حملت زيارة وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، لرام الله عادية، العديد من الرسائل إلى السلطة الفلسطينية، من دون أن تنطوي على جديد، سوى لناحية تسليط مزيد من الضغط على الفلسطينيين للقبول بالوضع القائم، وإغماض عيونهم عن سياسات حكومة بنيامين نتنياهو، وتكثيف العمل الأمني للقضاء على المقاومة المسلّحة في الضفة الغربية المحتلّة.
وبحسب ما علمتْه صحيفة «الأخبار» اللبنانية من مصادر في السلطة، فإن بلينكن، الذي تعامَل مع مُضيفيه بـ«صيغة الآمر الناهي»، حذّر «أبو مازن» من عواقب عدّة خطوات، أبرزها التوجّه إلى المؤسّسات الدولية، وخاصة المحكمة الجنائية، لملاحقة دولة الاحتلال، والتوقّف عن «التنسيق الأمني» مع تل أبيب.
وأبلغ الوزير الأميركي، عباس، أنه في ظلّ الوضع الراهن «لا إمكانية للحديث عن قضايا سياسية كبيرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين»، وأن «هناك قضايا دولية تُمثّل أولوية لدى الإدارة الأميركية». وعليه، فإن الأخيرة ستظلّ عند موقفها المؤيّد لـ«حلّ الدولتين»، إلّا أنها تعتقد أن «الظروف الحالية غير مناسبة للدفع بهذا الطرح»، وأن «الأفضل للسلطة وعباس قبول الأمر الواقع، وتهدئة الأوضاع في الضفة بأيّ ثمن».
وتَكشف المصادر المقرّبة من مؤسّسة الرئاسة في رام الله، لـ«الأخبار»، أن بلينكن قرن عودة مفاوضات «السلام» بالعمل على وقْف موجة المقاومة في الضفة، وخاصة في منطقتَي نابلس وجنين، ومنْع انتقالها إلى مناطق جديدة. كما تَكشف أن بلينكن طرح خطّة أمنية، تتولّى واشنطن تمويلها لاستعادة السلطة سيطرتها على الأراضي المحتلّة، مبيّنةً أن هذه الخطّة تقوم على تكثيف الإدارة دعْمها للأجهزة الأمنية وتدريباتها لعناصرها وإمداداتها لها بالقدرات العسكرية اللازمة للقيام بمهامها. أي بتعبير آخر، تشكيل قوّة فلسطينية حديثة تتولّى «إنهاء وجود السلاح خارج المنظومة الأمنية». وبحسب المعلومات، فإن عباس لم يعترض، «من حيث المبدأ»، على الطرح الأميركي، بل أَبلغ بلينكن أنه بحاجة إلى مساعدة الولايات المتحدة في هذا الإطار لأن «بعض الملفّات بدأت تَخرج عن السيطرة». كما طلب إليه مراجعة الأسباب التي أدّت إلى تولُّد تلك الإشكاليات، وخاصة الانتهاكات والاستفزازات الإسرائيلية تجاه المقدّسات الفلسطينية، واستمرار اقتحام المدن الفلسطينية، وارتفاع وتيرة القتل والإعدامات من قِبَل جيش الاحتلال للشبّان الفلسطينيين، مؤكداً له أن استمرار حكومة نتنياهو في النهج نفسه سيؤدّي إلى «تصاعد الأحداث، وربّما تطوُّرها إلى انتفاضة جديدة لا يرغب فيها أحد».
وأكد عباس لضيفه الأميركي أن «السلطة تبذل أقصى جهودها لمنع تفاقم الأوضاع»
كذلك، أكد عباس، لضيفه الأميركي، بحسب المصادر، أن «السلطة تبذل أقصى جهودها لمنع تفاقم الأوضاع، إلّا أنها لا تستطيع تحمُّل الضغط الشعبي بفعل الاستفزاز الإسرائيلي»، مطالباً إيّاه بالبدء بالعمل على خطّة جديدة لحمْل الحكومة الإسرائيلية على خفْض التصعيد من جانبها. وأوضح «أبو مازن» أن رام الله «لا يمكنها أن تَدخل في صِدام مع المجموعات المسلّحة في ظلّ استمرار الانتهاكات الصهيونية، لأن هذا الأمر سيؤدّي إلى عواقب شعبية وخيمة على السلطة وعلى حركة «فتح»، كما سيقوّي موقف حركة «حماس» وغيرها من الفصائل على الأرض».
ووفقاً للمعلومات، فإن بلينكن مرّر، من جهته، رسالة مبطّنة إلى عباس، بأنه في حال عدم تعاونه مع واشنطن، فسيتمّ البحث عن «خطط بديلة وأشخاص آخرين يمكنهم التعاون لتمرير الخطّة الأميركية»، وهو ما قد يُفهم منه تلميح إدارة جو بايدن إلى إمكانية العمل على استبدال «أبو مازن» أو التخلّص منه في الفترة المقبلة.
وجاءت تلك التهديدات والتقديرات الأميركية في وقت لوّح فيه مستشار الأمن القومي الصهيوني السابق، والمقرَّب من نتنياهو، مائير بن شبات، بدوره، بأن دولة الاحتلال قد تعْمد إلى تنفيذ عملية أمنية كبرى في الضفة، على غِرار عملية «السور الواقي» التي أطلقتْها إسرائيل عام 2002، واجتاحت خلالها الضفة، وحاصرت مقرّ الرئيس الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات، في رام الله.
ورأى بن شبات أن «فشل عباس في محاربة الإرهاب كان مقامرة متعمَّدة ومحفوفة بالمخاطر، وهي لعبة خطيرة، إذا كان المقصود منها زيادة الضغط على إسرائيل، فهذا أمر خطير على أبو مازن أوّلاً وقبل كلّ شيء…»، مضيفاً: «يتذكّر أبو مازن جيداً أيّام عملية «السور الواقي». إنه لا يريد أن يصل الأمر إلى هذه النقطة. لكن الأمر سيصل إلى هنا، وتتحمّل أجهزة الأمن الإسرائيلية المسؤولية الأساسية عن حماية أرواح الإسرائيليين. وإذا وصلنا إلى موقف نحتاج فيه إلى القيام بذلك، فسنفعل».