تقرير إخباري إعداد أحمد بدور
تقوم ميليشيا قسد العميلة بالتنسيق مع قوات الاحتلال الأمريكي بحملات انتقامية ضد أبناء العشائر العربية التي ترفض الرضوخ لها، من اعتقالات، وتهجير، وتضييق على السكان، والاعتداء على ممتلكاتهم، ومنع الذين هجروا من جراء الاشتباكات من العودة الى بيوتهم، بعدما احتلت مناطقهم بمساندة ودعم الاحتلال الأمريكي.
فعلى رغم مرور أكثر من ثلاثة أسابيع على استعادة (قسد) احتلالها قرى الريف الشرقي لدير الزور، التي سيطر عليها مقاتلو العشائر لعدة أيام، لم تتمكن مئات العوائل التي نزحت اثناء الاشتباكات باتجاه مناطق سيطرة الجيش العربي السوري، لم تتمكّن من العودة إلى قراها، باستثناء عدد قليل من العائلات، تضييق قسد عليهم، وهذا ما اقر به تقرير للأمم المتحدة.
وكانت المعارك، التي دارت بين مقاتلي العشائر و«قسد» في نهاية شهر آب، ومطلع شهر أيلول، قد تسبّبت بحركة نزوح كبيرة لأهالي قرى الريف الشرقي لدير الزور، باتجاه قرى وبلدات تابعة لمدينتَي البوكمال والميادين بريف دير الزور الذي يقع تحت سيادة الحكومة السورية التي سهّلت عبورهم بفتح عدة معابر نهرية، لتجنّب وقوع عدد كبير من الضحايا المدنيين في الاشتباكات.
وقد أعلن تقرير لـ«مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية» في سورية (أوتشا)، أن «أكثر من 6500 أسرة نزحت باتجاه مناطق سيطرة الحكومة السورية، مع تأثر الخدمات بسبب الاشتباكات، مع نقص حاد في المياه والغذاء والمأوى والمواد غير الغذائية والأدوية»، فيما «عمليات الاعتقال مستمرة في عدد من قرى ريف دير الزور الشرقي وبلداته»، على رغم توقف الاشتباكات منذ العاشر من أيلول.
رحلة النزوح كانت «مليئة بالمخاطر، في ظل الاشتباكات العنيفة والقصف، وأصوات الطائرات المسيّرة في الأجواء»، تقول «أمّ محمد»، التي قصدت منزلاً لإحدى العوائل في ريف الميادين، في حديث إلى «الأخبار»، إن «صوت الرصاص القوي فوق رؤوس أطفالنا، دفعنا إلى الفرار من قرية الطيانة باتجاه مناطق سيطرة الحكومة، ولم نحمل معنا إلا لباسنا والثبوتيات الشخصية». وإذ تشيد «أمّ محمد» بـ«الرحابة التي استقبلهم بها أهالي قرى الضفة الغربية لنهر الفرات، الذين فتحوا منازلهم أمام الجميع»، تشير إلى «تعرّض منزلها للنهب والسلب»، متهمةً «عناصر قسد بالوقوف وراء ذلك، بهدف منعهم من العودة إلى قراهم».
وإذ أشار التقرير إلى «مقتل طفل وإصابة ثلاثة آخرين، جراء تبادل الرصاص في أثناء محاولة عبور النهر في منطقة ذيبان»، أوضح أن ذلك «أثار مخاوف بين النازحين في الضفة الغربية الذين ورد أنهم على استعداد للعودة إلى منازلهم». واعتُبر هذا التقرير الأممي بمثابة اتهام مباشر لـ«قسد» بعرقلة عودة الأهالي، من خلال مواصلة حملة الاعتقالات في المناطق التي كانت قد شهدت اشتباكات واحتجاجات ضدها.
نزوح خوف
رحلة النزوح كانت «مليئة بالمخاطر، في ظل الاشتباكات العنيفة والقصف، وأصوات الطائرات المسيّرة في الأجواء»، تقول «أمّ محمد»، التي قصدت منزلاً لإحدى العوائل في ريف الميادين، في حديث إلى «الأخبار»، موضحة أن «صوت الرصاص القوي فوق رؤوس أطفالنا، دفعنا إلى الفرار من قرية الطيانة باتجاه مناطق سيطرة الحكومة، ولم نحمل معنا إلا لباسنا والثبوتيات الشخصية». وإذ تشيد «أمّ محمد» بـ«الرحابة التي استقبلهم بها أهالي قرى الضفة الغربية لنهر الفرات، الذين فتحوا منازلهم أمام الجميع»، تشير إلى «تعرّض منزلها للنهب والسلب»، متهمةً «عناصر قسد بالوقوف وراء ذلك، بهدف منعهم من العودة إلى قراهم».
عمليات الاعتقال مستمرة في قرى ريف دير الزور الشرقي وبلداته على رغم توقف الاشتباكات
أما أحمد العلي، فيروي تفاصيل ليلة النزوح بالقول إن «أصوات الرصاص ليلتها لم تتوقف مطلقاً. مع ذلك، قرّرت الفرار بأطفالي باتجاه نهر الفرات، ومنها إلى مناطق سيطرة الدولة السورية»، مبيّناً أن «الرعب الذي عاشه الأطفال لم تعِشه المنطقة منذ قصف التحالف الدولي للمنطقة بحجة تحريرها من تنظيم داعش». وبصوت مرتفع، وبلهجته العامية، يقول العلي: «يا أخي، خلّونا ندير مناطقنا، ما نريد حدا غريب بيننا، نحن واقع علينا ظلم، ومن حقنا أن نطالب برفع المظالم عنا»، ويضيف: «لا أحد يريد الدم، والعرب والكرد إخوة. لكن من يريد إحقاق الحق، ونزع فتيل الفتن، عليه أن يدفع نحو أن يدير أبناء العشائر مناطقهم». فيما يقول خليل إن «العودة إلى قريته في الضفة الشرقية حتمية»، ويشير إلى أن «من سيخرج هم الغرباء الذين جاؤوا إلى المنطقة، وحرموا أهلها من خيراتها، وألحقوا المظالم بأهلها»، متابعاً أن «الاعتقالات العشوائية التي تقوم بها قسد لن تقف عائقاً أمام العودة، حتى ولو للأطفال والنساء، للتمسك بالأرض، وعدم وقوع موجة تهجير جديدة». من جهته، يطالب خليل الوكاع، أحد وجهاء قبيلة العكيدات، بـ«ضرورة توحيد الصف والكلمة، للضغط لإدارة العشائر لمناطقهم في دير الزور»، مشيراً إلى أن «هناك إجماعاً شعبياً وعشائرياً على أن مشاكل المنطقة لن تنتهي إلا بإدارة المنطقة من سكانها الأصليين، وعودتها إلى سلطة الدولة السورية».
استنفار أهلي وحكومي
مع اندلاع الاشتباكات بين مقاتلي العشائر و«قسد»، في الأسبوع الأخير من شهر آب، وبدء نزوح أعداد كبيرة من الأهالي باتجاه المناطق المدارة حكومياً، شكّلت محافظة دير الزور ما يشبه غرفة عمليات رسمية وشعبية بالتعاون مع المنظمات الدولية والجمعيات الخيرية، لاستيعاب أعداد النازحين، وتأمين مستلزماتهم الأساسية من مأوى وطعام وأدوية. وفي هذا السياق، يؤكد نائب محافظ دير الزور، حمود الشيخ، في حديث إلى «الأخبار»، أن «المحافظة استقبلت آلاف العائلات النازحة من مناطق سيطرة ميليشيا قسد جراء الاشتباكات الدائرة هناك»، مشيراً إلى أن «عمليات النزوح لا تزال مستمرة بشكل يومي، هرباً من العمليات الانتقامية التي تقوم بها قسد بحق أبناء البلدات والقرى في منطقة الجزيرة». ولفت الشيخ إلى أنه «تم تقديم الرعاية لأهلنا النازحين من خلال تقديم سلال إغاثية وصحية وأخرى خاصة بالإيواء من فرش وبطانيات، وخدمات صحية»، مبيّناً أنه «تم استنفار المنظمات الدولية والجمعيات الخيرية لتقديم كل ما يمكن تقديمه للنازحين، الذين تمت استضافتهم لدى المجتمع الأهلي، وذويهم وأقاربهم في قرى ريف دير الزور وبلداته الآمنة في مناطق سيطرة الجيش السوري».
بدوره، يؤكّد رئيس مجلس مدينة الميادين، ثائر العلي، لـ«الأخبار»، أن «الكثير من العوائل نزحت باتجاه مدينة الميادين والقرى والبلدات التابعة لها»، وأوضح أن «المجتمع المحلي قدّم نموذجاً حقيقياً للتكاتف الاجتماعي، من خلال فتح المنازل أمام النازحين»، مضيفاً إن «كل الإمكانات المتوافرة جرى استنفارها، لتأمين ما أمكن من احتياجاتهم».