كثيرة هي المستجدات والمعطيات السياسية، في تركيا وفي المنطقة والعالم، التي أتت لتزيد من استغلال الساسة الأتراك وخاصة أردوغان وحزبه ألإخواني للاجئين السوريين لمآرب سياسية، مما زاد من معاناتهم، فيما يدور الحديث عن إعادة إحياء «خريطة إردوغان» التي تتضمن احتلال مناطق جديدة في سورية على عمق ثلاثين كيلومترا على طول الحدود بذريعة حماية تركيا من المسلحين الأكراد.
فقد تزامنت التغيّرات الدولية والإقليمية مع ارتفاع وتيرة الحراك السياسي الداخلي في تركيا، تحضيراً للانتخابات الرئاسية المقرَّرة في 23 حزيران 2023، والتي تأتي في وقت يعاني فيه الاقتصاد التركي من تبعات الحروب السياسية والعسكرية السابقة، وأزمة «كورونا»، بالإضافة إلى أزمات مالية ونقدية أخرى، ترافقت مع ازدياد العنصرية تجاه السوريين، وارتفاع الأصوات المطالِبة بترحيلهم، الأمر الذي وضع اللاجئين على طاولة البازار السياسي، وعلى شاخصات الدعاية الانتخابية.
استثمرت أنقرة خطاب الكراهية تجاه السوريين لدفعهم للعودة إلى مناطق سورية قرب حدودها
وعلى عكس المرّات السابقة، التي دافعت خلالها حكومة «العدالة والتنمية» عن وجود هؤلاء، لأهداف اقتصادية وسياسية أخرى (ابتزاز أوروبا، أو تجنيسهم واستعمال أصواتهم وفق اتّهامات المعارضة للحزب الحاكم)، ظهر موقف أنقرة هذه المرّة مختلفاً، عن طريق تقييد حركتهم، وتسريع عمليات ترحيلهم.
وحسب تقارير صحفية عربية فان آخر فصول التضييق على السوريين يتجسّد خلال هذه الأيام، عن طريق منعهم من الدخول إلى بلادهم لقضاء إجازة العيد – وهو إجراء كان يتمّ بشكل دوري طيلة الأعوام الماضية -، حيث أُغلق معبرا باب السلامة وجرابلس الحدوديان، بعد أقلّ من يومين على تصريحات أطلقها مسؤولون أتراك، من بينهم وزير الداخلية سليمان صويلو، الذي أعلن فرض قيود على حركة السوريين، وزعيم حزب «الحركة القومية» دولت بهتشالي، حليف «العدالة والتنمية»، الذي اعتبر أن «السوريين الذين ذهبوا إلى بلادهم خلال العطلات ليسوا بحاجة إلى العودة»، بالإضافة إلى إعلان شخصيات معارضة عدّة سعيها لإعادة اللاجئين، ومن بينها زعيم المعارضة كمال كليشدار أوغلو، الذي وجّه أسئلة إلى دائرة الهجرة تتعلّق بأعداد السوريين الذين يملكون وثائق لجوء، وعدد المجنّسين منهم، وهي أسئلة يبدو أن الإجابة عليها ستكون محرجة بالنسبة إلى الحكومة التركية.
وبينما استثمرت أنقرة، خلال العامين الماضيين، خطاب الكراهية الذي ارتفع بشكل غير مسبوق تجاه السوريين، لدفع مَن يمكن دفعه منهم للعودة إلى مناطق في سورية قرب حدودها، حيث تقيم مشروعات سكنية وتجارية واقتصادية، معظمها بتمويل غير تركي (بعضها قطري، وبعضها بدعم أوروبي أو عبر منظّمات دولية مختلفة)، يبدو أنها، وفي ظلّ الظروف الخارجية والداخلية، وجدت أنه من الأفضل الإمعان في استثمار هذا الخطاب، وتشديد القيود على اللاجئين، بالتوازي مع تحرّكات سياسية وميدانية في الساحة السورية، حيث بدأت حفر خندق يفصل مواقع سيطرة الفصائل التابعة لها عن باقي الأراضي السورية في ريف حلب، قرب تادف، على أن يمتدّ الخندق ليشمل مناطق درع الفرات وغصن الزيتون، وصولاً إلى ريف عفرين شمال حلب. كذلك، كثّفت تركيا عمليات استهداف مقاتلي «قسد» عن طريق القصف بالصواريخ والمدفعية، والطائرات المسيّرة، في وقت رفع فيه أردوغان من حدّة خطابه ضدّ الأكراد، حيث توعّد في كلمة أمام اجتماع نواب حزبه في البرلمان، أوّل من أمس، بـ«سحق رؤوس القوات الكردية في سورية«.
ويبدو أن تركيا، تحاول خلال هذه الفترة، تحقيق أقصى استفادة ممكنة من الحرب الروسية في أوكرانيا، في ظلّ سعي واشنطن للتحشيد ضدّ موسكو. ومن المقرّر أن يجتمع وزيرا الخارجية، التركي مولود جاويش أوغلو، والأميركي أنتوني بلينكن، الشهر المقبل، في العاصمة الأميركية، لمناقشة القضايا العالقة، ومن بينها ملفّ «قسد»، الأمر الذي تستعدّ له واشنطن عبر مشروع توحيد الأكراد، وتقديم تسهيلات اقتصادية تنعش مناطق «قسد» ومناطق السيطرة التركية عبر استثنائها من قانون العقوبات «قيصر». ويبدو، أيضاً، أن أنقرة تعدّ خطّة أخرى تتعلق بالحصول على ضوء أخضر أميركي لشنّ عملية عسكرية تقضم من خلالها مناطق جديدة قرب الشريط الحدودي، الأمر الذي يعيد إحياء «خريطة إردوغان»، ويضمن له قفزة كبيرة في السباق الانتخابي عن طريق التخلص من ملف اللاجئين، ومكاسب إضافية تتعلّق بتوسيع المنطقة التي تحتلّها قواته، وإقامة مشاريع اقتصادية، وتحصين شريطه الحدودي بشبكة علاقات يتمّ تأسيسها لتستمرّ، حتى لو خرجت القوات التركية وفق تفاهم سياسي ما مستقبلاً.