تقرير إخباري إعداد أحمد بدور
تظاهر آلاف الإسرائيليين مساء السبت، في مدن عدة، ضد حكومة نتنياهو (أ ف ب)
النظاهرات ضد الحكومة الصهيونية في استمرار واتساع فقد تظاهر مساء السبت الماضي، آلاف الإسرائيليين، في مدن عدة، ضد حكومة نتنياهو، مطالبين بإجراء انتخابات مبكرة. واعتقلت شرطة الاحتلال 16 متظاهراً في تل أبيب، بعدما عمد عدد منهم إلى إغلاق مسالك شارع «أيالون»، في اتجاه الشمال، وسط انتشار مكثف للشرطة. كما جرى، إلى جانب الاعتقالات والاعتداءات المباشرة، رش المتظاهرين بالمياه لتفريقهم، وإعادة فتح مسالك «أيالون»، بينما شهدت التظاهرة المركزية، في تل أبيب، قبالة مقر وزارة الأمن، مشاركة عدد كبير من المتظاهرين، الذين حاولوا إغلاق المفرق الرابط بين شارعي «كابلان» و«مناحم بيغن». وهناك أيضاً، وقعت مناوشات بين عناصر الشرطة ومتظاهرين، أعقبها اعتقال أحدهم. وفي حيفا، نُظمت مسيرة احتجاجية، وصولاً إلى مفرق «حوريف»، حيث نُظم احتجاج مركزي. وفي قيسارية، تظاهر نحو ألف شخص قرب منزل نتنياهو، وطالبوه بالتنحي عن رئاسة الحكومة، كما تظاهر المئات في بئر السبع أيضاً.
وقد صعدت عائلات الأسرى الصهاينة، التي كانت تطالب بصفقة تبادل مع «حماس»، خطابها في وجه نتنياهو، داعية إلى إسقاط الحكومة وإجراء انتخابات مبكرة، ولا سيما بعد مقتل عدد من الأسرى جراء القصف الصهيوني على غزة. وفي السياق نفسه، نقلت صحيفة «معاريف» العبرية عن مصادر أمنية صهيونية مطلعة، قولها إن «ما يحاول الموساد ترويجه بشأن عدم اهتمام (حماس) بصفقة التبادل غير صحيح، وإذا كان هناك من يتعنّت في التفاوض الآن فهو الجانب الإسرائيلي»، مضيفةً أنّ «الوقت يمر. وقريباً لن يكون هناك جدوى من التفاوض لأنه لن يبقى رهائن».
هذا وما تزال الانقسامات الناتجة من عملية «طوفان الأقصى»، والعدوان الذي يشنه الكيان الصهيوني على قطاع غزة، منذ السابع من تشرين الأول الماضي، تلقي بظلالها على الشارع الصهيوني، وتنعكس اتساعاً للاحتجاجات المطالبة بتنحية الحكومة، وإبرام صفقة جديدة لتبادل الأسرى. وأخيراً، يبدو أن تأثير التظاهرات التي ازدادت حدتها، مساء السبت، في أعقاب تعثر مفاوضات صفقة التبادل، بدأ يحدث تغييراً، ولو نسبياً، في حكومة الاحتلال، وهو ما تُرجم بإصدار جهاز «الموساد» بياناً غير اعتيادي، اتهم فيه «حماس» بـ«التمسك بآرائها، وكأنها غير معنية بإبرام صفقة تبادل، وتسعى إلى إشعال المنطقة في شهر رمضان»، على حدّ زعمه.
ومن منظور سياسي، فإنّ إعلان «الموساد»، الذي جاء في أعقاب لقاء رئيس الجهاز بمدير الـ«سي آي إيه»، يهدف إلى تبرئة رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، من الاتهامات الموجهة إليه، بمحاولة إفشال صفقة التبادل.
هدد الحاخام الشرقي الأكبر لإسرائيل بأن «الحريديم» سيهاجرون من فلسطين المحتلة، في حال أجبروا على التجند في الجيش
ولم نعد تداعيات الانقسام هذه مقتصرة على ملف الأسرى، بل باتت تطاول ملفاً أكثر حساسية، يرتبط بتجنيد «الحريديم» في جيش الاحتلال، وهو القانون الذي يدعو إلى تشريعه العديد من قادة الاحتلال، من مثل زعيم المعارضة يائير لابيد، ورئيس حزب «يسرائيل بيتنا» أفيغدور ليبرمان. إلا أنّ «الحريديم» الذين يتمتعون بامتياز عدم الخدمة في الجيش والقتال في صفوفه، لن يتنازلوا عن هذا الامتياز بسهولة، ولا سيما أن لديهم اعتبارات لاهوتية للتمسك به. وهدد الحاخام الشرقي الأكبر، يتسحاق يوسف، بأن «الحريديم» سيهاجرون من فلسطبن المحتلة، في حال أجبروا على التجنّد في صفوف الجيش. وأثارت التصريحات المشار إليها ضجة في واسعة، ولا سيما في ظل اشتداد موجة الهجرة العكسية من فلسطين المحتلة، منذ السابع من تشرين أول الماضي، إذ سجلت أعداد المغادرين للكيان أرقاماً غير مسبوقة.
كما قال الحاخام يوسف، خلال حلقة لتعليم التوراة، إنّ «أسباط لاوي معفيّون من (الخدمة في) الجيش، ولا يتم تجنيدهم تحت أي ظرف مهما كان. إذا أجبرونا على الذهاب إلى الجيش، سنسافر جميعاً إلى الخارج، سنشتري تذاكر ونسافر»، مضيفاً: «كل هؤلاء العلمانيين الذين لا يفهمون، عليهم أن يفهموا أنه من دون التوراة والمدارس الدينية، لم يكن الجيش الإسرائيلي لينجح. إن نجاح الجيش هو فقط بفضل التوراة». وأثارت هذه التصريحات موجة من ردود الفعل الغاضبة، من بينها حديث لبيد، الذي اعتبر تصريحات الحاخام «وصمة عار وإهانة لجنود الجيش الإسرائيلي، الذين يضحون بحياتهم من أجل الدفاع عن البلاد». وأردف: «الحاخام يوسف موظف حكومي، يتقاضى راتباً من الدولة ولا يستطيع تهديدها. ومن يتهرب من الخدمة في الجيش لن يحصل على فلس واحد من الدولة»، بينما قال الوزير في «كابينيت الحرب» ورئيس «المعسكر الوطني»، بيني غانتس، إن «تصريحات الحاخام يوسف هي إساءة أخلاقية للدولة والمجتمع الإسرائيلي. يجب على الجميع المشاركة في الحق المقدس في الخدمة والنضال من أجل وطننا، وخاصة في هذا الوقت العصيب. إخواننا الحريديون كذلك». من جهته، انتقد رئيس حزب «يسرائيل بيتينو»، أفيغدور ليبرمان، تصريحات يوسف، قائلاً: «من العار أن يواصل الحاخام يوسف والناشئون الحريديون الإضرار بأمن إسرائيل، والتصرف بما يتعارض مع الشريعة».
لكن معارضي هذا القانون يمتلكون على الأرجح ما يكفي من «أوراق قوة»، لمنع تمريره. ومن بين هؤلاء، وزير «الأمن القومي»، إيتمار بن غفير، الذي أكد أخيراً أنّ «الخدمة في الجيش الإسرائيلي هي امتياز كبير لليهودي الذي يدافع عن نفسه في بلاده، وواجب عظيم. نحن لا نؤمن بإجبار الجمهور الحريدي على التجنيد؛ يجب القيام بذلك من باب التفاهم والمحبة. يمكن حل الكثير من الجدل عبر التجنيد المنظم في صفوف الشرطة والحرس القومي. لن نترك أرضنا المقدسة أبداً»، فيما أعلن وزير الحرب يوآف غالانت، أنه لن يسمح بتقديم «قانون التجنيد»، من دون موافقة جميع أحزاب الائتلاف، علماً أنّ المهلة القصوى للتصويت على القانون تمتد حتى نهاية آذار الجاري. وكان الوزيران من حزب «المعسكر الوطني»، غانتس، وغادي آيزنكوت، قد قدما في الفترة الماضية، خطتهما لتجنيد الحريديم في الجيش، مشيرين إلى أنّ دعمهما لجهود الحكومة لتمديد مدة الخدمة العسكرية، مرهون بتطبيق تلك الخطة الهادفة إلى زيادة عدد الصهاينة الذين تم تجنيدهم تدريجياً على مدار السنوات الـ10 المقبلة. يُشار إلى أنّ حكومة نتنياهو تسعى إلى إقرار مشروع قانون يستثني الحريديم من الخدمة العسكرية، ويزيد مدة الخدمة الإلزامية من 32 إلى 36 شهراً، بما يشمل أيضاً المجندين الحاليين.