صحيفة الرأي العام – سورية
سياسة

سمسرات وابتزاز: «تجارة الحجّ» لا تبور، وللجولاني النصيب الأكبر

 أكثر من 10 آلاف حاج سوري وصلوا إلى السعودية من سورية وثمانية بلدان أخرى، عن طريق لجنة تابعة لـ«الائتلاف» اسطنبول الذي أوكلته السعودية هذه «التجارة» قبل نحو 9 سنوات. «تجارةٌ» لا تزال تدرّ سنوياً مبالغ طائلة على هذا الائتلاف وشريكه الإرهابي أبو محمد الجولاني ، شراكة اعترفت بها مصادر الائتلاف في حديث لصحيفة «الأخبار» اللبنانية .

 ومن الدلائل التي فضحت شراكة الائتلاف مع الإرهابيين في استغلال الحج أنه وأمام الكعبة المشرّفة، وقف مسؤول عن أحد وفود الحجّ السورية ملتقطاً صورة له، وهو يحمل بين يديه عُلب بنّ (قهوة) مغلّفة، وينشرها كنوع من الدعاية لهذه القهوة التي يبدو أنه يستثمر فيها أيضاً. مما أثار ضجّة واسعة دفعت القائمين على الوفود إلى عزله، وسط اتّهامات بانتمائه إلى «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة) الإرهابية، الأمر الذي لم تؤكّده أو تنفِه مصادر من الائتلاف تحدّثت إلى صحيفة «الأخبار» اللبنانية، لكنها جزمت بوجود عناصر من التنظيم يشرفون على الوفود فعلاً، بعد أن تمكّن زعيم «تحرير الشام»، الإرهابي أبو محمد الجولاني، من الاستحواذ على قسم وازن من «تجارة الحجّ» التي سلّمتها السعودية لعملائها.

 ومن المعروف أنه قبل نحو 10 سنوات، ومع قطع السعودية علاقتها الدبلوماسية مع سورية، ورفضها الاستمرار في الاتّفاقات المبرمة مع وزارة الأوقاف السورية عام 2012، حُرم السوريون من أداء مناسك هذه الفريضة، ليتمّ بعدها بعام (2013) تحويل هذا الملفّ إلى يد عملاء السعودية مما يدعونها معارضة، والتي كانت تحاول دول عدّة حينها، من بينها السعودية وقطر، إضفاء أيّ طابع «شرعي» عليها. ومن هنا، تمّ تشكيل لجنة من هؤلاء أُطلق عليها «لجنة الحجّ العليا»، تولّت عمليات تنظيم وفود الحجّاج بالتعاون مع مكاتب سياحية منتشرة في تركيا ولبنان ومصر والأردن والعراق وقطر والكويت والإمارات، بالإضافة إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الفصائل المعارِضة في الشمال السوري. وأمام هذه الأوضاع، أصبح على السوريين الراغبين في أداء الفريضة، والذين يعيشون في مناطق سيطرة الحكومة وهي أكثر من ثلثَي سورية، السفر إلى أحد البلدان المجاورة، في ظلّ صعوبة التعامل مع مكاتب «الائتلاف»، الأمر الذي ضاعف من التكاليف من جهة، وأوقع الآلاف ضحية عمليات نصب واحتيال، ما دفع وزارة السياحة السورية إلى إصدار بيانات عديدة تؤكد عدم امتلاك أيّ مكتب سياحي مرخَّص في سورية، وثائق رسمية تخوّله تسيير رحلات للحج.

وتُظهر البيانات الصادرة عن «لجنة الحجّ العليا» التابعة لـ«الائتلاف» أن نحو ثلث السوريين الذين سافروا لأداء الفريضة، خرجوا من مناطق سيطرة الفصائل في الشمال السوري، ويبلغ عددهم 3136 شخصاً، انطلقوا إلى تركيا عبر معبر باب الهوى الحدودي، الذي تسيطر عليه «تحرير الشام» الإرهابية شمالي إدلب، بعد تقسيمهم إلى وفود يشرف عليها مسؤولون بعضهم قياديون في «النصرة» الإرهابية. وبحسب «لجنة الحجّ»، فإن تكلفة أداء الفريضة وصلت إلى نحو 4 آلاف دولار، فيما أكدت مصادر معارِضة مطّلعة على آلية عمل مكاتب الحجّ، لـلصحيفة، أن التكاليف الحقيقية وصلت في بعض الحالات إلى نحو 10 آلاف دولار، في ظلّ السمسرة التي شابت فرز الأسماء، حيث حدّدت السعودية حصّة الحجّاج السوريين هذا العام بـ10186 شخصاً، تمّ اختيار ثلثيهم بحسب نظام الأكبر سنّاً، والثلث المتبقّي وفق نظام القرعة، الأمر الذي فتح بدوره الباب أمام عمليات ابتزاز لا يمكن ضبطها.

أدّى تحكم «هيئة تحرير الشام» بملفّ الحج في الشمال إلى حرمان الآلاف من التقدُّم لأداء الفريضة

 وقد أدى تحكّم «هيئة تحرير الشام» بملفّ الحجّ في الشمال السوري، إلى حرمان الآلاف من التقدُّم لأداء الفريضة، بمَن فيهم عناصر الفصائل الإرهابية الأخرى التي تنتشر في ريف حلب وتعادي الجولاني، في ظلّ حالة الخوف من الدخول إلى إدلب والتعرُّض للخطف أو الاغتيال. كما حُرم أيضاً السوريون الذين يعيشون في مناطق «قسد»، والذين لا يمكنهم السفر إلى تركيا، حيث تَوجّب عليهم إيجاد طريقة للسفر إلى العراق والتقدُّم عبر مكاتب تتعامل مع «الائتلاف»، ودفْع آلاف الدولارات أملاً في الوصول إلى مكة، وهو ما يفسّر تسجيل 202 حاجّ سوري فقط من العراق، مقارنة بـ2370 شخصاً من تركيا، و2500 شخص من لبنان.

 ولا تُعتبر عمليات السمسرة في ملفّ الحجّ الذي تلعب العوامل السياسية والإيديولوجية دوراً كبيراً فيه، أمراً طارئاً أو حديثاً، إذ تشير المصادر إلى أن هذا الملفّ، ومنذ تسليمه لـ«الائتلاف»، تحوَّل إلى تجارة تسيطر عليها بعض الشخصيات النافذة في المعارضة، خصوصاً أن «لجنة الحجّ»، ومنذ تأسيسها، تمّ اعتبارها إدارة مستقلّة مادّياً وإدارياً، ما سهّل التحكّم بها، وأتاح سمسرات بملايين الدولارات خلال الأعوام الماضية. وتراجعت هذه السمسرات خلال العامَين الماضيَين بسبب وباء «كورونا»، لتعود وتنشط العام الجاري بشكل كبير، على الرغم من تخفيض حصّة سورية من نحو 22 ألف حاج سنة 2019 (وهي الحصّة نفسها تقريباً التي كانت تُمنح لسورية قبل اندلاع الحرب)، إلى النصف تقريباً في عام 2022.

 ويُعتبر ملفّ الحجّ، في شقّه السياسي، إحدى أدوات الضغط التي تستخدمها السعودية، وتستمرّ المعارضة في استغلال هذا الملفّ، سياسياً لإبراز حضورها، واقتصادياً عبر عمليات السمسرة والإتجار، بعد ضمان حصة الجولاني الذي يتحكّم بجميع المفاصل الاقتصادية في مناطق نفوذه في إدلب التي يسيطر عليها منذ عام 2015، ومن بينها المعبر الحدودي الذي يشكّل مصدر دخْل وموقع نفوذ كبير له بمباركة تركية.

مواضيع ذات صلة

اترك تعليق