الجمعة 17 تشرين اول 2025

لا تطمس الصورة الوردية للعلاقة بين روسيا وسوريا الجديدة، الكثير من الاعتبارات والصعوبات التي تعقّد المشهد (أ ف ب)
تركت زيارة الرئيس أحمد الشرع، إلى موسكو أثراً إيجابياً لدى الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ولدى المسؤولين الروس، إذ إن روسيا التي تسعى إلى ضمان بقاء قواتها في قاعدتَي طرطوس وحميميم، وإلى استعادة نفوذها في سورية بعد أن خسرته عشية سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد، نجحت في عقد تفاهم مع الرئيس الشرع يضمن لها الحفاظ على وجودها الاستراتيجي على البحر السوري، وتأمين خطوط النقل الخاصة بها إلى أفريقيا، وتمتين علاقاتها مع الإدارة السورية الجديدة، بعد أن كانت – بالنسبة إلى المعارضة السابقة – عدوّة بالأمس.
وذكرت وكالة فرانس بريس في تقرير إخباري لها نشرته صحيفة الأخبار اللبنانية اليوم أن أكثر من مصدر روسي مطّلع على نتيجة الزيارة، يعتقد بأن روسيا تعتبر ما حصل أول من أمس إنجازاً في تجاوز المرحلة الماضية بين موسكو ودمشق، وعودة روسيّة إلى لعب دور في المنطقة، بعدما ظنّ الأوروبيون والأميركيون أن سقوط النظام السابق قد حقّق هدفهم بإبعاد روسيا عن سورية ومحيطها. وتشير مصادر دبلوماسية روسية إلى أن «قصّة النجاح الروسي تأتي في وقت يحاول فيه الغرب عزل روسيا عن الشرق الأوسط وأفريقيا والملفات الدولية، وما حصل مع سورية يثبت أن كل هذه المحاولات لا يمكن أن تنجح في إخراج روسيا من علاقاتها التاريخية».
وتضيف المصادر أن «روسيا حصلت على موقف رسمي من الرئيس الشرع حول وجود قواعدها في سورية، وفي مقابل ذلك طلب الشرع استمرار الدعم الروسي الذي كان قائماً للنظام السابق، ومساعدات بالنفط والقمح والسلاح ولعب دور مع “إسرائيل” لوقف هجماتها على سورية». وتكشف المصادر أن الرئيس «الشرع أبلغ موسكو صراحة أنه لا يملك الأموال، وأنه يحتاج إلى المساعدات والدور الاقتصادي والاستثماري الروسي»، مشيرةً إلى أن «موسكو لم تتخلَّ يوماً عن الشعب السوري».
وبحسب المعلومات، فإن الرئيس الشرع وعد روسيا بأفضل العلاقات معها، وطلب مساعدات منها في مختلف القطاعات، ولا سيّما تأمين شحنات من النفط الروسي لتأمين احتياجات السوق السورية، بالإضافة إلى إمداده بالقمح بشكل مستمر، في ظلّ الفارق الكبير بين حاجة سورية السنوية وبين امتلاكها أقل من ربع الكمية فقط عبر الإنتاج المحلي، وتعذّر عمليات الشراء من أماكن أخرى في العالم، وشحّ الموارد المالية لدى الحكومة الانتقالية.
ونسبت الوكالة إلى مصادر روسية أخرى القول إن الرئيس «الشرع يطمح إلى الحصول على مساعدات عسكرية أيضاً، وقطع الغيار والصيانة، وهذا الأمر نوقش خلال اجتماعات عسكرية مشتركة بين وزارتَي الدفاع في البلدين بهدف التعاون العسكري، والأمور تسير بشكل جيد». وأضافت المصادر أن «المسائل الأمنية ومسائل حماية الأقليات والحفاظ على وحدة الأراضي السورية كان لها نصيبها من النقاشات، وأن الرئيس الشرع وعد بمعالجة كل الأمور التي تهمّ روسيا، وأن ملفّ المقاتلين الأجانب في قوات الشرع يحتاج إلى بعض وقت للمعالجة لكنّ هناك تفاهماً مشتركاً بين الجانبين».
وحول ملف الاعتداءات الصهيونية على سورية واحتلال جزء من الأراضي السورية، أفادت المصادر بأن الرئيس «الشرع طلب من روسيا لعب دورٍ مباشر مع الإسرائيليين لثنيهم عن التوغل داخل الأراضي السورية ونشر دوريات في الجنوب السوري كما كان الحال في السنوات السابقة»، كما طلب «دعم روسيا في مجلس الأمن والأمم المتحدة».
ورأت الوكالة أن هذه الصورة الوردية للعلاقة بين روسيا وسورية الجديدة، لا تطمس الكثير من الاعتبارات والصعوبات التي تعقّد المشهد، خصوصاً مع تصاعد الحرب الغربية ـ الروسية على الأرض الأوكرانية، وفي مختلف الساحات الأخرى التي لموسكو تواجد فيها قرب حدودها أو في أعماق أفريقيا، ووالوضع الحالي في سورية والظروف السياسية في ظل تقديم لوائح تعهّدات، لكثير من الدول قبل روسيا، وسيستمر الحال مع دول أخرى… إلى حين.
أزمة سورية مع الكيان الصهيوني، أعمق من أن تعالجها روسيا التي لا تزال تتهيّب إثارة غضب تل أبيب
في الأصل، فإن الدعم البريطاني والألماني والأميركي لسورية الجديدة، مردّه إلى رغبة القوى الغربية في ضرب النفوذ الروسي في سورية، وإخراج روسيا من هذا البلد تمهيداً لعزلها وعزل قواتها في ليبيا وأفريقيا، وهو ما أعلنته بصراحة وزيرة الخارجية الألمانية السابقة، أنالينا بيربوك، بعد زيارتها دمشق بداية العام الحالي. ويضع الوجود الروسي في ليبيا، الأوروبيين في حالة قلق، خصوصاً مع تزايد التوترات الناجمة عن الاتهامات الأوروبية لموسكو بالانتهاكات الجوية للمجال الأوروبي وشنّ الهجمات الأمنية ضد أوروبا، ولدور البنية التحتية الروسية في ليبيا كخلفية لوجستية للفيلق الروسي الأفريقي.
في المقابل، أكّد وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، قبل يوم من زيارة الرئيس الشرع إلى موسكو، أن هدف روسيا هو الحفاظ على قواعدها في سورية، واستخدامها لتوزيع المساعدات على الأراضي السورية، ونقلها أيضاً إلى أفريقيا. وإذ تعتمد روسيا على سورية كنقطة وسطية أساسية لتزويد قواتها وحلفائها في القارة السمراء بالدعم اللازم، فهي كانت قد خفّفت من وجودها العسكري في سورية في الأشهر التي تلت سقوط النظام السابق. إلّا أنها عادت في الأشهر الماضية إلى تعزيز مواقعها في الساحل وكذلك في القامشلي، حيث تملك وجوداً متقطّعاً منذ دخولها إلى سورية في عام 2015.
وفي حين تبدو روسيا الكاسب الأكبر من زيارة الرئيس الشرع، يظهر أن ارتدادات هذه الخطوة بدأت تنعكس سلباً على العلاقات الأمريكية السورية بشكل عاجل. فأوّل المعترضين على الزيارة ، هو النائب في الكونغرس الأميركي، جو ويلسون، الذي يُعدّ الداعم الأول في الإدارة الأميركية للإدارة الجديدة، وعلاقته قديمة مع المعارضة السورية السابقة في واشنطن، ومع اللوبي المؤيّد للرئيس الشرع في الولايات المتحدة.
والواقع أن الزيارة جاءت في وقت حسّاس للغاية، خصوصاً أن النسخة المخفّفة من اقتراح إزالة قانون «قيصر»، لا تزال تتطلّب نقاشاً بين مجلس الشيوخ الأميركي (الذي وافق عليه)، ومجلس النواب الذي يحتاج القانون إلى موافقته وموافقة الرئيس دونالد ترامب لكي يدخل حيّز التنفيذ. وكان من المُفترض بويلسون، الذي بذل جهوداً كبيرة لمساعدة على رفع العقوبات الأميركية، أن يبذل جهوداً أخرى لإقناع زملائه في المجلس النيابي من الآن وحتى رأس السنة، لكي يضمن نجاح تمرير المشروع، إلّا أنه بدل ذلك، كتب عشيّة الزيارة على حسابه على موقع أكس: «جميع الجهود يجب أن تبذل لإزالة قواعد مجرم الحرب بوتين من سورية».
يبقى القول أن دعم روسيا لن يكون سهلاً، بعد أن ضمنت بقاء قواعدها في سورية وحصلت على التنازلات المطلوبة. فموسكو لن تستطيع مدّ سورية بالسلاح من دون دفع ثمنه، كما أن موسكو تحتاج إلى أموال بدل موارد النفط والقمح التي ستقدّمها، في ظل الحصار الغربي عليها، وهي تطمح إلى أن تغطي الدول الخليجية هذه الفواتير. أمّا في ما يخصّ روسيا وإسرائيل، فإن أزمة سورية مع الثانية، أعمق من أن تعالجها الأولى التي لا تزال تتهيّب إثارة غضب تل أبيب، خشية اندفاع الأخيرة إلى مضاعفة مدّ كييف بالسلاح.