تقرير إخباري إعداد احمد بدور
ليلة الاثنين الماضي وفي وقت متأخر منها نفذت طائرة مسيرة أمريكية هجوما قرب مدينة إدلب، مستهدِفةً رجلاً كان يقود درّاجة نارية في طريق زراعي جنوب شرقي المحافظة، ما أدّى إلى تفحّم جثته. وعلى إثر وقوع الحادثة، خرجت القيادة المركزية الأميركية، في اليوم التالي، لتُعلِن أن الشخص المستهدَف هو أبو حمزة اليمني، أحد أبرز قياديّي تنظيم «حرّاس الدين» التابع لتنظيم «القاعدة»، معتبرةً أن هذا الاغتيال «سيعطّل قدرة القاعدة على تنفيذ هجمات ضدّ الأميركيين وشركائهم الأبرياء حول العالم»، لكن ما تبين فيما بعد ان اليمني ما يزال حيا يرزق وان الذي استهدفه الهجوم هو شخص آخر يُعتبر من أبرز خصوم الجولاني. وهو القيادي السابق في «هيئة تحرير الشام»، نوري محمد هزاع أبو هزاع الديري، الذي انشقّ عن الهيئة بعد انفكاكها عن «القاعدة».
وتفيد تقارير صحفية عربية أن هذا الخطأ الأمريكي الجسيم كان بسبب الثقة التي باتت تُوليها واشنطن للجولاني إلى درجة تدفعها لتسيير طائرة لأكثر من ثلاث ساعات لاغتيال شخص في وقت متأخّر من الليل، والإعلان عن اسمه والاحتفال به من دون أيّ تريّث للتأكّد من المعلومات، في حين أن الجولاني دفعها لقتل أبرز المنافسين له في تنظيمه الإرهابي.
وعن سبب اتّباع الجولاني هذا التكتيك والاعتماد على «التحالف» بدلاً من اعتقال خصومه أو حتى قتلهم على الأرض، ترى مصادر إرهابية مناوئة له أن زعيم «تحرير الشام» يتّبع تكتيكات عدّة في القضاء على خصومه؛ فتارة يشنّ هجمات على مقرّاتهم ويقوم باعتقال قياديّيهم، وتارة أخرى يعمد إلى تنفيذ عمليات اغتيال، وفي بعض الأحيان يلجأ إلى «التحالف»، خصوصاً إن تعلّق الأمر بشخصيات ذات تأثير في المجتمع، مثل الديري.
وتوضح المصادر أن الديري معروف بقوّة حجّته وقدرته على الإقناع، وله أتباع كثر، بالإضافة إلى أن خلافاً كبيراً وقع في الفترة الأخيرة بينه وبين «أبو ماريا القحطاني»، أحد أبرز مساعدي الجولاني، والذي ينتمي إلى العشيرة نفسها التي يتحدّر منها الديري (عشيرة الجبور)، الأمر الذي قد يُدخل «هيئة تحرير الشام» في دوّامة صراع عشائري في حال قامت هي باغتيال الأخير.
وعلى الرغم من وقوع واشنطن في فخّ الجولاني، ترى مصادر إرهابية، في حديث إلى صحيفة «الأخبار» اللبنانية، أن «العلاقة» بين الأميركيين و«تحرير الشام» لن تتأثّر بسبب هذه الحادثة، خصوصاً بعد أن أثبت الجولاني في مرّات عديدة سابقة ولاءه، وقدّم معلومات مكّنت الولايات المتحدة من اغتيال عدد كبير من قياديّي التنظيمات المتشدّدة، على رأسهم زعيما تنظيم «داعش» اللذان كان يختبئان في ريف إدلب، أبو بكر البغدادي، وخليفته أبو إبراهيم القرشي، معتبرة أن الرصيد الذي بات يمتلكه الجولاني يهيّئ له إمكانية تجاوُز الأمر، بل وتكراره مستقبلاً، تحت غطاء «محاربة الإرهاب»، خصوصاً أن الديري الذي اغتاله التحالف وادّعى أنه اليمني، ينشط أيضاً في صفوف «حرّاس الدين».
كذلك، ترى المصادر ذاتها أن «تحرير الشام» التي باتت تملك حظوة في أنقرة وواشنطن تُمكّنها من بسط سيطرتها المطلقة على إدلب، تتمهّل في عملية القضاء على التنظيمات «الجهادية» الأخرى، حيث تعمل على تفكيكها ببطء شديد، من أجل استثمار وجودها في التخلّص من جميع معارضي الهيئة من جهة، واستغلال عمليات القضاء على تلك التنظيمات في تمتين علاقتها بقوى عدّة، أبرزها واشنطن، التي تغضّ الطرف بشكل كامل عن الجولاني ومقاتليه الذين ينظّمون استعراضات عسكرية، ويتابعون عمليات التجنيد والتدريب، ويتمدّدون إلى ريف حلب على الرغم من تصنيفهم على لوائح «الإرهاب»، وتطارد أشخاصاً على دراجات نارية في أراضٍ زراعية لساعات في أوقات متأخّرة من الليل لاغتيالهم.
أما اليمني فيُعتبر أحد مُهندسي عملية احتلال الإرهابيين لمدينة إدلب والسيطرة عليها عندما كان ينشط في صفوف تنظيم «جند الأقصى» الإرهابي عام 2015، بعد عامَين نشط خلالهما في تنظيم «جبهة النصرة» الإرهابي، لينتقل إثر ذلك إلى تنظيمات عدّة – بعدما حلّت «النصرة» «جند الأقصى» -، آخرها «جند الملاحم» الذي اندمج بـ«حرّاس الدين» المبايِع لـ«القاعدة».