شهد اليومان الماضيان تسارعا كبيرا في وتيرة المواجهات بين الفصائل الإرهابية التابعة لتركيا في الشمال السوري الخاضع لسيطرة هذه الفصائل، في حلقة جديدة من المسلسل المستمر من الاقتتال على النفوذ، تبدو مدفوعةً هذه المرّة بمساعي بعض الجماعات لمواجهة «هيئة تحرير الشام» – النصرة سابقا – الإرهابية، ومشروعها لقضم المزيد من المناطق لصالحها، واجتذاب الفصائل إلى صفوفها بإغراء الدعم الذي تلْقاه من تركيا وقطر، وأيضاً علاقتها بالولايات المتحدة.
وحسب تقارير صحفية عربية من تلك المناطق يأتي ذلك في وقت بدأت فيه أنقرة تقطير المساعدات المخصَّصة للمناطق الخاضعة لسيطرتها، فيما يَظهر أنه يستهدف تصعيد الضغوط على التشكيلات المتحكّمة بتلك المناطق، وإجبارها على القبول بالإملاءات التركية بالحرف.
وذكرت صحيفة الأخبار اللبنانية في تقرير اخباري صباح اليوم أن اغتيال أحد الإرهابيين وزوجته في مدينة الباب في ريف حلب الشمالي الشرقي، أدّى إلى اشتعال فتيل مواجهات دامية تخلّلتها عمليات قصف متبادل بقذائف الهاون، بعد ثبوت تورُّط «فرقة الحمزة» الإرهابية التي تتمتّع بعلاقات متينة مع الاستخبارات التركية في العملية. إذ شنّت فصائل عدّة، أبرزها «الجبهة الشامية»، على إثر ذلك، هجوماً على مواقع «الحمزة»، وأجبرتْها على الخروج من المدينة، وهو ما ردّت عليه الأخيرة بتكثيف هجماتها على مواقع الأولى. وفي وقت يبدو فيه هذا المشهد طبيعياً، مقارنةً مع السنوات الماضية التي لم تتوقّف خلالها الاشتباكات بين الفصائل الإرهابية على خلفية محاولة كلّ فصيل توسيع دائرة سيطرته.
وتأتي هذه المواجهات وهي الأحدث بالتزامن مع مجموعة من المتغيّرات الميدانية والسياسية، لتُعيد فتح الباب أمام مشروع كانت حاولت بعض الجماعات تسويقه العام الماضي، من دون أن تنجح في ذلك، لكنّ جهودها هذه المرّة قد تلْقى قبولاً أكبر. ويتمثّل هذا المشروع في السعْي لتوسيع دائرة سيطرة «الجبهة الشامية»، بشكل يشابه طريقة تغوّل «هيئة تحرير الشام»، بهدف خْلق جسم إرهابي كبير يواجه محاولات تمدّد الإرهابي أبو محمد الجولاني، زعيم «الهيئة». وتَكشف نظرة على مجريات الأحداث، خلال اليومين الماضيين، بالفعل، توسّعاً واضحاً لمواقع «الشامية»، التي تضمّ خليطاً من التشكيلات الإرهابية المتعدّدة الولاءات والعلاقات، على حساب فصيل «الحمزة» الذي تدور حوله شبهات ارتباط بالجولاني.
وبالتوازي مع محاولات إحياء مشروع «الجبهة الشامية»، شهدت حركة «أحرار الشام» الإرهابية سلسلة انشقاقات، آخرها انشقاق «لواء الإيمان»، على خلفيّة محاولة أطراف في الحركة توسيع علاقتها مع «هيئة تحرير الشام». وأشعلت هذه المحاولة فتيل خلاف حادّ بين أطراف ترغب في الانضمام إلى الجولاني الذي يُعتبر في الوقت الحالي جانباً مضموناً في ظلّ علاقته المتينة بكلّ من تركيا وقطر والولايات المتحدة، وبين أطراف أخرى تميل إلى صفّ «الجبهة الشامية» الذي تراه أكثر ملاءمة للفترة المقبلة. وبينما تحاول «الشامية» استثمار الظروف الراهنة للتوسّع في ريف حلب، تفتح هذه الظروف نفسها الباب أيضاً أمام توسُّع مقابلٍ قد تقدِم عليه «هيئة تحرير الشام»، أخْذاً في الحسبان العلاقات القوية التي تربط الجولاني بجماعة «الحمزة» عبر الاستخبارات التركية. وتُعتبر «الحمزة» إحدى أبرز الجماعات التي نفّذت عمليات تجنيد لإرسال مقاتلين إلى ليبيا وأذربيجان لصالح تركيا، إلى جانب جماعة «أبو عمشة» التي تعيش بدورها أياماً صعبة نتيجة الضغوط المستمرّة عليها، ما قد يدفع «الفصيلَين» إلى الانتقال إلى «الهيئة»، مقابل الحفاظ على مصالحهما المتمثّلة في معابر التهريب بين ريفَي حلب وإدلب.
وتأتي التطوّرات الأخيرة في وقت تشهد فيه مناطق سيطرة أنقرة حالة ضيق واسعة، بعد تخفيض كمّية الأموال المرسَلة إليها، بما لم يستثنِ القطاع الصحّي الذي شهد إضراباً وتظاهرات على خلفية تَأخّر رواتب العاملين فيه لأكثر من شهرَين، علماً أن رواتب هذا القطاع تأتي من قطر، وتتولّى تركيا عملية توزيعها. وبحسب مصادر معارِضة تحدّثت إلى «الأخبار»، فإن التأخير مردّه إلى زيادة ضخّ الأموال في المشاريع السكنية، التي شهدت نموّاً واضحاً خلال الشهرَين الماضيين. وتُبيّن المصادر أن تركيا تحاول عبر ذلك الإجراء، ضرب عصفورَين بحجر واحد، بحيث تزيد السيولة اللازمة لتسريع عمليات البناء من جهة، وتستثمر حالة التضييق تلك، لفرض سيطرة كاملة على تلك الفصائل.