تقرير إخبار إعداد أحمد بدور
خلال بضع ساعات، ومن دون مواجهات عنيفة، باستثناء بعض المعارك الجانبية التي ذكرت مصادر ميدانية أن 18 إرهابيا قتلوا فيها، احتلت أرتال «هيئة تحرير الشام» – جبهة النصرة – الإرهابية مدينة عفرين، لترْسم مشهداً جديداً، كان يمثّل حتى وقت قريب أحد كوابيس فصائل إرهابية عديدة منتشرة في ريف حلب الشمالي، ويؤكد ضلوع أردوغان في تحقيقه.
ومن شأن هذا التغوُّل الجديد للإرهابي الجولاني ، الذي جاء هذه المرّة مدفوعاً باقتتال في ريف حلب الشمالي الشرقي (الباب) على خلفيّة حادثِ اغتيالٍ لناشطٍ وزوجته، حيث حاولت بعض الفصائل وعلى رأسها «الجبهة الشامية» استثماره لإنهاء وجود «فرقة الحمزة» – إحدى أبرز الجماعات التي تقوم بتجنيد مقاتلين لصالح الاستخبارات التركية للقتال خارج سورية -، من شأنه أن يمكّن الجولاني من توسيع مناطق سيطرته لتشمل إدلب وعفرين وجبالها في ريف حلب، بما يوفّر له مصادر دخْل إضافية، سواء عبر سيطرته على معابر التهريب، أو حتى من خلال المشاركة في المشاريع السكنية التي تعمل تركيا على إنشائها على طول الشريط الحدودي.
اللافت، في خضمّ تلك التطوّرات، هو الصمت التركي حيالها، فيما تمّ تفسيره على أنه قبول بالوضع الجديد، إنْ لم تكن أنقرة نفسها قد أعطت الأوامر بإرسائه، وفق ما سرّبته مصادر ميدانية. وممّا يعزّز رواية «التواطؤ» التركي هو أن تَغوّل «تحرير الشام» يأتي في ظلّ تحوّلات عديدة، أبرزها مزاعم بسعيه للمصالحة مع سورية، والتي لا تفتأ واشنطن تحاول مُعاكستها بجميع الوسائل، السياسية وحتى الميدانية، من خلال السعْي لاختراق الفصائل الموالية لتركيا، وتشكيل مظلّة جامعة لها تحت إشراف أميركي. ومن هنا، يبدو أن أنقرة استعجلت تنفيذ مشروعها الذي دأبت على حبْكه وتسويقه خلال العامَين الماضيَين، تمهيداً لتوحيد مناطق سيطرتها تحت راية الجولاني، بعد نجاح الأخير في «ضبط الأمن»، ومساهمته الفعّالة في فرْط عقْد معظم الفصائل الإرهابية الأخرى، وفتْحه سجونه لتركيا لتحويلها إلى معتقلات خارج الحدود، بالإضافة إلى دوره في مشروع «مدن الطوب» لإعادة توطين اللاجئين السوريين قرب الشريط الحدودي، سواء عبر تأمين عمليات البناء أو المشاركة فيها بواسطة شركات مقاولات عديدة.
يبدو أن أنقرة استعجلت تنفيذ مشروعها الذي دأبت على حبْكه وتسويقه خلال العامَين الماضيَين
ومما يؤكد ضلوع تركيا في الدفع بخطوة الجولاني هذه أنه سبقت اقتحامَ إرهابييه عفرين، سلسلةُ لقاءات أجراها الجولاني مع ممثّلين عن فصائل إرهابية تعرّضت لمضايقات من «الجبهة الشامية»، أبرزها «لواء السلطان مراد» (إحدى الأذرع التابعة للاستخبارات التركية أيضاً)، إلى جانب «فرقة الحمزة» و«حركة أحرار الشام» التي شهدت سلسلة انشقاقات على خلفيّة رغبة بعض الأذرع فيها في الالتحاق بمشروع الجولاني، وميْل أطراف أخرى إلى خطّة «الشامية» لخلْق كيانٍ موازٍ لـ«تحرير الشام»، تُمثّل ما تسمى «الحكومة المؤقّتة» وراعيها، «الائتلاف» واجهته المؤسّساتية.
ويرى مراقبون أنه على رغم توافُر الأرضيّة الملائمة لاستمرار سيطرة الجولاني على عفرين، والانطلاق منها إلى مناطق أخرى، إلّا أن بقاءه فيها قد يشكّل تهديداً لمشروع توحيد الفصائل الإرهابية الذي تتطلّع إليه تركيا، وهو ما قد يُجبر «تحرير الشام»، وفق مصادر ميدانية تحدّثت إلى صحيفة «الأخبار» اللبنانية، على الانسحاب مرّة أخرى إلى إدلب بشكل صُوري، بعد تمهيد الأرض لتمكين الفصائل التي تحالفت مع الجولاني، بالإضافة إلى التوقيع على تعهّدات بعدم المساس بمصالح الرجل. ولربّما يشكّل ذلك «صفقة مرضية» لتركيا، يمكن البناء عليها في مراحل لاحقة لخلْق تشكيل موحّد يمكن تسويقه على أنه ممثِّل عن الفصائل التي تسميها معارضة، فيما هو في حقيقة الأمر تحت قيادة الجولاني من خلْف الستار. ومن المنتظَر أن يترافق هذا مع استمرار خطوات أخرى، خصوصاً عبر فتْح معابر دائمة لإعادة النازحين واللاجئين، وتمرير المساعدات من خلال الحكومة السورية إلى المناطق الخاضعة لسيطرة تركيا، ما يزيح عن الأخيرة عبء اللاجئين من جهة، ومن جهة ثانية التكاليف الدورية التي تتحمّلها لصالح الفصائل، والتي لا تشمل الجولاني، على اعتبار أن الأخير تمكّن من تحقيق آلية تمويل ذاتية أساسها السيطرة على جميع مفاصل الحياة الاقتصادية في مناطقه.
في غضون ذلك، مدّدت الولايات المتحدة «حالة الطوارئ» حول سورية، ما يعني ضمان وجود «بند قانوني داخلي» لبقاء القوات الأميركية في سورية، والذي تتّخذ واشنطن من ذريعة «مكافحة الإرهاب» غطاءً له. وتضمّن القرار الذي وقّع عليه الرئيس الأميركي جو بايدن، ربطاً بين مكافحة تنظيم «داعش» والتهديدات التركية بشنّ هجوم على مناطق سيطرة «قسد» في الشمال الشرقي من سورية، الأمر الذي يشي باستمرار المناكفة بين واشنطن التي تحاول بشتّى الطرق عرقلة المشروع الروسي للحلّ في سورية، وأنقرة التي أظهرت ميلها إلى الأخير، حتى الآن.