تحليل إخباري إعداد أحمد البرهو
يرى عدد من المحللين أن القيادة الإيرانية وحلفاؤها يستعدون لما يعتبرونه نتيجة مروعة للانتخابات الرئاسية الأمريكية الوشيكة، وهي عودة دونالد ترامب إلى السلطة. إذ تشير استطلاعات الرأي إلى أن المنافسة لا تزال متقاربة بين الجمهوري ترامب والديمقراطية كامالا هاريس. لكن قادة إيران وحلفاءهم في لبنان والعراق واليمن يشعرون بالقلق من احتمال فوز ترامب قد يزيد من العدوانية الأمريكية.
ونسبت رويترز إلى مسؤولين إيرانيين وعرب وغربيين قولهم إن مبعث القلق الرئيسي لدى إيران يتمثل في احتمال أن يُمكن ترامب رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو من ضرب مواقع نووية إيرانية واغتيال أشخاص بعينهم وإعادة “سياسة أقصى درجات الضغط” من خلال تشديد العقوبات على قطاع النفط.
ويتوقع المحللون أن ترامب، الذي تولى الرئاسة في الفترة بين عامي 2017 و2021، سيمارس أقصى درجات الضغط على الزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي للاستسلام وقبول اتفاق يقوض البرنامج النووي الإيراني بشروط يحددها هو والكيان الصهيوني.
وقد يكون لهذا التغيير المحتمل في القيادة الأمريكية آثار بعيدة المدى على توازن القوى في الشرق الأوسط وربما يعيد تشكيل السياسة الخارجية لإيران ومستقبل اقتصادها.
ويرى محللون أنه سواء كانت الإدارة الأمريكية المقبلة بقيادة هاريس أو ترامب، ستفتقر إيران إلى النفوذ الذي كانت تتمتع به ذات يوم بسبب الحملة العسكرية الصهيونية التي بدأت قبل عام لإضعاف حلفاء إيران المسلحين، ومن بينهم حركة (حماس) في غزة وحزب الله في لبنان.
ويضيف المحللون إن من المتوقع أن يسبب موقف ترامب ضررا أكبر لإيران بسبب دعمه الذاتي التلقائي للكيان الصهيوني.
وذكر عبد العزيز الصغير رئيس مركز الخليج للأبحاث أن “ترامب إما أنه سيضع شروطا صعبة جدا على إيران أو سيسمح “لإسرائيل” بشن ضربات محددة على منشآتها النووية. فهو مؤيد تماما للعمل العسكري ضد إيران”.
وقال الصغير لرويترز«يوم الأحلام بالنسبة لنتنياهو هو اليوم الذي يعود فيه ترامب إلى البيت الأبيض».
* كأس مسمومة؟
وقال مسؤول إيراني بارز رفض الكشف عن هويته لرويترز إن طهران “مستعدة لكل الاحتمالات. وجدنا دوما (لعقود) طرقا لتصدير النفط، وتخطي العقوبات الأمريكية القاسية… وعززنا علاقاتنا مع بقية العالم بغض النظر عمن يسكن البيت الأبيض”.
لكن مسؤولا إيرانيا آخر قال إن فوز ترامب سيكون «كابوسا. (لأن ترامب) سيزيد الضغط على إيران لإرضاء “إسرائيل”… وسيتأكد من تطبيق العقوبات النفطية بالكامل. وإذا حدث هذا، فستصاب مؤسساتنا بالشلل الاقتصادي».
وفي كلمة أثناء حملته الانتخابية في تشرين الأول، قال ترامب إنه لا يرغب في خوض حرب مع إيران، لكنه قال إن “إسرائيل” يجب أن «تضرب البرنامج النووي الإيراني أولا، ثم تهتم بالباقي لاحقا»، ردا على الهجوم الصاروخي الإيراني على “إسرائيل” في الأول من تشرين الأول الماضي.
يرى محللون أن خيارات إيران محدودة في المستقبل.
فقد قال حسن حسن، وهو مؤلف وباحث في الجماعات الإسلامية «الحقيقة هي أن ترامب سيدعم نتنياهو ويوافق له على أي شيء يريد فعله… ترامب أسوأ بكثير (من هاريس) بالنسبة لإيران».
وأشار حسن إلى أن واشنطن أعطت للكيان قدرا كبيرا من المسؤولية في الصراع مع إيران ووكلائها، مع تصدر الكيان المشهد. وأضاف “الولايات المتحدة متورطة بما يكفي بدعمها لإسرائيل، ربما أكثر من ذي قبل”.
ومضى حسن يقول «هذه المرة الأمور سيئة حقا بالنسبة لإيران. فالجمهوريون والديمقراطيون على السواء ينظرون لإيران على أنها مشكلة».
ففي مسار حملتها، وصفت هاريس إيران بأنها قوة «خطيرة» و«مزعزعة للاستقرار» في الشرق الأوسط، وقالت إن الولايات المتحدة ملتزمة بأمن إسرائيل. وقالت أيضا إن واشنطن ستعمل مع حلفائها للتصدي «للسلوك العدواني» الإيراني.
وقال مسؤولون إقليميون إن إعادة انتخاب ترامب ستكون «كأسا مسمومة» لخامنئي.
فإذا أعاد ترامب فرض العقوبات الخانقة، سيضطر خامنئي إلى التفاوض وقبول اتفاق نووي أكثر ملاءمة لشروط الولايات المتحدة ووالكيان الصهيوني للحفاظ على الحكم الديني في إيران التي تواجه ضغوطا أجنبية متزايدة وشهدت موجات من الاحتجاجات الجماهيرية في الداخل في السنوات القليلة الماضية.
ويواجه خامنئي تحديا كبيرا أيضا تمثله اتفاقية دفاع أمريكية سعودية ترتبط بإقامة الرياض علاقات دبلوماسية مع الكيان. وهذه الاتفاقية في مراحل التفاوض النهائية الآن.
ويهدد هذا التحالف بتغيير توازن القوى الإقليمي من خلال بناء جبهة موحدة ضد إيران تضر بمكانتها الجيوسياسية واستراتيجيتها في الشرق الأوسط.
* “تشكيل جديد”
قال الباحث حسن إن أحدث الهجمات على إيران والجماعات المتحالفة معها يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها نجاح كبير “لإسرائيل”. فقد أتاحت نظرات معمقة لما قد تبدو عليه ضربة محدودة لإيران، مما يشكل سابقة ويغير الافتراضات القائمة على تصور أن اتخاذ إجراء عسكري ضد إيران من شأنه أن يشعل حتما حربا أوسع في الشرق الأوسط.
وقال مسؤول أمني عربي كبير إن طهران «لم تعد قادرة على التلويح بنفوذها من خلال وكلائها المسلحين» بعد الضربات “الإسرائيلية” التي قتلت قادة حزب الله وحماس.
ومن جانبها فإن إيران لديها كل الأسباب التي تدعو للخوف من ولاية أخرى لترامب.
وكان ترامب هو الذي أعلن في عام 2018 انسحاب الولايات المتحدة من جانب واحد من الاتفاق النووي الإيراني الموقع في 2015 مع القوى العالمية، وأمر بقتل قاسم سليماني، اليد اليمنى لخامنئي والعقل المدبر للهجمات الخارجية على مصالح أمريكا وحلفائها.
كما فرض ترامب عقوبات تستهدف عائدات صادرات النفط والمعاملات المصرفية الدولية لإيران، مما أدى إلى صعوبات اقتصادية شديدة وتفاقم السخط الشعبي في الجمهورية الإسلامية.
وقال ترامب مرارا خلال حملته الانتخابية إن سياسة الرئيس جو بايدن بعدم فرض عقوبات صارمة على صادرات النفط أضعفت واشنطن وجرأت طهران، إذ سمحت لها ببيع النفط وجمع الأموال وتوسيع مساعيها النووية ونفوذها من خلال الجماعات المسلحة.
وفي آذار قال ترامب في مقابلة مع صحيفة هايوم العبرية إن إيران يمكن أن تمتلك سلاحا نوويا في غضون 35 يوما وإن “إسرائيل” تعاني من «جوار غادر وخطير للغاية».
وأشار مستشار حكومي عربي إلى أن طهران تدرك أن هناك “تشكيلا جديدا قيد الإنشاء”، ولكنها تدرك أيضا أن ترامب على الرغم من خطابه الصارم يعلم أنه لا يوجد بديل للاتفاق مع إيران نظرا لبرنامجها المتسارع لتخصيب اليورانيوم.
وقال المستشار “قد يسعى ترامب إلى اتفاق نووي جديد، وقد يقول إنه مزق اتفاق 2015 لأنه كان غير مكتمل ويبرم بدلا منه اتفاقا طويل الأمد ويروج له باعتبار أنه ’يجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى’ ويحافظ على المصالح الأمريكية”.
ومع انحسار وضعف الاتفاق النووي لعام 2015 على مر السنين، رفعت إيران درجة نقاء تخصيب اليورانيوم، مما قلل من الوقت الذي قد تحتاجه لصنع قنبلة ذرية إذا أرادت، على الرغم من أنها تنفي رغبتها في ذلك.
وذكر موقع إيران أونلاين الإخباري الذي تديره الدولة أنه عندما انتهت ولاية ترامب الرئاسية كانت إيران تخصب اليورانيوم بمستوى 3.67 بالمئة فقط وفقا للاتفاق، وهو أقل بكثير عن مستوى 90 بالمئة الذي تتطلبه الأسلحة النووية.
وأضاف الموقع أن إيران الآن «تخصب اليورانيوم حتى 60 بالمئة باستخدام أجهزة الطرد المركزي المتقدمة آي.آر-6 ويمكنها تحقيق القدرة على صنع الأسلحة النووية » في غضون أسابيع قليلة… إن إكمال حلقة الردع النووي هو أعظم ورقة رابحة لإيران في مواجهة ترامب”.
ويحذر مسؤولون عرب وغربيون من أنه كلما أشارت إيران إلى اقترابها من تطوير قنبلة ذرية، كلما أشعرت “إسرائيل” بالحاجة إلى توجيه ضربة.
وقال مسؤول غربي «إذا عاد ترامب إلى السلطة، فسوف يدعم الخطط “الإسرائيلية” لضرب المنشآت النووية الإيرانية».