من تبقّوا من مستوطني كيبوتس «بيئيري»، يتحضّرون للانتقال للعيش في مدينة القدس المحتلّة
يستمر التخبط الصهيوني فيما يخص اخلاء المستوطنين القريبين من الحدود اللبنانية والحدود مع قطاع غزة فبعد نحو شهر على إخلاء عدد من مستوطني «كيبوتس كفار سولد/ زولد»، المشيّد على أنقاض قرية مداحل الفلسطينية المُهجّرة في سهل الحولة، في الجليل الأعلى، اضطرّت المستوطِنة سارة وولداها للعودة إلى منزلهم، لأنه، كما قالت لموقع «واينت»، «لم يَعُد لديها سوى خيار واحد، وهو العودة إلى المنزل غير المُحصّن… فعلى مدى أسابيع، تنقّلتُ مع طفلَي، في الوقت الذي اضطرّ فيه زوجي للبقاء في الكيبوتس مع قوات الطوارئ المقاتلة. لم يَعُد لدينا مال يكفي لدفع ثمن الإقامة خارج المنزل»، مشيرةً إلى أنها استأجرت، في البداية، منزلاً مع صديقاتها، اللواتي اضطرّ أزواجهن أيضاً للتجنّد للاحتياط.
ووفق الموقع، فإنّ «بيت سارة، مثل بيوت أخرى في الكيبوتس، يفتقر إلى الملجأ؛ أمّا المنطقة المحميّة (الملجأ العمومي)، فتقع على بعد ثلاثين ثانية ركضاً من البيت، في حين أنّ الزمن الفاصل بين الإنذار وسقوط الصاروخ هو أقلّ من 15 ثانية». ويبعد «كفار سولد» حوالى خمسة كيلومترات عن الحدود مع لبنان، فيما تفصله 600 متر عن «الكيبوتسات» التي أُخليت بأمر عسكري، وحظي سكانها باستضافة في الفنادق. وفي هذا الجانب، لفتت سارة إلى «(أنّهم) طلبوا منّا أن نُخلي فقط، ولكن أحداً لم يأخذ المسؤولية أو يعبأ لأمرنا»، موضحةً أن «الملجأ العمومي القريب من البيت، مهمَل ولا يوجد فيه إرسال وتغطية اتصال بشبكة الإنترنت. لم نتمكّن من بناء ملجأ في بيتنا على مدار السنوات، لأنه يُكلّف 150 ألف شيكل».
من أصل 22 «كيبوتساً» على خط التماس في الجليل الأعلى، أُخلي فقط 14 «كيبوتساً»
ووفق «واينت»، فإنه «من أصل 22 كيبوتساً على خطّ التماس في الجليل الأعلى، أُخلي فقط 14 كيبوتساً، بناءً على تعليمات السلطات»، فيما «قرّر الجيش عدم إخلاء ساكني (بقيّة الكيبوتسات)، (علماً أن) المجلس حثّ السكان على المغادرة، على رغم أن هؤلاء لم يحصلوا على تعويضات لتغطية نفقات الإقامة». وفي هذا الإطار، قال رئيس «المجلس الإقليمي – الجليل الأعلى»، جيورا زالتس، إن «الجيش حدّد الكيبوتسات التي ينبغي إخلاؤها بناءً على اعتبارات انتشاره وجهوزيّته في المناطق، وليس على أساس تقييم الوضع وتحليل المخاطر. التعريف الوحيد لمستوى الخطر هو خطّ التماس، حين يكون زمن التحذير صفر ثانية». وطالب سالتس، الحكومة، بتحمّل مسؤوليتها، وبأن تأمر بإجلاء جميع المستوطنين بسبب المخاطر الأمنية المتفاقِمة، على رغم أنّ «الأمر صعب ويكلّف أموالاً». وكان رؤساء السلطات في الجليل قد حذّروا، على مرّ سنوات، من الفشل في ملفّ الحماية، من دون أن يَلقوا آذاناً صاغية؛ ففي حين أعلنت الحكومة، في عام 2018، عن مشروع «درع الشمال» الرامي إلى سدّ الفجوات الهائلة في حماية السكّان، وتحسين الاستعدادات لمواجهة الكوارث الطبيعية وليس الحروب فقط، تَبيّن، في المحصّلة، أن المشروع لم يتحقّق بالكامل، وأن السلطات استثمرت من أصل خمسة مليارات شيكل، حوالى 300 مليون شيكل فقط في تحصين الشمال.
وفي الأسابيع الأخيرة، أجرى «مراقب الدولة»، متنياهو أنغلمان، جولة في المستوطنات الواقعة على طول خطّ التماس، للتأكد من أنه أُخذ بتوصيات سابقة صدرت في تقرير «مراقب الدولة» بين عامَي 2016 و2018، غير أنه عاد من جولته «غاضباً»، كونه وجد العديد من الملاجئ العمومية غير صالحة للاستخدام. ووفقاً لتقرير «مراقب الدولة»، فإن 50 ألف مستوطن في المستوطنات الواقعة على بعد تسعة كيلومترات من حدود لبنان «تُركوا بلا حماية؛ حيث لا تتوافر لهم ملاجئ في بيوتهم، وكذلك لا توجد بالقرب من منازلهم ملاجئ عمومية يستطيعون الوصول إليها في زمن الإنذار». وفيما أُخلى 11400 من هؤلاء، يسكنون على بعد أربعة كيلومترات من الحدود، تُرك الباقون من دون حماية، ومن دون تعليمات بالإخلاء حتى. أمّا في نهاريا الواقعة على بعد تسعة كيلومترات من حدود لبنان، حيث يسكن 75 ألف مستوطن، فإن 30% من المستوطنين ليست لديهم أماكن محصّنة. وبناءً على تقرير بلدية نهاريا، فإنه «في الأسبوع الأول من اندلاع الحرب، تَرك 25 ألف مستوطن المدينة. أمّا اليوم، أي في الأسبوع الرابع للحرب، فإنّ المدينة مأهولة بـ95% من سكانها». وطبقاً لرئيس البلدية، رونين مارلي، فإنه «في كلّ المدينة يوجد فقط 11 ملجأ عموميّاً»، في حين أن «السكان الذين يعيشون في بيوت قديمة (بُنيت قبل عام 1991) لا توجد حلول للحماية لديهم، ولذلك فإن الحلّ الوحيد هو بنشر الملاجئ العمومية التي من شأنها أن تُسهم في إنقاذ الحياة». وردّاً على مارلي، قالت الجبهة الداخلية إنه «في الأسبوع الأخير فقط، استُثمرت عشرات ملايين الشواكل في نشر أكثر من مئة ملجأ عمومي في شوارع الجليل».
من جهته، لم يَنتظر المجلس الإقليمي «ماطيه آشر»، الحكومة لتقدّم الحلول؛ إذ قام، بواسطة مصانع «ميلوئوت»، بإنشاء مركز لإنتاج الغرف المحصّنة، ونشْرها في «الكيبوتسات» التابعة لنفوذه. وفي السياق، قال رئيس المجلس، موشيه دافيدوفيتش، الذي هو أيضاً رئيس منتدى «خطّ التماس»، إنه «منذ عام 2018، وأنا أحذّر من قضيّة الحماية في الشمال… لقد قلتُ في كلّ مكان إنه حينما تحلّ الكارثة سيتوجّب على الحكومة تحمّل المسؤولية. على مجلس الحرب أن يُبعد رأس الأفعى – نصر الله – عن الحدود الشمالية، وأن يعبأ بشؤون سكّان الشمال، ويوفّر لهم الحماية». وأضاف، حاله حال رؤساء بلديات أخرى في الجليل، أنه «سيكون من الصعب على سكّان المستوطنات تقبّل العودة إلى بيوتهم من دون أن تكون الحدود الشمالية محميّة. هكذا فقط بإمكاننا أن نحمي أهلنا وأطفالنا».
أمّا جنوباً، فقد كشف الموقع نفسه أن من تبقّوا من مستوطني كيبوتس «بيئيري»، يتحضّرون للانتقال للعيش في مدينة القدس المحتلّة لسنوات طويلة، مشيراً إلى أن «القرار قد يدخل حيّز التنفيذ قريباً». وذكّر الموقع بأن «كيبوتس بيئيري فقد 85 من أعضائه، فيما أُسر 26 آخرون إلى غزة. وفضلاً عن ذلك، تحوّل «الكيبوتس» إلى منطقة غير قابلة للعيش، بسبب الدمار الكبير الذي لحق بأبنيته وبنيته التحتية، فيما تقدّر الأوساط الصهيونية المعنيّة بأن إعادة تأهيله وترميمه ستستغرق على الأقلّ ثلاث سنوات». ومن بين الخيارات المطروحة في هذا الإطار أيضاً، نقل سكّان «الكيبوتس»، البالغ عددهم 1000 مستوطن، للسكن سوياً في مشروع «هداسا الصغيرة» السكني في «كريات يوفال»، في القدس، والذي بات في مراحل البناء النهائية، ولكنه ليس صالحاً للسكن بعد، علماً أنه يضمّ ثلاثة أبراج سكنية، و350 شقة مُعدّة للتأجير فقط، الأمر الذي يلائم المخليين من «بيئيري». وفي الأيام الأخيرة، وصل أعضاء من «الكيبوتس» لمعاينة الشقق عن قرب، وللتعرّف إلى المنطقة التي سيصبحون سكانها مؤقتاً، فيما لم يتّخذ قادة «بيئيري» القرار النهائي بعد، على الرغم من أنه من المفترض أن تساعد الحكومة في تمويل استئجار الشقق، من طريق شركة «عميدار» الحكومية.