أعرب البيت الأبيض الأمريكي الليلة الماضية عن رغبته بتطبيق «هدن إنسانية مؤقتة» وفي رقعة جغرافية محدودة «في أسرع وقت ممكن»، مشيراً إلى أنه يواصل مناقشة هذه الإجراءات مع الجانب الصهيوني. وأضاف: «ينبغي تجنّب المدنيين وإرسال المزيد من شاحنات المساعدات إلى غزة»، لافتاً إلى «أننا أبلغنا الإسرائيليين بأنه ينبغي أن تكون عملياتهم ضدّ حماس سريعة وحاسمة ومميتة».
وقالت الخارجية الأميركية إن مناقشات تجري «مع إسرائيل ومصر حول مسألة إدخال الوقود إلى غزة بطريقة تساعد المدنيين وليس حماس»، مشيرة إلى أنه «ليس هناك أيّ سبب يجعلنا نعتقد بأنه كان هناك تحويل للمساعدات الإنسانية لفائدة حماس». وأضافت أن «الهدنة المؤقتة فرصة للسماح بتدفّق المساعدات إلى غزة والحركة الطوعية للمدنيين الساعين للمغادرة».
وبعدما توقّف إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة عبر معبر «رفح»، لمدّة ثلاثة أيام، وافق الجانب الأميركي، في ساعة متأخّرة من مساء أمس، على تكثيف إدخال المساعدات اليوم، وتسهيل عمليات التفتيش، إلى جانب السماح بخروج عدد من الأجانب والمصابين من الجانب الفلسطيني، علماً أن شحنات محدودة دخلت الإثنين. وجاء هذا الاتفاق بعد مناقشات مستفيضة بين كلّ من مصر والكيان الصهيوني والولايات المتحدة، وأطراف إقليمية أخرى، حول مسألة التعامل مع المساعدات وطُرق إدخالها، خصوصاً في ظلّ تعنّت الاحتلال لجهة إدخالها عبر المعبر، والمحاولات الأميركية لتنسيق مسارات بديلة. وعلى رغم ترحيب القاهرة بخطوة إدخال المساعدات عبر أيّ مسار كان، فهي ترى أن المسارات الأخرى لا تلحظ جدولاً زمنيّاً يراعي الوضع الحرج والحصار المستمرّ لغزة، مع دخول الحرب شهرها الثاني. وفيما طغت مسألة المساعدات على النقاشات، ادّعى الكيان، في اتصالاته مع الولايات المتحدة، أن تعنّته مردّه إلى دعْم القاهرة حركةَ «حماس»، والمواقف المصرية التي يراها الاحتلال «غير متوازنة».
وسبقت التوصّل إلى هذا الاتفاق، عملية إنزال لمساعدات قام بها «سلاح الجو الأردني» لمصلحة «المستشفى الأردني الميداني»، وسط حديث عن ممرّ بحري لإرسال المساعدات من قبرص مباشرة إلى القطاع، وهو مقترح جرت مناقشته بشكل مستفيض مع الرئيس القبرصي، نيكوس خريستودوليدس. وإذ لا تمانع مصر إدخال المساعدات جواً وبحراً، وهي التي رحّبت في وقت سابق بمساعدات فرنسية كان يفترض وصولها عن طريق البحر في الأيام الماضية، إلا أنها تحذّر من رغبة الكيان الصهيوني بهدر الوقت، لمفاقمة الحصار على القطاع، في ظلّ غياب رؤية واضحة ومواقيت محدّدة لإرسال المساعدات ووصولها وتسليمها إلى ممثّلي المنظّمات الإغاثية الموجودة في القطاع.
ووفق مصادر مصرية تحدّثت إلى صحيفة «الأخبار» اللبنانية، فإن الكيان يعمل على «إطالة أمد عملية إدخال المساعدات، ضمن سياسة يحاول من خلالها خلْق حالة غضب شعبي في القطاع على حكم حركة حماس، والحصول من المواطنين – الغاضبين – على معلومات عن القيادات التي تطمح إلى استهدافها من الداخل إذا ما استمرّ الحصار لفترة أطول، وهو أمر أثبت، إلى الآن، فشله، فيما لن تسمح مصر بحدوثه». وأضافت المصادر أن «المشكلة الرئيسية التي يجري العمل على حلّها في الوقت الحالي، مرتبطة بضرورة إدخال المساعدات عبر معبر رفح وانتظام حركة إدخالها حتى مع طول الوقت المستغرق لوصولها إلى الداخل الفلسطيني»، مشيرةً إلى أن «التعنّت في عمليات التفتيش الإسرائيلية والتباطؤ المتعمّد»، هما من بين أمور اشتكت منها القاهرة لواشنطن، ولقيت شكواها دعماً من ممثّلي «الأونروا».
على هذا المقلب، أكّدت القاهرة لواشنطن، في الأيام الماضية، أن إدخال المساعدات يجب أن يكون «بكلّ الطرق والوسائل الممكنة»، وهو ما جرت مناقشته أيضاً مع المسؤولين الأتراك والقبارصة، ولا سيما بالنسبة إلى الوضع الطبي والحاجة إلى سرعة التدخّل من أجل علاج المصابين والجرحى من أصحاب الحالات الخطيرة، بينما يجري نقاش حول تصوّرات عدّة من بينها مستشفيات ميدانية في منطقة آمنة داخل القطاع، على أن يصار إلى التنسيق في شأنها مع إسرائيل لضمان عدم استهدافها. ووفق مسؤولين مصريين، فإن «إسرائيل اشترطت عملية تفتيش للسفن التي ستحمل مساعدات طبية»، وهي اشتراطات تراها القاهرة «مبالغاً فيها بالنسبة إلى عمليات إغاثة طبية، لكن تستغلّها في الوقت الحالي لإظهار التعنّت الإسرائيلي في المساعدات المقدّمة للمدنيين».