دعا باهتشلي، أول من أمس، إلى التواصل واللقاء مع القيادة السورية (أ ف ب)
دعا دولت باهتشلي زعيم «حزب الحركة القومية»، الحليف الرئيسي لإردوغان في السلطة، أول من أمس، إلى التواصل واللقاء مع القيادة السورية، منطلقاً في كلامه من عزم من تسمي نفسها «الإدارة الذاتية» في شمال سورية إجراء انتخابات بلدية في 11 حزيران الحالي في 133 منطقة، ولا سيما في مناطق الطبقة وعفرين ودير الزور والرقة ومنبج والجزيرة.
واعتبر باهتشلي أن هذه الانتخابات ليست سوى محاولة أخرى من محاولات تقسيم سورية، قائلاً: «من الواضح أن هذه الانتخابات ما كانت لتجري لولا دعم أميركي لها». ورأى أن «الجمهورية التركية يجب ألّا تساعد قطعاً على مثل هذه المحاولات في المناطق التي احتلّها الإرهابيون أو استولوا عليها، وذلك بمدّ يد التفاهم والمصالحة مع السلطة السورية، أي إقامة جسر تعاون بين أنقرة ودمشق».
وقال باهتشلي، «ما أقترحه هو قيام تركيا وسورية بعمليات عسكرية متزامنة لتجفيف جذر المنظمة الإرهابية الانفصالية»، لأنه «ليس من حلّ آخر سوى نحر قلب الإرهاب. إن استخدام الولايات المتحدة للإرهاب وسيلة سياسية هو فضيحة… تركيا ليست مستعمرة أميركية، وكما انسحبت من أفغانستان، على الولايات المتحدة أن تنسحب من سورية والعراق».
ويرى المراقبون أن هذا الموقف يأتي في غمرة استمرار الخلافات بين أنقرة وواشنطن حول دعم الأخيرة للقوات الكردية في شرق نهر الفرات، وبعد توعّد إردوغان، «حزب العمال الكردستاني» بـ«صيف ساخن»، من شأنه أن ينهي وجوده في شمال العراق كما في سورية. ويمكن، في هذا الإطار، تسجيل الملاحظات التالية على موقف باهتشلي:
1- لم تصدر، إلى الآن، أيّ تعليقات مباشرة من مسؤولين في «حزب العدالة والتنمية» على تصريحات باهتشلي، وهو ما يؤشر إلى أن موقفه الأخير ربما يكون مشابهاً لدعوته، في بداية «طوفان الأقصى»، إلى تدخّل عسكري تركي في غزة، وهي دعوة تراجع عنها في اليوم التالي، شارحاً أنه قصد «التحرّك السياسي وليس أيّ شيء آخر».
2- دعوة باهتشلي إلى اللقاء مع دمشق، لم يقصد بها عقد لقاء بين إردوغان والرئيس بشار الأسد، بل بين مسؤولين سوريين وأتراك، وهو ما حصل سابقاً على مستوى وزراء الدفاع والخارجية، من دون أن يحقّق أيّ نتيجة تذكر.
3- لعلّ الأهم في تصريح باهتشلي، أنه يحصر هدف اللقاء مع القيادة السورية بالتعاون العسكري، والقضاء على مقاتلي «وحدات حماية الشعب» الكردية في شرق الفرات وغربه، من دون الإشارة إلى ضرورة أن يكون ذلك جزءاً من خطّة للمصالحة، تشمل خصوصاً انسحاب الجيش التركي من سورية.
4- يحتمل أن يكون هذا الموقف مجرّد محاولة للضغط على واشنطن لتغيير موقفها الداعم للقوات الكردية، عشية انتخابات 11 حزيران، والتي تعتبرها أنقرة تهديداً لأمنها القومي.
5- وتالياً، يحتمل ألّا تتوقّف دمشق عند دعوة باهتشلي، وألا ترى فيها تغييراً في موقف أنقرة من تطبيع العلاقات معها. فملفّ العلاقات التركية – السورية يرزح في دائرة تتداخل فيها كل الملفات، وعلى رأسها ملف النزوح الذي تستخدمه سلطة «العدالة والتنمية» لأهداف متعدّدة، ومن دون التنسيق مع سورية، وكذلك ملفّ المسلحين في إدلب الذين تدعمهم أنقرة، فضلاً عن الخطط الإجرائية والعملية لتتريك المناطق التي تحتلّها تركيا. أيضاً، فإن أيّ محاولة لاستعادة مناطق شرقي الفرات إلى حضن الدولة السورية من دون البدء بطرد الجيش الأميركي من هناك، كما انسحاب الجيش التركي، لا تعني سوى استمرار للاحتلال، ومزيد من تعقيد الوضع الراهن.
ويرى بعض لمراقبين أن عملية «طوفان الأقصى» والعدوان الصهيوني بعدها على غزة، أضافت تعقيدات جديدة إلى الوضع السوري، على الأقلّ في بعده المتعلّق بإلعدو الصهيوني. ومع تطور الحرب، ارتفعت أصوات كثيرة في الداخل التركي، للمطالبة بقطع العلاقات الديبلوماسية كما التجارية مع كيان الاحتلال، واتّخاذ إجراءات ذات معنى في هذا الإطار. غير أن تركيا أبقت على العلاقات بشقّها الديبلوماسي، فيما لم تصل إلى نقطة وقف التجارة إلّا بعد سبعة أشهر، تراجعت خلالها شعبية إردوغان على خلفية موقفه المتراخي من الحرب. كما أن عدداً من الأصوات، من مثل زعيم حزب «وطن» دوغو بيرينتشيك، ذهب إلى أن الردّ على العدوان يمكن أن يكون أيضاً عبر تصحيح علاقات تركيا مع سورية، والبدء في التواصل مع الأخيرة، والتفاهم على برنامج لانسحاب القوات التركية من هذا البلد، والاتفاق معه على كل القضايا الخلافية، علماً أن محاولات مشابهة كانت قد سبقت «طوفان الأقصى»، ولا سيما عشية انتخابات الرئاسة التركية، في أيار من العام الماضي، ولكن خواتيمها جاءت مخيّبة للآمال. ولعلّ اشتراط دمشق، إعلان أنقرة استعدادها لسحب قواتها من سورية، قبل الشروع في أيّ لقاء جدّي على مستوى الرئيسَين بشار الأسد ورجب طيب إردوغان، هو الذي أحبط عملية «المصالحة». وبعد فوز إردوغان بالرئاسة، انقطعت نهائيّاً أخبار أيّ محاولات أو مبادرات للتقريب بين أنقرة ودمشق، إذ بدا أن الرئيس التركي لم يَعُد يرى حاجة إلى مثل هذا التواصل الذي كان بمنزلة رافعة للفوز بالرئاسة.