه هي عملية مشتركة بين «الموساد» وأجهزة إماراتية، إذ قدّمت أبو ظبي الغطاء الميداني، فيما تولّت تل أبيب التخطيط والتنفيذ.

وأشار التقرير إلى تنسيق ثلاثي بين الولايات المتحدة، “إسرائيل”، والإمارات في مجال تبادل المعلومات الاستخباراتية، على خلفية مخاوف من عمليات انتقامية ضد قيادات أمنية إسرائيلية، حيث شكّلت الضربة على صنعاء تحوّلاً في إستراتيجية الردع “الإسرائيلية”، عبر اللجوء إلى «التحييد المستهدف» لقادة الصف الأول في «أنصار الله»، بدلاً من ضرب المنشآت العسكرية والاقتصادية فقط.

بنية أمنية ممتدة من الخليج إلى القرن الأفريقي

في السنوات الماضية، ساعد التعاون مع الإمارات في تأمين مجال جوي وبحري لعمليات “إسرائيلية”، خصوصاً في البحر الأحمر. ووفقاً لتقرير مركز «القدس» فإن الهجمات التي طالت لاحقاً الموانئ الإسرائيلية والسفن التجارية، شكّلت رداً على اغتيال قادة من «أنصار الله»، مضيفاً أن هذه التطورات قد تدفع الحركة إلى مراجعة شاملة لإستراتيجيتها في مواجهة العدو، بعد أن بات التفوق الاستخباراتي “الإسرائيلي” مدعوماً إماراتياً وأميركياً.

في موازاة ذلك، كشفت تقارير «BuzzFeed News» عن أن الإمارات موّلت برنامج اغتيالات في عدن، استعانت خلاله بمرتزقة أميركيين سابقين لتصفية شخصيات سياسية ودينية، معظمها من حزب «الإصلاح». ووفقاً لمنظمة «Reprieve»، استخدمت أبو ظبي طائرات مسيّرة وفرقاً خاصة لإنشاء بنية تحتية أمنية وُضعت لاحقاً في خدمة العمليات “الإسرائيلية” السرّية.

وخلص تحليل مركز «القدس» إلى أن مكانة الإمارات تعززت كشريك أمني مركزي ضمن المشروع “الإسرائيلي” الممتد من الخليج إلى القرن الأفريقي.