صحيفة الرأي العام – سورية
سياسة

قسد ومسد في تخبط مستمر، وخوف من خذلان أمريكي، فهل تتجه إلى الوطن؟.

تحليل إخباري                                            أ ب

 تستولي حالة من الضياع والتخبط على عقول زعماء الفصائل الكردية العميلة الولايات للولايات المتحدة، في ظل حشود عسكرية للميليشات الإرهابية التي تديرها تركيا مدعومة بقوات كبيرة من الجيش التركي على حدود المنطقة التي تسيطر عليها هذه الفصائل، مع تهديد علني بشن عدوان جديد على الأراضي السورية، بذريعة خطر مزعوم من منظمات كردية على الأمن القومي التركي، علما أن تجارة هذه الفصائل بما تنهبه من نفط وقمح وغيره تتم عبر تركيا وبعلم وموافقة الحكومة التركية.

 وتتحدث تقارير صحفية من المنطقة أنهعلى رغم من تقليلها من أهمية التهديدات التركية المتجدّدة، تُكثّف الزعامات الكردية هذه تواصلها مع الجانب الروسي، سعياً في استعادة قنوات الحوار مع القيادة السورية، مُظهِرةً هذه المرّة ميلاً – لا يزال مداه غير واضح – نحو إرساء اتفاق شامل لا مرحلي ومصلحي فقط. والظاهر أن هذا المسعى يأتي مدفوعاً بتقدير لدى ما تسمي نفسها «الإدارة الذاتية» بأن الأميركيين يقتربون من إدارة ظهرهم للمنطقة، فضلاً عن مزاج متنامٍ في أوساط أنصارها للدفْع في اتجاه محاوَرة الحكومة السورية والتفاهم معها، ولو على حساب السقوف العالية التي أُعلنت سابقاً.

 ويلاحظ المراقبون أنه عندما تشتدّ الضغوط التركية على الزعامات العميلة لأمريكا، وتفقد الأمل بأيّ خطوة أميركية لمنع أنقرة من شنّ عدوان جديد عليها، تعود إلى الاحتماء بمظلّة الحكومة السورية والدعم الروسي لتجاوز الخطر المحدق بها. ومن هنا لوحظ في الأيام الأخيرة، تغيّر واضح في خطاب القوى الكردية، إذ صار أقلّ حدّة وأكثر انفتاحاً، مدفوعاً على ما يبدو بالتهديدات التركية المتجدّدة، وبتصريحات جميل بايك الرجل الثاني في «حزب العمال الكردستاني» (KCK) ، والرئيس المشترك لـ«منظومة المجتمع الكردستاني»، والتي حرّكت ركود التفاوض بين القيادة السورية و«الإدارة الذاتية»، والمستمرّ منذ مطلع العام الجاري. وتتقاطع معلومات من عدّة مصادر عند تأكيد تكثيف الزعماء الأكراد مجدّداً لقاءاتهم مع الضبّاط الروس، ليكون الأخيرون وسطاء لإعادة تفعيل الحوار مع الحكومة السورية، خصوصاً أن «الإدارة الذاتية»، على رغم تقليلها من جديّة التهديدات التركية، لم تحصل حتى الآن، على ما يبدو، على أيّ تطمينات حقيقية من واشنطن، تحول دون تنفيذ أنقرة وعيدها.

 وعلى ما يبدو فإن التجارب المرة السابقة لمناصري هؤلاء الزعماء، والخيبات التي منوا فيها من خلال زعمائهم، دفعتهم إلى إبداء القلق مما يهدد بخسارة أراض جديدة، كما حدث في عفرين ومناطق أخرى، لذلك من الملاحظ أن المزاج العام لدى هؤلاء المناصرين يضغط باتجاه القبول بالحوار مع الحكومة السورية وموسكو، لكون المناطق المهدَّدة بالهجمات التركية تقع ضمن مناطق تواجد روسيا والاحتلال التركي، وخارج إطار مناطق الاحتلال الأميركي التي تتركّز في مناطق شمال شرق الحسكة وشرق دير الزور. وقد ارتفعت، في الآونة الأخيرة، الأصوات الكردية المنادية بمنع أيّ عدوان تركي جديد، ولو مقابل ثمن سياسي غير مرضٍ للآمال والطموحات الكردية.

 وفي الاتجاه نفسه، لعبت دوراً في تعزيز المزاج المذكور تصريحات بايك، التي نفى فيها الوقوف ضدّ سورية، وثمّن «أفضالها على الحركة الكردية»، واعتبر أن الحلّ الأصح للمنطقة هو مصالحة بين الحكومة السورية والقوى الكردية.

  وحسبما أفادت صحيفة الأخبار اللبنانية نقلا عن مصدر مقرب مما يسمى «مجلس سورية الديمقراطية» فإن كلّ ما سبق يوطّئ سريعاً لتوجّه جديد بدأت تعمل عليه «الإدارة الذاتية»، وأكد المصدر نفسه أن «لقاءات جرت مع مسؤولين حكوميّين أخيراً، بهدف إذابة الجليد في العلاقة، والتأسيس للبدء بمحادثات جدّية وفاعلة، تفضي إلى نتائج واضحة، في ظلّ ازدياد الخطر التركي».

 ولفت المصدر إلى أن «أساس هذا التوجّه هو الإيمان بأن الملفّ السوري بات بيد روسيا بشكل شبه حصري، مع تراجع التأثير الأميركي عليه إلى حدّ كبير، والإدراك بأن أيّ حلّ للأزمة السورية يتمّ بالاتفاق مع حكومة دمشق». وأضاف أن «تصريحات القيادي جميل بايك حول المصالحة مع دمشق، التقطت فيها مسد والإدارة الذاتية إشارات إيجابية للبدء بأخذ الحوار مع الحكومة على محمل أكثر جدّية»، مشيراً إلى أن «موسكو هي الطرف الأكثر قدرة على لعب دور الوسيط والمساعد في إطلاق المحادثات». وذكّر بأن «العلاقة مع روسيا شهدت في الفترة الماضية فتوراً نسبياً»، مُرجعاً ذلك إلى أن «موسكو لم تكن إيجابية تجاه ضرورة فتح معبر اليعربية، كمنفذ للمساعدات الإنسانية لمناطق سيطرة قسد، رغم إبلاغها موافقة الإدارة الذاتية على رفع العلم السوري على معبر اليعربية، وإعادة الشرطة والجمارك السورية إليه».

يبقى تطوّر مسار التفاوض رهن الجدّية الكردية في التوصّل إلى اتفاق شامل مع الحكومة السورية

 وفي السياق نفسه، أكّد مصدر مطلع على مسار المفاوضات بين القوى الكردية وروسيا للصحيفة، أن «الإدارة الذاتية تسعى لتجميد النوايا التركية بشنّ هجمات جديدة على مناطق سيطرة قسد، عبر إجراء مفاوضات مع روسيا، لتطبيق اتفاق سوتشي»، كاشفاً أن «قسد أبدت مرونة للانسحاب لمسافة 32 كيلومترا عن الحدود التركية، وتسليم المناطق للجيش السوري، مقابل ضمانات بعدم شنّ أيّ عدوان تركي جديد على المنطقة». وترافق ذلك مع معلومات عن تسليم عدد من السياسيين الأكراد المستقلّين ورقة للجانب الروسي، تطالب كلّاً من الحكومة السورية و«مسد» بالتوصّل إلى اتفاق يجنّب المنطقة التهديدات التركية، وتدعو «الحكومة السورية إلى الاعتراف بحقوق الأكراد، وعودة مؤسّسات الدولة إلى المناطق الخاضعة لسيطرة قسد، لمنع أيّ خطر تركي جديد عليها». وتقترح الورقة «تطبيق قانون الإدارة المحلّية على مراحل، والاعتراف باللغة الكردية، ومشاركة الأكراد في الحكومة، والحصول على حقوقهم الاجتماعية والثقافية». كما تشترط «الحصول على نسبة معيّنة من عائدات النفط لتطوير مناطق الجزيرة، وخاصّة المناطق التي يقطنها الأكراد».

خاتمة  كل ما سبق لا يدعو للاطمئنان بأن هذه الزعامات العميلة التي اعتادت العمل وفق مصلحتها الشخصية، لا وفق مصالح المكون الكردي التي هي مصالح كل السوريين، قد استوعبت الدرس وقررت التخلي عن مصالحها في نهب الخيرات السورية وحرمان كل أبناء الشعب السوري منها بمن فيهم المكون الكردي وبيعها لمن تلجأ إلى الحكومة السورية لحمايتها منهم، ويبقى تطوّر مسار التفاوض رهن الجدّية الكردية في التوصّل إلى اتفاق شامل مع الحكومة السورية، لا اتفاق مرحلي لتجنّب الخطر التركي فقط. وفي هذا الإطار، يبدو أن عثرات كثيرة قد تعوّق التقدّم في المفاوضات، في حال أصرّت هذه الزعامات على مطالبها؛ التي من الطبيعي أن تلقى رفضا حكوميا مثل منح أيّ خصوصية إدارية أو سياسية لأيّ محافظة، وإن كانت قد أعلنت استعدادها لمناقشة قانون الإدارة المحلية (بصيغة اللامركزية الإدارية)، وتطبيقه على كامل جغرافيا البلاد. أو مطلب «قسد» بالاحتفاظ بخصوصيّتها العسكرية، أو رفع أيّ علم سوى العلم الرسمي للبلاد، أو إشراك أي طرف في إدارة ملفّ الثروات النفطية التي لا يجوز أن يقوم به أي طرف غير الأجهزة الحكومية السورية.

مواضيع ذات صلة

اترك تعليق