تحليل إجباري إعداد أحمد بدور
كشفت الولايات المتحدة بشكل سافر عن نواياها بتقسيم سورية، فقد نقلت عمليات سفارتها الى المناطق التي تسيطر عليها ميليشيا قسد العميلة لها مع تغيير اسمها بحذف كلمة دمشق، وتحويلها إلى «سفارة الولايات المتحدة في سورية»، بالتوازي مع عملية نقل غير مباشرة لمقرها إلى الشمال الشرقي من البلاد، حيث توجد القواعد الأميركية غير الشرعية في المناطق النفطية التي تسيطر عليها ميليشيا (قسد) العميلة.
وترافق ذلك مع رفع مستوى الدعم لـما تسمى «الإدارة الذاتية» الكردية في الشمال الشرقي، وتظاهرات السويداء، وتكثيف عمليات تدريب المقاتلين في قاعدة التنف على الحدود السورية – الأردنية – العراقية.
السفارة الأميركية المتوقفة عن العمل منذ عام 2011، بعد انسحاب الفريق الديبلوماسي الأميركي أولاً، وقرار سورية طرد السفير الأميركي حينها روبرت فورد عام 2012، تابعت نشاطها الشكلي عبر مواقع التواصل الاجتماعي حتى عام 2015، بعد أن تمركزت قوات أميركية في بعض المناطق شمالي شرق البلاد، وعند المثلث الحدودي مع الأردن والعراق، حيث عاد النشاط الديبلوماسي الأميركي ضمن أدنى حدوده إلى تنسيق بعض العمليات الأميركية، لتأتي الخطوة الأخيرة عبر تغيير اسم السفارة، والإعلان عن تنشيط دور البعثة الديبلوماسية الأميركية في الحسكة، مما يؤكد أن الأجندة الأميركية هي التقسيم.
ورغم محدودية تأثير القرار الأميركي في الوقت الحالي، يمكن لنظرة واسعة حول نشاط الولايات المتحدة في سورية أن تكشف عن صورة متكاملة لنشاط تقسيمي مستمر، بدءاً من تحصين مواقعها العسكرية، وليس انتهاءً بتقديم كل الدعم الممكن إلى عميلتها «قسد»، التي تمثل الحليف الأقوى لواشنطن في سورية، الأمر الذي ظهر بوضوح في الاشتباكات الأخيرة بين قوات «قسد» و العشائر في دير الزور، حيث تمكنت القوات التي يقودها «حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي من استعادة السيطرة على بعض المناطق التي خرجت عن سيطرتها، كما تمكّنت من وأد بعض المحاولات العشائرية اللاحقة للانتفاض بوجه القبضة الأمنية المحكمة والتحكم الكردي المطلق في مناطق «الإدارة الذاتية».
ويبدو جليا الانخراط الأميركي بشكل مباشر في مشروع التقسيم من خلال وصف ما يسمى التحالف الدولي الذي هو غطاء للاحتلال الأمريكي،وصفه لانتفاضة العشائر بقوله إن من أسمتهم «جهات خبيثة بالعبث باستقرار المنطقة»، في تكرار مباشر لتصريحات أطلقتها «قسد» في المدة الماضية قالت فيها إن الحكومة السورية تقف وراء الانتفاضة العشائرية، ما يعني استمرار تمسك واشنطن بالواقع الذي فرضته الحرب، وتمسكها بـ«الإدارة الذاتية» التي تعتبر بكل المقاييس مشروعاً انفصالياً ترفض الحكومة حتى مناقشته، خصوصاً أن واشنطن مدت تلك الإدارة بكل الدعم اللازم للإبقاء عليها، بدءاً من تسهيل عمليات نهب ونقل النفط السوري وتهريبه وتسويقه عبر أسواق كردستان العراق، وليس انتهاءً باستثناء مناطق «قسد» من قانون قيصر
وإلى جانب مشروع «الإدارة الذاتية»، جاءت تظاهرات السويداء لتمثل فرصة تحاول الولايات المتحدة اقتناصها، أملاً بتنمية النزعة الانفصالية في المحافظة ذات الخصوصية بسبب موقعها الجغرافي قرب الأراضي التي يحتلها الكيان الصهيوني، ومكونها الرئيسي من الموحدين الدروز وامتدادهم إلى مناطق في لبنان والجولان السوري، الأمر الذي ظهر بوضوح عبر التصريحات الأميركية والأوروبية المبكّرة الداعمة لهذه التظاهرات في أروقة مجلس الأمن، ومحاولة مد جسور تواصل مع قادة الحراك، وأبرزهم الشيخ حكمت الهجري، الذي تلقى في الأسبوع الماضي مجموعة من الاتصالات من مسؤولين أوروبيين وأميركيين، أبرزهم رئيسة لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الأوروبي، كاترين لانغزيبن، ونائب مساعد وزير الخارجية الأميركي، إيثان غولدريتش، الذي يُعدّ المسؤول الأميركي الأرفع الذي يجري اتصالاً بالهجري، بعد اتصالات سابقة أجراها نواب أميركيون، وهي اتصالات أكدها مقربون من الهجري، وعدّوها جزءاً من اتصالات يومية يتلقاها الشيخ الهجري.
تعمل الولايات المتحدة على تشكيل مزيد من الفصائل المسلحة في التنف وتدريبها
وفي منطقة التنف، القريبة من السويداء، قالت مصادر ميدانية لـصحيفة «الأخبار» اللبنانية إن النشاط الأميركي شهد تزايداً ملحوظاً في الأسابيع القليلة الماضية، حيث تعمل الولايات المتحدة على تشكيل مزيد من الفصائل المسلحة وتدريبها، ما دفع نائب رئيس «المركز الروسي للمصالحة في سورية»، الأدميرال فاديم كوليت، إلى التنبيه من مخاطر تدريب الولايات المتحدة مسلحين في التنف، موضحاً أنه «وفقاً للمعلومات التي تلقاها المركز الروسي للمصالحة بين الأطراف المتحاربة، فإن مسلحين متطرفين في منطقة التنف يعدّون مجموعات تخريبية لزعزعة استقرار الوضع في المناطق الجنوبية من سورية»، مضيفاً أن «قيادة المجموعة الروسية العاملة في سورية وقيادة الجيش السوري ستتخذان التدابير الاستباقية اللازمة لمنع حدوث هذه الاستفزازات».
وتأتي التحذيرات الروسية بالتزامن مع ارتفاع حدّة الاحتكاكات الجوية بين القوات الروسية والقوات الأميركية في سورية، فرغم وجود اتفاقية «منع تصادم» موقّعة بين البلدين، شهدت منذ مطلع العام الحالي اختراقات متواصلة، آخرها عشرة اختراقات سُجّلت الثلاثاء الماضي، نفذتها وفق مركز «حميميم» الروسي، 6 مقاتلات من طراز «أف – 16»، وطائرتان من طراز «تايفون»، وطائرتان من دون طيار من طراز «إم كيو 1 إس»، علماً أن أجواء منطقة التنف تعدّ من الممرات الجوية التي تسلكها طائرات مدنية، ما يهدد سلامة حركة الملاحة الجوية في المنطقة.
وبالتزامن مع حملة التصعيد الميدانية، ومحاولة اختراق تظاهرات السويداء، أُعيد في مجلس الشيوخ طرح مشروع قانون أميركي يهدف إلى منع التطبيع مع سورية، والتضييق على الدول التي أعادت تواصلها الطبيعي معها، بهدف منع أي اختراق للأوضاع الراهنة التي تستثمرها واشنطن، وهو يتضمّن بنوداً عديدة تشدّد من إجراءات قانون «قيصر» وتمنع محاولات إعادة الإعمار، وبشكل خاص مشاريع الطاقة، والتي تحاول الحكومة السورية تنفيذها كخطوة لا بد منها لحلحلة مسألة اللاجئين في دول الجوار، وهو ملف يتصدّر المبادرة العربية، ومسار «أستانا» الروسي.
كذلك يتضمّن المشروع استبعاداً لمناطق سيطرة الحكومة من المساعدات الأممية بهدف زيادة الضغوط الاقتصادية على سورية، بالإضافة إلى وجود بند واضح ينص على «منع أي وزارة أو وكالة حكومية أميركية من الاعتراف أو التطبيع مع أي حكومة في سورية تكون تحت قيادة الرئيس بشار الأسد»، علماً أن هذا القانون يواجه رفض بعض الأطراف الأميركية، وبعض المنظمات الإغاثية التي تعدّه مسّا بعملها ويفرض مزيداً من الرقابة والتضييق عليها، وهي نقاط تسببت في إجهاض تمريره في محاولة سابقة.