(أ ف ب )
في الوقت الذي اتّجهت فيه أنظار العالم إلى مفاعيل الإنهاء الروسي للعمل بـ«اتفاق الحبوب» عبر موانئ البحر الأسود وما يمكن أن يخلّفه من أزمة غذائية على مستوى العالم، فضلاً عن تلك الاقتصادية، لا تزال الانتقادات الأممية والغربية للقرار الروسي تتصاعد، وسط تقاذف المسؤوليات حول الأمر، فيما كان الشرط الروسي للرجوع إلى الاتفاق واضحاً: رفعُ للعقوبات الغربية على إمدادات الحبوب والأسمدة الروسية في الأسواق العالمية.
وهذه ليست المرة الأولى التي تعلّق روسيا فيها الاتفاق، الذي جاء استجابة للحرب في أوكرانيا، إذ علّقته بالفعل مرّة واحدة في تشرين الأول 2022، إثر عدم تلقيها ضمانات تُعفي صادرتها من العقوبات. ولكن، هذه المرة، حذّرت موسكو من الاستمرار بالاتفاق بشكل أحادي الجانب، مشيرة إلى أنه سيتم اعتبار جميع السفن المبحرة في البحر الأسود إلى الموانئ الأوكرانية ناقلة محتملة لـ«البضائع العسكرية»، بينما «خرقت» الدول الغربية التعليق السابق للاتفاق.
وقد ألقت واشنطن بالمسؤولية على أنقرة، الراعية للاتفاق إلى جانب الأمم المتحدة، آملةً أن تتولّى زمام المبادرة في إعادة مسار «اتفاق الحبوب»، مُتجاهلةً ـــ بطبيعة الحال ـــ الدور الرئيسي الذي يمكن أن تتخذه في هذا السياق، للحؤول دون هذه الأزمة، كوْنها الراعي الرسمي لمنع تسهيل الحبوب والأسمدة الروسية الروسية، جراء العقوبات التي تشنّها وحلفاؤها على موسكو.
فقد قال وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكين، اليوم، «نتوقع أن تلعب تركيا الدور الذي لعبته بالفعل – الدور القيادي – لإعادة هذا إلى المسار الصحيح، وضمان حصول شعوب العالم على الطعام الذي يحتاجونه بأسعار معقولة». وأضاف، في حديثه في منتدى «آسبن» الأمني السنوي، أن الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، أشار إلى أنه يعمل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للعودة إلى صفقة الحبوب، مشيراً إلى أن واشنطن، إلى جانب حلفائها، تبحث عن بدائل لصفقة الحبوب، لكنها لا تعتقد أنها يمكن أن تحل محل الإمدادات المفقودة عبر طرق أخرى.
وعلى خطى واشنطن، قال الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، إنه سيجري مكالمة هاتفية مع إردوغان، قائلاً: «لن نسمح لروسيا بالتصرف كما تشاء في البحر الأسود».
وفي المقابل، ذكّرت موسكو بضرورة ضمان تصدير حبوبها وأسمدتها، من قبل الراعي الأممي للاتفاق الذي ينبغي عليه العمل على رفع العقوبات المعيقة لصادراتها، وذلك على لسان نائب المندوب الروسي لدى «الأمم المتحدة»، دميتري بوليانسكي.
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قد أكد بعد الإعلان عن وقف العمل بالصفقة، أن العودة إليه مرهونة بأن «تؤخذ كلّ مبادىء مشاركة روسيا في هذا الاتفاق في الاعتبار، وتنفّذ بالكامل ومن دون استثناء»، في إشارة إلى ضرورة العمل بالجزء الثاني من صفقة الحبوب، الذي يتناول الصادرات الروسية.ad
وكان نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي فيرشينين، قال اليوم إن موسكو تقدّر موقف أنقرة ومبادراتها الدبلوماسية في قضية «صفقة الحبوب». وأضاف أن موسكو وأنقرة «يجب أن تواصلا التعاون لتحقيق نتائج تعود بالفائدة على كل من روسيا وتركيا وعلى الاستقرار الإقليمي، مشيراً إلى أن «هذا سيشكل إلى حد كبير مساهمة في الاستقرار الدولي».
كذلك، أعرب فيرشينين عن تفهّم بلاده لـ«قلق» الدول الأفريقية إزاء وقف العمل بالاتفاق، متعهداً بمواصلة تصدير هذه المواد الأساسية الى الدول التي تحتاج إليها، بقوله: «ستحصل على الحبوب عن طريق تواصلنا معها أو من خلال قمة روسيا – أفريقيا (المقررة أواخر تموز في سانت بطرسبورغ)»، مشيراً إلى العمل على تحديد «مسارات» لتسليم هذه المواد.
وتتألف صفقة الحبوب، التي تطلق عليها موسكو اسم «الاتفاق الشامل»، من وثيقتين يعتمد تنفيذ جزء منهما على الآخر. وفيما يتعلق الجزء الأول بتصدير الحبوب الأوكرانية، يتناول جزؤها الثاني الصادرات الروسية، والذي لم يتمّ تنفيذه عملياً، على الرغم من مرور أكثر من عام على الاتفاق.