صحيفة الرأي العام – سورية
اقتصاد دولي سياسة

بكين «تكتشف» أوراقها: محاصرة واشنطن… بفول الصويا!

من المُقرّر عقد الجولة المقبلة من المحادثات التجارية بين الولايات المتحدة والصين الأسبوع المقبل (أ ف ب)

من المُقرّر عقد الجولة المقبلة من المحادثات التجارية بين الولايات المتحدة والصين الأسبوع المقبل (أ ف ب)


في ولايات إلينوي وأيوا ومينيسوتا وإنديانا الأميركية، لا يبدأ موسم حصاد فول الصويا، عادةً، إلا بعد أن تتلقّى المزارع، في شهر أيلول من كل عام، موجة طلبات من الصين، الدولة التي تستورد تلك المادة الغذائية أكثر من دول العالم مجتمعة، وتُعدّ الولايات المتحدة، تقليدياً، أكبر مزوّد لها بها. وعلى ما يبدو، وعندما تتعلق المسألة بالحرب التجارية مع بكين، فإنّ واشنطن، وفي انعكاس للمشهد «المألوف»، هي من تجد نفسها، هذه المرة، في قلب الحصار.

وذكرت وكالة فرانس بريس في تخليل اقتصادي لها أمس في هذه السنة، وعلى وقع تصعيد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لتهديداته التجارية ضدّ الصين، قررت «الجمهورية الشعبية» حرمان المزارعين الأميركيين في الغرب الأوسط، أكبر عملائهم الأجانب وأكثرهم «ربحية»، عقب انخفاض مشتريات الصين من 12 مليار دولار – أي ما يعادل نصف الصادرات الأميركية من فول الصويا – العام الماضي، إلى «صفر» في أيلول من هذا العام.

وطبقاً لما يؤكده إيفن باي، مدير أبحاث الزراعة في شركة «تريفيوم تشاينا»، ومقرها بكين، في حديث إلى «واشنطن بوست»، ففي حين يمارس المزارعون الأميركيون ضغوطاً على ترامب لـ«إعادة الصين إليهم»، فإن بكين لا تواجه ضغوطاً مماثلة للسماح بعمليات الشراء من المورّدين الأميركيين، ما يمنحها قدراً كبيراً من النفوذ في التفاوض، ولا سيما أنّه بالنسبة إلى المزارعين الأميركيين، من الصعب العثور على بديل للطلب الصيني. وحتى لو تمّ التوصل إلى اتفاق هذا الشهر، فقد يكون الأوان قد فات بالنسبة إليهم لتعويض الطلبيات التي خسروها بالفعل.

من جهتهم، لا يخفي المحلّلون الصينيون تفضيل بلادهم المتزايد للشراء من أي مكان «غير الولايات المتحدة»؛ إذ إنّه «من وجهة نظر الصين، فإن أميركا مورّد لا يمكن التنبؤ به»، على حدّ تعبير نيو هايبين، مدير مركز «دراسات أميركا اللاتينية» في «معاهد شنغهاي للدراسات الدولية». وعليه، وبعدما فقد فول الصويا الأميركي «ميزته» السعرية عقب التعرفات الجمركية الأميركية، فقد وجدت الصين، على ما يبدو، موردين بديلين لسد هذه الفجوة. ومن بين تلك البدائل، تُعدّ البرازيل، المصدر الأكبر لفول الصويا، الرابح الأول من «الحصار» الذي فرضته الصين على الولايات المتحدة، فيما تشمل قائمة الدول الأخرى المستفيدة الأرجنتين والأوروغواي، وحتى روسيا.

ورداً على تهديد ترامب الأخير بـ«الانتقام» من خلال وقف تجارة زيت الطهو، أفادت صحيفة «غلوبال تايمز» الصينية المملوكة للدولة بأنه «لا يوجد نقص في المشترين لزيت الطهو الصيني المستعمل». وتبدو نبرة التحدي التي تنتهجها الصين مدعومة بالمخزونات التي تمتلكها البلاد بالفعل؛ إذ سجّلت وارداتها من فول الصويا رقماً قياسياً في أيار، وارتفعت بنسبة 5.3% على أساس سنوي في الفترة الممتدة من كانون الثاني إلى أيلول، لتصل إلى 95 مليون طن، وفقاً لـ«وكالة الجمارك الصينية».

انخفضت مشتريات الصين لفول الصويا الأميركي في أيلول إلى «الصفر»


وعلى ما يبدو، يُعدّ فول الصويا واحدة من أوراق الصين «الحاسمة» في الحرب التجارية، وهو ما انعكس في إدراج ترامب، الأحد، تلك المادة، جنباً إلى جنب الفنتانيل والمعادن، كأهم القضايا العالقة بين الولايات المتحدة والصين قبل عودة الجانبين إلى طاولة المفاوضات. وممّا قاله ترامب من على متن طائرته الرئاسية: «لا أريدهم أن يلعبوا معنا لعبة الأرض النادرة»، وإنّه يريد من الصين «التوقف عن استعمال الفنتانيل»، واستئناف مشتريات فول الصويا.

الصناعات الدفاعية

ومع إعلان الصين، في التاسع من الجاري، أنها لن تسمح بتصدير المواد الأرضية النادرة لاستخدامها من قبل الجيوش الأجنبية، وهي القيود الصينية الأولى التي تستهدف قطاع الدفاع الأميركي على وجه التحديد، يجادل مراقبون بأنّ القيود المُشار إليها تشكّل «تهديداً لصناعة الدفاع الأميركية»، ما يمنح الرئيس شي جين بينغ نفوذاً إضافياً في وجه الرئيس دونالد ترامب في المحادثات التجارية المقبلة، والمتوقّع عقدها خلال «الأسبوعين القادمين»، طبقاً لما أعلنه ترامب.

وفي هذا الإطار، تنقل شبكة «سي أن بي سي» الأميركية عن غراسلين باسكاران، خبيرة المعادن المهمة في «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية»، قولها إنّ ما تقدّم يعني أنّه «سيتم رفض منح التراخيص للجيوش والشركات الأجنبية التي تنتج السلع النهائية للاستخدام العسكري»، ما يقوّض تطوير القاعدة الصناعية الدفاعية في وقت يتصاعد فيه التوتر العالمي، مشيرةً إلى أنّ ذلك يُعدّ بمثابة «تكتيك تفاوضي قوي للغاية لأنه يقوّض الأمن القومي».

والجدير ذكره، هنا، أنّ المغناطيسات الأرضية النادرة تُعدّ من المكوّنات المهمة في أنظمة الأسلحة الأميركية، وعلى رأسها الطائرة الحربية «أف -35»، والغواصات من فئتي «فيرجينيا» و«كولومبيا»، وطائرات «بريداتور» المُسيّرة، وصواريخ «توماهوك»، والرادار، وسلسلة ذخائر الهجوم المباشر المشترك من القنابل الذكية، وفقاً لوزارة الدفاع الأميركية.

وأثارت الإجراءات الصينية موجة انتقادات واسعة في أوساط المحللين الأميركيين، ومن بينهم جيريمي سيغل، أستاذ التمويل الفخري في «جامعة بنسلفانيا»، الذي تساءل، في حديث إلى الشبكة نفسها: «ماذا كنا نفعل؟ من المخزي أننا لا نملك احتياطياً استراتيجياً من المعادن النادرة، وأننا نسمح للصين باحتكار 90% من تكرير المواد الأرضية النادرة!».

حراك دبلوماسي

ومع اقتراب انتهاء الاتفاقية التي حالت دون اندلاع الحرب التجارية الشاملة بين أكبر اقتصادين في العالم، في العاشر من تشرين الثاني، من المُقرّر عقد الجولة المقبلة من المحادثات التجارية بين الولايات المتحدة والصين الأسبوع المقبل، خلال لقاء بين وزير الخزانة سكوت بيسنت، ونائب رئيس مجلس الدولة الصيني هي ليفينغ، في ماليزيا، للتحضير لاجتماع ترامب وشي، علماً أنّ الطرفين كانا قد عقدا، مساء الجمعة، لقاءً افتراضياً.

وبعدما كان الزعيم الأميركي قد لوّح بفرض رسوم جمركية بنسبة 100% على الصادرات الصينية، رداً على فرض بكين ضوابط جديدة على المعادن النادرة، أوردت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية أنّه في مواجهتها التجارية مع واشنطن، تعتقد بكين أنها وجدت «موطن ضعف» الأخيرة، ألا وهو تركيز ترامب على سوق الأوراق المالية.

وأضافت الصحيفة، نقلاً عن أشخاص مقرّبين من عملية صنع القرار في بكين، أن «الزعيم الصيني شي جين بينغ يراهن على أن الاقتصاد الأميركي غير قادر على استيعاب صراع تجاري طويل الأمد مع ثاني أكبر اقتصاد في العالم»، وأنّ «الصين تتمسّك بموقف حازم بسبب اقتناعها بأن الحرب التجارية المتصاعدة ستؤدي إلى انهيار الأسواق، كما فعلت في نيسان، بعدما أعلن ترامب تعرفاته الجمركية في (يوم التحرير)، والتي أجبرت بكين على الرد». وطبقاً للمصادر نفسها، تتوقّع بكين أن يؤدي احتمال حدوث انهيار آخر في السوق في نهاية المطاف إلى إجبار ترامب على التفاوض في القمة المتوقّعة مع شي، والتراجع عن فرض التعرفات الجمركية التي يهدّد بها.