صحيفة الرأي العام – سورية
سياسة عربي غير مصنف قضايا عربية

الجبهة الطلابية الأمريكية مستمرّة في مظاهرات استنكار مجازر غزة

تقرير

تقرير إخباري إعداد أجمد بدور

رفض الابادة الصهيونية رغم الضغوط ومحاولات القمع: الجبهة الطلابية مستمرّة في جامعات أميركا

شهدت الجامعات حول العالم مؤخرا تصاعداً ملحوظاً في الحراك الطلابي الداعم للقضية الفلسطينية. فمن الولايات المتحدة إلى بريطانيا، وقف الطلاب في وجه الظلم، متظاهرين داخل الحرم الجامعي وخارجه، ومطالبين مؤسساتهم باتخاذ مواقف أكثر إنسانية وعدالة، مثل إنهاء استثماراتها في شركات تدعم الاحتلال. لكن هذا الحراك لم يكن من دون ثمن، إذ يواجه الطلاب اليوم قمعاً غير مسبوق من إدارات الجامعات التي فرضت عليهم قيوداً مشددة، وتهددهم بعقوبات أكاديمية وقانونية في محاولات واضحة لإسكات الأصوات المناصرة لفلسطين

وحسب تقارير إخبارية نشرتها صحف عربية ومنها صحيفة الأخبار اللبنانية شهدت الجامعات حول العالم خلال الأشهر الماضية،موجة واسعة من الاحتجاجات الطلابية المندّدة بالمجازر الصهيونية في غزة. إذ خرج آلاف الطلاب في تظاهرات سلمية، حاملين اللافتات والشعارات التي تطالب بإنهاء القصف الصهيوني ودعم حقوق الفلسطينيين.

ففي الولايات المتحدة، نظّم طلاب في جامعات كبرى مثل «كولومبيا» و«هارفار» و«بيركلي» وقفات احتجاجية ومسيرات داخل الحرم الجامعي، ودعوا جامعاتهم إلى وقف الاستثمار في الشركات المرتبطة بـ «جيش» الاحتلال .

وفي بريطانيا، اعتصم طلاب في حرم جامعة «لندن سكول أوف إيكونوميكس» مطالبين بتغيير سياسات الحكومة البريطانية الداعمة “لإسرائيل”. كما أطلق الطلاب حملات على السوشيال ميديا للتوعية بالانتهاكات الصهيونية، وربطوا بين قضايا العدالة الاجتماعية والنضال الفلسطيني، في محاولة لحشد دعم أوسع من المجتمع الأكاديمي والدولي. وعلى الرغم من التضييقات الأمنية والضغوط الإدارية، استمرت هذه الاحتجاجات ضد جرائم الاحتلال ورفض السياسات التي تتواطأ مع هذه الانتهاكات.
زعماء الكيان الصهيوني استشعروا الخطر مما حصل من تحركات طلابية، فخلال زيارة الملياردير الجنوب أفريقي، إيلون ماسك، لقلسطين المحتلة في 27 تشرين الثاني 2023، أجرى محادثة مع رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو، بُثّت مباشرةً على منصة «إكس». عبّر خلالها نتنياهو عن رأيه بوجود «مشكلة لدى جامعات التعليم العالي في الغرب». مشكلة حاولت “إسرائيل” حلّها عن طريق مجموعات الضغط الصهيونية الأميركية لطرد مديري الجامعات التي سمحت في الاحتجاحات.

واليوم، بعد انتهاء الانتخابات الأميركية والحذر الذي يرافقها، تشهد الجامعات تصعيداً خطيراً في قمع النشاط الطلابي المؤيد لفلسطين، تغذيه ضغوط سياسية ومالية تُمارس لمصلحة “إسرائيل.” هكذا، صار الحراك الطلابي الغربي اليوم أمام معركة مزدوجة: واحدة ضد كيان الفصل العنصري وأخرى ضد قمع حرية التعبير داخل المؤسسات الأكاديمية، في ظل انحياز متجدّد لمصلحة الكيان مع تهيّؤ الرئيس الـ 47 للولايات المتحدة، دونالد ترامب، لدخول البيت الأبيض بعد تنصيبه رسمياً في 20 من كانون الأول (يناير) المقبل.
ففي الأسبوع الماضي، ألقت الشرطة القبض على أربعة طلاب في جامعة «كيس وسترن ريزيرف» في ولاية أوهايو، بتهمة التخريب الجنائي بسبب احتجاجهم على الحرب الصهيونية على غزة. وعلى الرغم من الإفراج عنهم لاحقاً، فرضت الجامعة عقوبات تأديبية تشمل تعليق الدراسة وحظر دخول الحرم الجامعي. وتعرّض رئيس منظمة «طلاب من أجل العدالة في فلسطين»، يوسف خلف لاستهداف مباشر، إذ عُلقت دراسته حتى عام 2026 لمجرد مشاركته في احتجاجات سلمية، واستخدمت الجامعة شركة خاصة للتحقيق معه، في خطوة لم تُطبق على أي منظمة طلابية أخرى. وهذا ما سمّاه خلف بـ «الاستثناء الفلسطيني» في حديث له مع «ذي إنترسبت»، وهو نهج تُمارسه المؤسسات الأكاديمية ضد الفلسطينيين ومؤيدي قضيتهم.

وامتدت الحملة القمعية ضد النشاط الطلابي المؤيد لفلسطين إلى جامعات أخرى، مثل جامعة «ويسكونسن-ماديسون»، حيث واجه طلاب تحقيقات تأديبية بسبب مقالات تدعو إلى التضامن مع الفلسطينيين. اعتمدت هذه التحقيقات على أدلة واهية واستخدمت بمثابة أداة لتخويف الطلاب وإسكاتهم. وقالت الطالبة داليا صبا لـ «ذي إنترسبت»، إن الهدف من هذه العقوبات ليس فقط معاقبة الطلاب، بل خلق بيئة من الخوف تمنعهم من التعبير عن آرائهم مستقبلاً. وفي جامعة «بنسلفانيا»، وصلت الأمور إلى حد مداهمة منازل طلاب يشاركون في تنظيم احتجاجات مؤيدة لفلسطين. أما كلية «بومونا»، فقد أقدمت على تعليق دراسة عشرة طلاب لمدة عام دراسي كامل بسبب مشاركتهم في احتجاجات تدعو إلى التخلي عن الاستثمارات المرتبطة بالكيان.
واستثمرت الجامعات موارد ضخمة لقمع الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين، واستعدّ عدد من المؤسسات في الصيف الماضي لمواجهة النشاط الطلابي المتوقع في الخريف عبر عقد مؤتمرات أمنية وتحضيرات مشددة. ولم تنته الأمور هنا، إذ فرضت بعض الجامعات إجراءات جديدة لتقييد حرية التعبير. في جامعة «كيس وسترن»، صارت الاحتجاجات التي تضم أكثر من عشرين شخصاً تتطلب موافقة مسبقة، كما حُظرت أدوات مثل الميكروفونات والصور. وفرضت بشكل انتقائي ضد النشطاء المؤيدين لفلسطين، بينما لم تواجه المنظمات الأخرى مثل «هليل»، الداعمة للكيان، أي عقبات مشابهة.

«الاستثناء الفلسطيني» نهج تُمارسه المؤسسات الأكاديمية ضد الفلسطينيين ومؤيدي قضيتهم

في جامعة «ميشيغن»، التي تُعدّ من أبرز مواقع الاحتجاجات المناهضة للكيان الصهيوني والداعمة للقضية الفلسطينية في الحرم الجامعي، شهدت الساحة تطورات جديدة. فقد صوّتت الحكومة الطلابية الأسبوع الماضي على عزل رئيسة الاتحاد الطلابي ونائبها بسبب أنشطتهما التي وصفها الإعلام العبري بالمتشددة والحازمة ضد “إسرائيل”. وتحوّلت الجامعة إلى ساحة صراع سياسي محتدم، يحظى بتغطية واسعة من الصحف العبرية. رئيسة الاتحاد الطلابي، أليفا أنام تشودهري، التي بدأت فترة رئاستها بشعار Shut It Down «أغلقوها»، تجد نفسها الآن مهددة بالعزل بعد تصويت مجلس الطلاب بغالبية ضدها. ويأتي هذا القرار على خلفية سلسلة من التحركات التي تضمّنت محاولات متكررة لتجميد الميزانيات الطلابية، في مسعى إلى الضغط على إدارة الجامعة للتخلي عن استثماراتها المرتبطة بالكيان. وتضمّنت المذكرة الرسمية المرفوعة ضد الحركة الطلابية مزاعم بتحريضها على العنف، وتهديد الزملاء ووصفهم بـ «الصهاينة».

وفي معرض ردّها على الاتهامات، أكدت حركة «أغلقوها» على منصة إنستغرام أنها تسعى إلى تحقيق تغيير جذري، مشيرة إلى هدفها في كشف «التواطؤ مع الإبادة»، معتبرة أنّ أنشطتها جزء من مواجهة شاملة لتحقيق العدالة.
ولا يقتصر التمييز ضد الطلاب الفلسطينيين ومؤيديهم على العقوبات التأديبية، بل يمتد إلى المضايقات المباشرة. ففي جامعة «روجرز»، واجه الطلاب المسلمون والعرب تحيزاً من أعضاء هيئة التدريس، إذ اتّهمت طالبة أستاذاً بتصويرها وتوجيه اتهامات مهينة لها خارج قاعة محاضرة، بينما واجهت منظمة «طلاب من أجل العدالة في فلسطين» تعليقاً متكرراً لنشاطها بسبب احتجاجاتها السلمية.
وتلعب الضغوط السياسية والمالية دوراً كبيراً في قمع النشاط المؤيد لفلسطين. فالجامعات التي تعتمد على تبرعات كبيرة من أفراد وجماعات داعمة للكيان تخشى فقدان هذا الدعم، ما يدفعها إلى اتخاذ مواقف صارمة ضد النشاط الطلابي. لكنّ الجامعات التي تُصر على تقييد حرية التعبير والانحياز ضد القضية الفلسطينية لا تدمر فقط مستقبل طلابها، بل تشوّه سمعتها كمؤسسات تعليمية يُفترض أن تدافع عن الحق في الاختلاف والنقاش الحرّ. وما يحدث الآن ليس مجرد قمع للنشاط الطلابي، بل جزء من حملة أكبر تهدف إلى إحباط الشباب واستسلامهم ومنعهم من أي محاولة لدعم فلسطين في المستقبل. لكن يبقى الشباب، بروحهم النضالية العالية، في طليعة المواجهة، يشكّلون ركيزة لضمير سياسي عالمي جديد، يصرّ على تحدّي الروايات المهيمنة والانحياز إلى قيم الحرية والعدالة، رغم كل الضغوط النخبوية والسياسية الساعية إلى إسكاتهم.

مواضيع ذات صلة

اترك تعليق