تركّزت معظم الاعتداءات في إسطنبول (أ ف ب)
أكدت منظمة «مبادرة حرية المعتقد» التركية، بالتعاون مع «لجنة هلسنكي النرويجية» في تقرير نشرته قبل أيام، بعنوان «جرائم الكراهية ذات الأصول الدينية والمعتقدية أو اللامعتقدية في تركيا عن العام 2022»، أكدت أن جرائم كثيرة تقع لأسباب مذهبية ودينية ويتم التغاضي عنها من قبل السلطات التركية وأن أتباع المذهب العلوي والمسيحيين هم الأكثر تعرضا لها يأتي بعدهما اللاجئون السوريون من مختلف الأديان والمذاهب.
وتقول الباحثة تكين، في حوار مع صحيفة «غازيتيه دوار»، إن الأكثر تعرّضاً للكراهية هم المسيحيون والعلويون واليهود والقليل من المسلمين السنّة، مضيفةً إنه مقارنة مع السنوات الماضية، تعرّض الأيزيديون، للمرّة الأولى، لحادثة كراهية، كما تعرّض ملحد للمرّة الأولى لذلك، موضحةً أن أكثر ما يجري استهدافه هو أماكن العبادة والمقابر. وتتابع: «نلاحظ زيادة الحوادث المتعلّقة بالملكية والمنازل. وأكثر ما نواجهه من هذه الجرائم التأشير بعلامة إكس على بيوت. ومن وقت إلى آخر، يتكرّر التأشير على المكان نفسه، ما يعكس اعتداءات ممنهجة». وترى الباحثة أن تكرار الاعتداءات يعكس تساهلاً في ضبط الأمن – وهنا لا تقصد الأماكن المنعزلة أو البعيدة عن المناطق السكنية -؛ إذ إن التحقيقات بشأن بعض الحوادث «لا تتمّ متابعتها إلى النهاية ويُترك المتهمون، كما يتمّ تجاهل هذه الاعتداءات في وسائل الإعلام»، وهو ما يشجّع على تكرارها. كذلك، تلحظ أن غالبية من تعرّضوا لجرائم كراهية يغادرون البلاد نهائياً.
ومع أن التقرير خاص بجرائم الكراهية على أساس ديني، توضح تكين أن جرائم الكراهية الموجّهة ضدّ اللاجئين هي أكبر بكثير، وتهيّئ لانعكاسات سلبية كبيرة، لافتةً إلى أن «الخطاب السياسي يهيّئ الظروف لحوادث الكراهية من مثل تلك التي حصلت عام 1955 ضد اليونانيين واليهود والأرمن، ومثل جريمة قتل الصحافي هرانت دينك عام 2007». وتضيف إن الخطاب السياسي، وخصوصاً في زمن الانتخابات، يكرّس «تعزيزاً للكراهية وتشريعاً لها»، مثلما حصل ضد اللاجئين السوريين في الانتخابات الأخيرة. ولم يغفل التقرير إيراد توصيات بضرورة تحديث القوانين المناهضة للكراهية والتمييز وجعلها أكثر تجذّراً، فضلاً عن ضرورة التطبيق الفعلي للقوانين الموجودة، وتعميم الثقافة المناهضة للكراهية في وسائل الإعلام، وإظهار الدولة جديّتها في الوقوف إلى جانب المعتدى عليهم، وتشجيع المتعرّضين للاعتداءات على تقديم إخبارات إلى السلطات المعنية.
التقرير، المؤلّف من 27 صفحة، أعدّته الباحثة فوندا تكين، بالتعاون مع الباحثة مينه يلديريم، يؤكد وقوع 36 حادثة كراهية موثقة على الأقل مع عدد كبير لم يبلغ عنه الذين تعرضوا اليه، نظراً إلى خوفهم من مخاطر أخرى في حال التبليغ، وقد طالت المختلفين مذهبيا والمختلفين دينيا وملحدا واحدا وازيديا واحدا فقط وواحدا من شهود يهوه، .
وحول طبيعة الحوادث، يعرض التقرير بعضها على النحو الآتي: إحراق بيت لأيزيدي، رسم الصليب النازي المعكوف على باب مدرسة أرمنية في شيشلي في إسطنبول، كتابة عبارة «منتج مسيحي» على باب كنيسة في أوسكودار في إسطنبول، رسم الصليب المعكوف على بوابة مقبرة عائلة رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو في طرابزون، أربعة اعتداءات على مؤسسات وبيوت تتبع علويين في أنقرة في اليوم الأول من عاشوراء.
ويوزّع التقرير الجرائم كالآتي: 13 تهديداً شخصياً، عشر جرائم إلحاق أذى بالممتلكات، تسعة حوادث إلحاق ضرر بمراكز عبادة ومقابر، سبعة حوادث تحقير، أربعة حوادث اعتداءات جسدية، وحادثة تعنيف.
أمّا جغرافياً، فتوزّعت الاعتداءات الرئيسة على النحو الآتي: تسعة في إسطنبول، أربعة في ماردين، اثنان في كلّ من بورصة وأنقرة وهاتاي، واحد في كل من قيصري وأرزينجان وطرابزون وتونجيلي وباتمان وديار بكر وملاطية وأضنة وكرسين وأنتاليا وبالق أسير.
ويشير التقرير إلى أن واحدة من العقبات التي تعترض معاقبة الفاعلين هي أن تسعاً من الجرائم لم يبلّغ عنها، إمّا لاعتبار الشخص الذي تعرّض للجرم أن الحادثة غير مهمة، أو لعدم معرفته بأنها جريمة كراهية، أو لخوفه من التبليغ عنها.
وبينما تتصدّر المؤسسات التابعة للمذاهب المقصودة من مدارس وبيوت عبادة ومقابر، قائمة الاعتداءات، بوصفها أكثر الأماكن التي تتعرّض للاعتداءات والإهانة، يورد التقرير من بين هذه الحوادث ما حصل بتاريخ 22 شباط 2022 في إحدى مدارس لواء (الإسكندرون) المحتل، حيث قام معلم الصف بتحقير طالبين من مذهب مختلف وبكيل الاتهامات لمذهبهم . وكان تصرف الحكومة التركية نقله الى مدرسة في منطقة أخرى.
معدّة التقرير: الخطاب السياسي التركي يهيّئ الظروف لحوادث الكراهية ويكرّس تشريعها
ومن بين الأمثلة على الكراهية الدينية أيضاً، يورد التقرير أن النائب حينها عن منطقة ديار بكر، غارو بايلان، تَقدّم في نهاية نيسان 2022 باقتراح قانون يزيل من الأماكن العامة (ساحات، مدارس، مؤسسات) أسماء المتّهمين بارتكاب إبادة ضدّ الأرمن؛ وكانت النتيجة أن تلقّى بايلان سيلاً من التهديدات الشخصية بقتله. وفي حزيران 2022، نُظّم في ماردين قدّاسٌ للمرة الأولى منذ مئة عام، بمناسبة ترميم كنيسة مار غيفارغيس، وبعد القدّاس استضافت العائلة السريانية الوحيدة التي تقيم في إحدى القرى، رجال دين سريان، وأثناء استقبال هؤلاء، رُشِق المنزل بالحجارة وأُضرمت النار في ممتلكات العائلة.
وعلى المستوى السياسي، يورد التقرير أن ثمّة مسؤولين سياسيين شاركوا في حملة الكراهية، من مثل رئيس حزب «ظفر»، أوميت أوزداغ، الذي ذاعت شهرته في الانتخابات النيابية والرئاسية الأخيرة بعدائه للاجئين السوريين، وكان قد نشر تغريدة في 14 تموز 2022 ضدّ الأرمن جاء فيها: «لقد كسرنا وسنكسر كلاب الإمبريالية. حزب الشعوب الديموقراطي (الكردي) هو تشكيل معادٍ لتركيا أكثر من الأحزاب العرقية في اليونان أو بلغاريا. غالبية قياداتهم العليا من أصل أرمني. إنهم أعداء ويجب التعامل معهم كأعداء». وفي السياق نفسه، يوثّق التقرير ما تعرّضت له إحدى العائلات الأرمنية عند عودتها في تموز 2022 إلى قريتها في ساسون في محافظة باتمان جنوب شرق تركيا، والتي تركتها مطلع التسعينيات، مشيراً إلى أنه عندما اشترت العائلة حصاناً للعمل، هدّدها البعض قائلين: «لقد اشتريتم حصاناً. هل تعتقدون أنكم باقون هنا؟». ومن ثمّ جاء صديق للعائلة من القرية وحذّرهم قائلاً: «لا تبقوا في المنزل. لقد اتفقوا (أبناء القرية) على أن يأتوا مساء ويقتلوكم»، ليتم إحراق المنزل لاحقاً.