صحيفة الرأي العام – سورية
سياسة عربي قضايا عربية

توقيع تركيا على «إعلان نيويورك» يعني أن المقاومة محلّ إدانة

نقرير إخباري

يتحدّث «إعلان نيويورك» عن إسرائيل و«حماس»، كما لو أنهما طرفان متساويان في المسؤولية عمّا يجري، في تجاهل تامّ وظالم للوقائع (أ ف ب)

يتحدّث «إعلان نيويورك» عن إسرائيل و«حماس»، كما لو أنهما طرفان متساويان في المسؤولية عمّا يجري، في تجاهل تامّ وظالم للوقائع (أ ف ب)


لقد أتى توقيع تركيا على «إعلان نيويورك» الصادر عن مؤتمر حل الدولتين دليلا ساطعا على مراوغة سياسية فيما يخص القضية الفلسطينية وكشف السياسة الحقيقية الخفية لأردوغان وجزبه القاضية بتأييد الكيان الصهيوني ودعمه سرا مع شعارات علنية كلامية لصالح الحقوق العربية الفلسطينية ومثل «لحظة افتراق» عن حركة «حماس» بكل توجّهاتها. فـ«إعلان نيويورك» سعى لأن يكون على مسافة واحدة من الحركة والكيان الصهيوني، في الدعوة إلى حلّ القضيّة الفلسطينية. لكن بنوده، في ما خصّ «حماس» بالتحديد، كانت جديدة على الخطوط العامة للسياسة الخارجية التركية في عهد «حزب العدالة والتنمية».
وتجدر الإشارة إلى أنّ تركيا كانت أكبر المهلّلين عندما فازت «حماس» في الانتخابات التشريعية في الضفّة وغزة عام 2006، إذ اعتقدت، في حينه، أنها وجدت موطئ قدمٍ لها في مواجهة النفوذ الإيراني والنفوذَين السعودي والمصري، في وقت كانت فيه القضيّة الفلسطينية واحتضانها، يشكّلان ممرّاً مهمّاً لزعيم «العدالة والتنمية»، رجب طيب إردوغان، للنفاذ إلى الشرق الأوسط، وممارسة تأثير جديد في سياق العمل على مشروع «العثمانية الجديدة» الذي تكشّف كاملاً مع اندلاع انتفاضات «الربيع العربي»، والدعم التركي المطلق لتغيير الأنظمة في سورية ومصر وتونس وليبيا وغيرها. ومع عملية «طوفان الأقصى» في السابع من تشرين الأول 2023، بدت تركيا محرجة في اتّخاذ موقف من العملية، كونها كانت خارجة للتوّ من مسار مصالحة مع الكيان الصهيوني، أعقبه لقاء جمع إردوغان إلى رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، في مقرّ الأمم المتحدة في نيويورك.

وقفت تركيا بدايةً موقفاً محايداً من عملية «طوفان الأقصى»، فلم تؤيّدها، بل دانت قتل المدنيين من أيّ طرف جاء. ولاحقاً اتّبعت أنقرة سياسة الخطَّين المتوازيَين: الأول، هو الخطاب النظري، حيث انتقد إردوغان إسرائيل ووصف «حماس» بأنها حركة تحرّر وطني؛ والثاني، هو الممارسة العملية، إذ امتنعت تركيا عن اتّخاذ أيّ إجراء جدّي ضدّ إسرائيل رفضاً للإبادة في غزة، فلم تخفض العلاقات الديبلوماسية معها، ولم توقف التجارة، كما لم تشهّر بها في المحافل الدولية، ولم توقف تدفّق النفط الآذربيجاني إلى فلسطين المحتلة. وكان الرئيس التركي حريصاً أيضاً على ألّا يُغضب الإدارة الأميركية (السابقة والحالية)، فسكت مثلاً على خطّة الرئيس دونالد ترامب، لتهجير الفلسطينيين في غزة.
ويتحدّث الإعلان الذي وقّعت عليه تركيا و17 دولة أخرى عن الكيان الصهيوني و«حماس»، كما لو أنهما طرفان متساويان في المسؤولية عمّا يجري، في تجاهل تامّ وظالم للوقائع، وفي مقدّمها ما تبقّى من فلسطين في الضفّة وغزة تحت الاحتلال والحصار، وحقّ أيّ حركة فلسطينية في أن تسعى لتحرير أرضها بكل الوسائل. ومن بين أبرز البنود:
1- دان البند الرابع «الهجمات التي ارتكبتها حركة حماس ضدّ المدنيين في 7 أكتوبر»؛
2- تحدّث البند الخامس عن أنّ حلّ الدولتين هو أفضل السبل «لوضع حدّ لجميع أشكال العنف والدور المزعزع للاستقرار الذي تؤدّيه الجهات من غير الدول»، في إشارة واضحة إلى الحركة كونها «جهة غير دولتية»؛
3- والأهم والأخطر، هو دعوة البند الحادي عشر، إلى أنه «يجب على حركة حماس إنهاء حكمها في غزة وتسليم أسلحتها إلى السلطة الفلسطينية»، ومطالبة البند الـ13 بـ«تشكيل لجنة إدارية انتقالية فوراً لتولّي العمل في غزة تحت مظلّة السلطة الفلسطينية» مع طلب تشكيل قوات دولية لحفظ الأمن في غزة.
بمعزل عن كل البنود الأخرى التي بلغ عددها 40، ومع أنّ الإعلان غير ملزم وليس رسميّاً أو أمميّاً، فإنّ توقيع تركيا عليه، يعني:
1- دعوة «حماس» إلى التخلّي عن الكفاح المسلّح كسبيل لتحرير الأرض؛
2- إنهاء سلطتها في غزة وتسليمها إلى السلطة الفلسطينية مع دور محوري للمؤسسات الدولية لإدارة القطاع أمنيّاً واقتصاديّاً. وإذ يشكّل تسليم «حماس» سلاحها وإنهاء حكمها، الهدف الأساسي المعلن من قِبَل إسرائيل في حربها على غزة، فإنّ ذلك يعني أنّ تركيا باتت توافق على الهدف المذكور وتعطيه المشروعية. ولا شكّ في أنّ مثل هذا الموقف يعتبر تحوّلاً في علاقة تركيا بحركة «حماس»، وعودة إلى سياسات أنقرة الداعمة لوجود الكيان منذ تأسيسه عام 1948، والتي أعاد التذكير بها وزير الخارجية التركي، حاقان فيدان، بدعوته السيد الرئيس أحمد الشرع، إلى الاعتراف “بإسرائيل” والتطبيع معها.
ويأتي الجدل بخصوص «إعلان نيويورك» في وقت لا تتوقّف فيه الصحافة التركية المعارضة عن انتقاد الحكومة التركية على مواقفها النظرية من العدوان الصهيوني على غزة؛ إذ قال إبراهيم كيراس، في صحيفة «قرار»، إنه «اتّضح بما لا يقبل الشكّ، أنّ صوت تركيا كان الأعلى بين كل الدول في الاعتراض على الإبادة الجماعية في غزة. لكن، هل منعنا نحن بنبرتنا العلنية الإبادة في غزة؟ هل أنقذنا الأطفال من الموت جوعاً؟ لماذا نكتفي بالكلام ولا نحاول منع إسرائيل من ذلك؟». وسأل كيراس: «لماذا نحتفظ بالتجارة مع “إسرائيل” مباشرة أو عبر دول ثالثة؟ هل يفترض أن نفخر أنّنا ننقل النفط الآذربيجاني إلى “إسرائيل” عبر موانئنا؟ ونفخر لأننا نستضيف شركات دولية تبيع أسلحة لإسرائيل في معرض إسطنبول؟». وأضاف: «نحن نفخر بأن نرفع صوتنا. لكن اليمن، منذ بدء العدوان على غزة، لا يتكلّم ولكنه يفرض حصاراً بحريّاً على “إسرائيل” وميناء إيلات، ويهاجم السفن التي تحمل بضائع إلى “إسرائيل”. ألا يمكننا على الأقلّ منع السفن المحمّلة بالبضائع إلى إسرائيل من مغادرة موانئنا؟ وباستثناءات قليلة نادرة، وبتوجيه من الحكومة، لماذا لا يتحرّك الشعب عندنا كما في الغرب بتظاهرات متواصلة أسبوعية رفضاً لمجازر “إسرائيل”؟ الضغط الشعبي يدفع الحكومات إلى تغيير في مواقفها، وها هي العديد من البلدان في الغرب بدأت تعترف بالدولة الفلسطينية».

مواضيع ذات صلة

اترك تعليق