صحيفة الرأي العام – سورية
سياسة

واشنطن والرواية المثقوبة: «خليفة داعش الثالث» لم يُقتَل؟

أكدت تقارير صحفية من المنطقة التي تحتلها العصابات الإرهابية في محافظة إدلب، أن الرواية الأمريكية عن مقتل «الخليفة الثالث» لتنظيم «داعش» ليست صحيحة، وأن ماهر العقال الإرهابي الذي اصطادته مسيرة أمريكية أول أمس وأعلن أنه خليفة داعش الجديد، ليس خليفة بل هو مجرّد قيادي سابق تَمكّن من الخروج من مناطق شرق الفرات قبل عدّة سنوات، ليستقرّ في منطقة «آمنة»، معتزلاً العمل الميداني، ومكتفياً بالعمل في ملفّ تمويل التنظيم.

 وكانت وزارة الدفاع الأميركية قد أعلنت أوّل من أمس، مقتل أمير تنظيم «داعش» في سورية، في غارة نفّذتها طائرة مسيّرة بالقرب من بلدة جنديرس في ريف حلب الشمالي الغربي.

 وبحسب معلومات نشرتها صحيفة «الأخبار» اللبنانية، فإن ماهر العقال قُتل على الفور، فيما نُقل شخص كان يرافقه على متن الدراجة النارية التي كان يستقلّها، إلى نقطة طبّية ليقضي فيها. وبينما وصفت واشنطن القتيل بأنه واحد من «القادة الأربعة الكبار للتنظيم»، تُفيد المعلومات الآتية من مصادر التنظيم بأن الرجل مجرّد شخصية عادية لا صفة قيادية حالية لها. ويأتي هذا التطوّر بعدما نفّذ الأميركيون، في الـ12 من الشهر الماضي، عملية إنزال جوّي جنوب مدينة جرابلس، بهدف تصفية زعيم «داعش». وإذ لم تعترف الولايات المتحدة بالفشل حينذاك، فقد زعمت اعتقال «والي الرقة»، في عملية لم تَدُم سوى عشر دقائق، بحسب وصف مصادر محلية لـ «الأخبار». وكان الأميركيون عادوا إلى قاعدتهم السابقة داخل معمل «لافارج» للإسمنت الواقع بين مدينتَي عين عرب وعين عيسى شمال سوريا، حتى يَسهل عليهم تنفيذ عمليات ضمن الأراضي التي تسيطر عليها تركيا، ضدّ تنظيمات «داعش» و«القاعدة» و«حراس الدين»، الذي يُعتبر واحداً من أشدّ منافسي «جبهة النصرة».

 وبالعودة إلى مقتل العقال، تُوضح مصادر إرهابية متعدّدة للصحيفة أن من خلَف عبدالله قرداش في زعامة «داعش»، هو أبو الحسن الهاشمي القريشي، والمعروف أيضاً بـ«زيد العراقي»، وبـ«أستاذ داعش» لكونه كان يشغل منصب «أمير ديوان التعليم» قبل مقتل زعيمَي التنظيم السابقَين، فضلاً عن «حجي زيد». وخلال البيان الصوتي الذي نشره «داعش» في الثالث من شباط الماضي معترفاً بمقتل زعيمه أبو إبراهيم القرشي (قرداش)، ومعلِناً تنصيب القريشي زعيماً جديداً، قال المتحدّث باسم التنظيم حينذاك، أبو عمر المهاجر، إنه «لو كان في إمكاننا الكشف عن اسمه أو رسمه لفعلنا»، في ما بدا محاولة لتلافي الثغرات التي نتجت من الكشف عن هوية مؤسِّسه المقتول، أبو بكر البغدادي. لكنّ المواقع «الجهادية» دأبت حينذاك على التأكيد أن القريشي هو نفسه «زيد العراقي»، واسمه الحقيقي هو بشار خطاب الصميدعي، الذي يُعدّ إحدى الشخصيات الإرهابية المعروفة في الوسط العراقي، والتي بدأت بصعود سلّم السلطة داخل التنظيمات التكفيرية منذ انضمامه إلى «أنصار الإسلام» الذي تَشكّل عام 2001 في شمال العراق.

 المفارقة أن الحكومة التركية كانت قد أعلنت اعتقال زعيم «داعش» أواخر شهر أيار الماضي.

 ومع إعلان تشكيل «داعش»، أعلن الصميدعي البيعة للبغدادي، لكنّ مصادر إرهابية تنفي وجود علاقات طيّبة بين الرجلَين؛ فالأخير سَجن الصميدعي مع عدد من القادة لخلافات عقائدية، قبل أن يتوسّط قرداش ليُخرجه من السجن ويسهّل له عملية مغادرة الأراضي التي كان يسيطر عليها التنظيم في عام 2016، نحو شمال غرب سورية، ومنها إلى تركيا حيث بقي هناك لمدّة عامين تقريباً، ولم يَعُد إلى الداخل السوري إلّا بطلب من قرداش بعد تولّي الأخير منصب «الخليفة». وتؤكد صحّةَ تلك المعلومات حقيقةُ أن قرداش قُتل أيضاً في شمال غرب سورية قبل عدّة أشهر، فيما المفارقة أن الحكومة التركية كانت قد أعلنت اعتقال «زيد العراقي» بوصفه زعيماً لـ «داعش»، خلال عملية أمنية نُفّذت أواخر شهر أيار الماضي في مدينة إسطنبول، من دون أيّ رد فعل من التنظيم الذي كان قد بدأ عهد «خليفته» الثالث بما سماها ـ«غزوة الثأر للشيخين»، التي أطلقها في شهر نيسان الفائت، انتقاماً لمقتل زعيمه السابق القريشي، والمتحدّث السابق باسمه أبو الحسن المهاجر. يُضاف إلى ما تَقدّم، أنه وفقاً لرواية نسبتها وكالة «رويترز»، خلال شهر آذار الماضي، إلى مسؤولين أمنيين عراقيين، فإن مَن تولّى زعامة «داعش» في أعقاب اغتيال قرداش هو جمعة البدري، شقيق إبراهيم البدري، «الخليفة» الأوّل للتنظيم، والذي كان يُعرف باسم أبي بكر البغدادي.

كلّ هذه المعطيات تصبّ في اتّجاه نفْي صحّة وجود ماهر العقال على رأس «داعش»، وتؤشّر إلى أن واشنطن ربّما لا تمتلك معلومات موثوقة عن هيكلية التنظيم الجديدة، وإنّما تدأب على تنفيذ عمليات إنزال واستهدافات بالمسيّرات لكسب نقاط إضافية في ملفّ «الحرب على الإرهاب». كذلك، تدلّل هذه العمليات، التي تُنفَّذ في مناطق سيطرة تركيا، على نشاط متزايد للجهاز الأمني الخاص بـ«جبهة النصرة» الإرهابية، لتوفير معلومات لصالح الأميركيين الذين لم يتردّد زعيم «هيئة تحرير الشام»، أبو محمد الجولاني، في الكشْف عن تَواصله معهم.

مواضيع ذات صلة

اترك تعليق