يشهد الميدان السوري استمراراً للتصعيد الأميركي – الروسي (أ ف ب)
إمعانا في تثبثها باحتلالها غير الشرعي للأراضي السورية أرسلت الولايات المتحدة دفعات من عملاء عرب قامت بتدريبهم في قاعدة التنف غير الشرعية إلى خطوط تماس مباشرة مع الجيش العربي السوري في ريف دير الزور، قرب المواقع النفطية التي يحتلّها الجيش الأميركي
وتقول مصادر ميدانية لـصحيفة «الأخبار» اللبنانية إنه بالتزامن مع توزيع هؤلاء المقاتلين الذين تلقّوا تدريبات مكثّفة على الاشتباك المباشر، واستعمال بعض أنواع مضادات الدروع، والتصدي للطائرات المُسيّرة، بدأت واشنطن عمليات تدريب مكثّفة في محيط الحقول النفطية، في دير الزور، بعد نحو أسبوعين على استقدام تعزيزات عسكرية غير مسبوقة إلى هذه المواقع.
وتوضح المصادر أن طائرات أميركية ومروحيات شاركت في التدريبات، بالإضافة إلى عودة الانتشار في نقاط عديدة في ريف دير الزور كانت واشنطن أخلتها خلال السنوات الماضية، بينها مخيم الباغوز، الذي كان يُعتبر المعقل الأخير لمقاتلي «داعش» في سورية.
وتوضح المصادر أن تلك التحرّكات تأتي ضمن مخطّط يهدف إلى خلق «جيش جديد» مواز لـما تسمى «قوات سورية الديموقراطية» (قسد)، مكوّن من مقاتلين يتبعون لعشائر منتشرة في دير الزور، وهي خطّة قديمة تمّت إعادة إحيائها مطلع العام الحالي، ترمي بمحصّلتها إلى تحصين حضور الأميركيين، وإعادة التوازن في العلاقات مع أنقرة في ما يتعلق بالملف السوري، عبر الاستعانة بمقاتلين عرب، وتجاهُل الاستهدافات التركية المتواصلة لقياديّي «قسد». وهو ما ظهر بشكل واضح في تصريحات أدلى بها المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر، اعتبر فيها أن بلاده لا ترى في ما يجري في عفرين في الشمال السوري من عمليات توطين لاجئين سوريين تنفّذها تركيا «عملية تغيير ديموغرافي»، الأمر الذي استفزّ «قسد»، فنشر الرئيس المشارك لدائرة العلاقات الخارجية في «الإدارة الذاتية»، بدران جيا كرد، تغريدة انتقد فيها هذه التصريحات، واعتبرها «موقفاً سياسياً غير عادل ومناقضاً للواقع»، مضيفاً أن «الهدف الأساسي من الخطة كان القضاء على الوجود الكردي عبر تنفيذ عملية تغيير ديموغرافي شاملة للمنطقة».
بوادر خلاف بين واشنطن و«قسد»، بسبب السياسة الأميركية المحابية لأنقرة وزيادة الاعتماد على المكوّن العربي
وظهرت في الآونة الأخيرة بوادر خلاف غير معلن بين التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة و«قسد»، سواء بسبب السياسة الأميركية المحابية لأنقرة في ما يتعلق بالملف السوري، ضمن محاولة إبعاد تركيا عن روسيا ومنع أي تقارب سوري – تركي تعتبره وشنطن تهديداً مباشراً لوجودها في سورية، أو بسبب زيادة الاعتماد على المكوّن العربي، والاستعانة بـ«جيش جديد» مواز لـ «قسد». ويظهر المشهد الجديد الذي تحاول الولايات المتحدة رسمه في سورية، استمرار التمسك في الحدود الدنيا بـ«قسد» تحت شعار «محاربة الإرهاب» (تنظيم داعش)، والاستعانة بـ«الجيش الجديد» العميل لها للقيام بعمليات أخرى، منها حماية المصالح النفطية والقواعد الأميركية، ومحاولة توسيع الحضور الأميركي في مناطق الشرق السوري، والسيطرة على الحدود العراقية، وقطع طريق معبر الوليد الحدودي مع العراق، الذي يسيطر عليه الجيش العربي السوري.
وإلى جانب التصعيد الميداني، أعلنت الحكومة الأميركية عدم تمديد الاستثناءات المتعلّقة ببعض العقوبات المفروضة على سورية، والتي علّقت بموجبها بعض تلك العقوبات عقب الزلزال المدمّر الذي ضرب سورية وتركيا، حيث تنتهي مفاعيل الاستثناءات غداً الثلاثاء. وهذه خطوة معاكسة لتلك التي اتخذتها دول الاتحاد الأوروبي بتمديد الاستثناءات، علماً أن سورية أكّدت منذ إعلان واشنطن والاتحاد الأوروبي عن هذه الاستثناءات، أنها صورية تصلح للاستهلاك الإعلامي ولا تفيد السوريين بشكل حقيقي على الأرض، في ظل استمرار العقوبات الأحادية الجانب والتي يتم توسيعها بشكل تدريجي عبر قوانين لاحقة من بينها ما يُعرف باسم «قانون الكبتاغون» الذي يستهدف القطاع الطبي في سورية، ويشرعن انتشار فصائل تابعة لواشنطن قرب المواقع الحدودية في سورية، وقانون «الكبتاغون 2» الذي يزيد من حدّة هذه العقوبات. ويندرج ذلك ضمن سياسة الولايات المتحدة لاستعمال سلاح الاقتصاد في الحرب السورية، لإعاقة أيّ عمليات إعادة إعمار أو تأهيل حقيقي للبنى التحتية، يمكن أن تفتح الباب أمام اللاجئين السوريين للعودة إلى منازلهم، سواء وفق المبادرة الأردنية – العربية التي تشمل عودة اللاجئين على دفعات، أو عبر التوافقات الثنائية مع دول مستضيفة للاجئين السوريين، من بينها لبنان وتركيا. وتمثّل هذه القضية أحد أهم بنود خريطة الطريق الروسية للتطبيع بين دمشق وأنقرة، والتي تسعى واشنطن لإفشالها أيضاً، عبر وضع مزيد من العوائق في طريقها، من بينها التقارب مع تركيا، والدعم غير المعلن لمشاريع «مدن الطوب» التي ترمي إلى إنشاء حزام بشري قرب حدودها الجنوبية لتوطين اللاجئين السوريين، بتمويل قطري.
كذلك، يشهد الميدان السوري استمراراً للتصعيد الأميركي – الروسي، حيث أعلنت موسكو ولأول مرة رصد مقاتلة «أف 35» في السماء السورية، في وقت أعلنت فيه وزارة الدفاع الروسية الجمعة أن التحالف الذي تقوده واشنطن يتابع انتهاك الأجواء السورية واتفاقية «عدم التصادم» الموقّعة بين روسيا وأميركا عام 2015، حيث تم تسجيل 14 خرقاً لطائرات التحالف في منطقة التنف التي تمرّ عبرها الخطوط الجوية الدولية، من قبل زوجين من مقاتلات «أف16»، وثلاثة أزواج من مقاتلات «أف 35»، وزوج من طائرات «رافال»، وزوج من مقاتلات «تايفون»، بالإضافة إلى خرقين آخرين من قبل طائرات مُسيّرة متعدّدة الأغراض من طراز «MQ-1C»، يوم الجمعة الماضي.