تقرير إخباري إعداد أحمد بور
رفض عدد من قيادات الجالية المسلمة في الولايات المتحدة، دعوة إلى حفل إفطار في البيت الأبيض، كان قد وجّهها لهم الرئيس الأميركي، جو بايدن.
وفي هذا الصدد يرى المراقبون السياسيون وفقا لتقارير صحفية عربية واجنبية أن هذا الرفض ليس منفصلاً عمّا يتعرّض له بايدن من ضغوط من قبل النخب المعارضة للحرب على غزة، خاصّة في أوساط المسلمين الأميركيين. ويتساوق ذلك، مع توجّس بايدن العميق من إمكانية تعرّضه لـ«هزيمة انتخابية وشيكة»، ولا سيما في الولايات المتأرجحة، كميشيغان، التي تضمّ نحو 300 ألف أميركي ينحدرون من بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وولاية ويسكونسن، التي كشفت الانتخابات التمهيدية الرئاسية للحزب الديموقراطي فيها، عن وجود قطاع واسع من الناخبين الديموقراطيين المعارضين للعدوان الصهيوني على القطاع، لصالح خيار «غير آبه للتوجيهات»، الموازي لخيار «غير ملتزم» في عدد من الولايات الأخرى.
دعوة إلى إفطار… فـ«لقاء سياسي»!
خلافاً للعام الماضي، الذي لم يشهد تنظيم حفل إفطار، واستعيض عنه باحتفالية بقدوم عيد الفطر شارك فيها أكثر من 300 شخصية من الفعاليات الإسلامية في المجتمع الأميركي، فإن دعوة الإفطار لهذا العام، والتي برّرها البيت الأبيض بداعي الحرص على ما سمّاه «تقاليد مؤسّسة الرئاسة»، ثم عاد وتراجع عنها، بعدما تم رفضها من جانب القيادات الستة المدعوّة إليها، من أبناء الجالية المذكورة، وفي طليعتها زعيمة «مجلس قيادة المسلمين السود» سليمة سوسويل، ورئيس منظمة «Emgage» المعارضة للحرب وائل الزيات؛ ليعود ويحصرها، ونزولاً عند رغبة هؤلاء، في إطار «لقاء سياسي»، علماً أن هوية مَن حضروا هذا الاجتماع، الذي جرى على وقع تظاهرة لناشطين معارضين للحرب أمام البيت الأبيض، بقصد لقاء الرئيس بايدن ونائبته كامالا هاريس، إضافة إلى مستشاره لشؤون الأمن القومي جايك سوليفان، فضلاً عن عدد من المسؤولين الأميركيين، ومناقشة سياسة واشنطن إزاء غزة، بقيت غير معلنة بشكل رسمي. فخلال مؤتمر صحافي، أوضحت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارين جان- بيار، أن الرئيس الأميركي أجرى «اجتماع عمل مع وجهاء من الجالية الإسلامية»، أعقبه «حفل إفطار صغير»، كاشفةً أن المشاركين أصرّوا على أن يكون الاجتماع «مغلقاً».
وما بدا لافتاً، هو استثناء بعض الشخصيات المسلمة التي «شقّت عصا الطاعة» في وجه إدارة بايدن أخيراً، وفي مقدّمها رئيس بلدية ديربورن في ولاية ميشيغان عبدالله حمود. ومع ذلك، لم تكن مشاركة شخصيات أخرى سارّة لبايدن، إذ حضر طبيب أميركي من أصول فلسطينية، يُدعى ثائر أحمد، إلى الاجتماع، حاملاً معه رسالة من طفلة فلسطينية من رفح تبلغ من العمر ثمانية أعوام، تناشد فيها الرئيس الأميركي التدخُّل لوقف الحرب، سلمها قبل أن يهمّ بالمغادرة.
وقد كشفت شبكة «سي إن إن» جانباً من مضمون رسالة الطفلة، والتي جاء فيها: «أتوسّل إليك، سيادة الرئيس بايدن، أن تمنعهم (الإسرائيليين) من دخول رفح». كما كشف أحمد، الذي عاد لتوّه من غزة، رفقةَ فريق طبي من منظمة «MedGlobal»، بعدما وصف القطاع بأنه «غير قابل للعيش»، في حديثه إلى الشبكة، أن النخب الإسلامية التي شاركت في الاجتماع تناوبت على استعراض وجهة نظرها حيال الأوضاع في غزة، ومن بين هؤلاء أطباء شرحوا «الوضع المزري على المستوى الإنساني والإغاثي»، وحجم «الانتهاك للقانون الدولي الإنساني»، فضلاً عن تأكيد «الحاجة الملحّة إلى تمرير المساعدات الإنسانية بحراً»، إلى جانب أئمة ناشدوا بايدن «إعادة ضبط بوصلته الأخلاقية»، مشيراً إلى أن الاجتماع دام أكثر من ساعة وتسبّب بإحباط بعض الحاضرين.
وبحسب «سي إن إن»، فقد توجّهت نائبة الرئيس إلى أحد الحضور بسؤاله عمّا يأكل سكان غزة، ليأتيها الجواب: «في الغالب، هم لا يأكلون أيّ طعام (صالح للاستهلاك البشري). لكن إذا ما كان سؤالك يتعلّق بما إذا كانوا يأكلون علف الحيوانات، فالإجابة هي نعم. الناس يأكلون علف الحيوانات». ونقلت الشبكة عن أحد المشاركين في الاجتماع، قوله إن هاريس بدت «وكأنها تسمع ذلك الأمر للمرّة الأولى».
يعمل فريق حملة بايدن على تخويف المسلمين من عودة ترامب إلى سدة الرئاسة
إزاء ذلك، تشير صحيفة «واشنطن بوست» إلى أن «رفض قيادات إسلامية أميركية دعوة البيت الأبيض إلى حفل الإفطار، يبرز حجم التحديات الملحوظة التي يواجهها بايدن في أوساط المجتمع العربي والمسلم داخل الولايات المتحدة، قبل سبعة أشهر من موعد الانتخابات الرئاسية، بوصف ذلك جزءاً من عرض منظّم للاحتجاج على نهجه حيال حرب غزة»، لافتة إلى أن الاجتماع الذي تقرّر عقده الثلاثاء يُعدّ «الأول من نوعه»، منذ أواخر تشرين الأول الماضي حين اتسم لقاء الطرفَين بحدّة واضحة بسبب ذلك النهج، وخصوصاً في ما يتعلّق بتشكيك بايدن في أعداد ضحايا العدوان.
وتحذّر الصحيفة من أن «الديموقراطيين يخشون الآن من أن عنصر فقدان بايدن للدعم في أوساط المسلمين الأميركيين يمكن أن يساعد في تمهيد الطريق أمام سلفه الجمهوري، دونالد ترامب، للعودة إلى البيت الأبيض»، مضيفة أنه «من المرجّح أن تتوقّف انتخابات هذا العام على عدد قليل من الولايات المتأرجحة، بما في ذلك ميشيغان». وبحسب الصحيفة، فإنّ مجرّد رفض تقاسم وجبة الطعام، أو حتى مشاركة غرفة المائدة نفسها مع بايدن إنّما يمثّل «دليلاً جديداً على مدى الشرخ الحاصل في العلاقة بين بايدن والمجتمع الإسلامي في الولايات المتحدة» بفعل استمرار الحرب على غزة.
من يسعى إلى دقّ إسفين بين «مسلمي أميركا»؟
ويعتبر مراقبون متابعون للشأن الأميركي أن اللقاء بين بايدن وقيادات إسلامية يشي بوجود تباينات في أوساط المسلمين الأميركيين حيال الطريقة المثلى للتعامل مع الإدارة الأميركية، ذلك أن بعضهم، ولأسباب مبدئية وأخلاقية صارمة، لا يوافق على عقد أيّ اجتماعات مع الرئيس وفريقه، فيما يؤيّد آخرون نهج الواقعية السياسية عبر الانخراط في محادثات مع مسؤولي الإدارة، على أمل إحداث تغيير في السياسات المتّبعة حيال غزة. وفي هذا الصدد، يفنّد زعيم منظمة «Emgage» أسباب رفضه دعوة بايدن، بالقول إنه «من غير المناسب القيام بمثل هذه الفعالية فيما تشهد غزة مجاعة»، معتبراً أن اللقاء سياسي، بالصيغة التي اقترحها الرئيس، والتي تقتصر على عدد محدّد من أبناء الجالية، «لا يصلح لإجراء مناقشات جادّة ومثمرة».
وفي استخفاف مبطّن بالمساعي التي يبذلها فريق حملة بايدن، بهدف تخويف المسلمين من عودة ترامب إلى سدة الرئاسة، يقرّ الزيات بأن «ثمة فوارق جوهرية» بين كل من بايدن وترامب، مستدركاً بأن «إخبار الناس بأن دونالد ترامب سيكون أسوأ، ليس بالأمر الحسن»، مع تشديده على ضرورة أن تبادر واشنطن إلى «ممارسة نفوذها على إسرائيل، من خلال الدعوة إلى وقف فوري ودائم لإطلاق النار، والدفع نحو تسهيل تمرير المساعدات الإنسانية إلى القطاع، وأن تعمل على استئناف تمويل وكالة الأونروا، مع اتّباع خطوات ملموسة لإقامة دولة فلسطينية». بدورها، أكّدت رئيسة «مجلس قيادة المسلمين الأميركيين السود» تردّدها إزاء قبول الدعوة، معتبرة في الوقت نفسه أن «الانخراط في خيار الحوار مع الإدارة مهمّ للغاية في الوقت الحالي».