تمكن ستة أسرى فلسطينيين، فجر أمس «الاثنين»، من الهروب بواسطة نفق حفروه من داخل سجن جلبوع شديد التحصين في مدينة بيسان شمالي فلسطين المحتلة، وعلى الفور بدأت قوات الجيش والأمن الصهيونية عمليات واسعة النطاق بحثا عنهم.
وذكرت وسائل إعلام صهيونية أن من أبرز هؤلاء الأسرى، القيادي السابق في “كتائب شهداء الأقصى” التابعة لحركة فتح، زكريا الزبيدي، الذي ينحدر من مدينة جنين القريبة من السجن.
وبالإضافة إلى الزبيدي، فقد هرب 5 آخرون ينتمون إلى حركة “الجهاد الإسلامي”، وحسب المعلومات الأولية، فإن الأسرى الفلسطينيين حفروا النفق على مدى فترة طويلة.
وفور معرفة هروب الأسرى، نشرت الشرطة الإسرائيلية أسماء الفارين وصورهم لمحاولة العثور عليهم، كما استعانت بطائرات مروحية وأخرى مسيرة بحثا عن الأسرى الفارين.
ودخل على الخط أيضا الجيش الإسرائيلي الذي نشر تعزيزات أمنية كبيرة في المنطقة.
وكان أول من أبلغ عن الأسرى الفلسطينيين، المزارعين في المنطقة، الذين اعتقدوا في البداية أنهم لصوص، فسارعوا إلى إبلاغ الشرطة. إلا أنه مر وقت طويل منذ الهروب عند منتصف الليل حتى الصباح، وهناك احتمال أنهم تمكنوا من الوصول إلى مدينة جنين المحاذية التي تقع ضمن حدود الضفة الغربية.
وفيما يلي أسماء الأسرى الستة
زكريا الزبيدي: حين يكون الفرار من السجن متوارثاً «أباً عن جد»!
عام 1976، وُلِد زكريا الزبيدي، لوالدٍ كان مدرّساً للّغة الإنكليزية، قبل أن يمنعه الاحتلال الإسرائيلي من التدريس للاشتباه في عضويته في حركة «فتح» أواخر الستينيات، ليعمل بعد ذلك سبّاكاً، قبل أن يتوفى بمرض عضال. الطفل زبيدي سيتعرّف إلى أعدائه عندما تأتي مجموعة من الجنود لاعتقال والده. لعلّ مشاهد الاعتقال تلك سترسخ في عقله إلى أن يكبر ويصبح أحد أهم مؤسسي كتائب «شهداء الأقصى» في الضفة الغربية المحتلة، وقائدها في جنين إبان انتفاضة الأقصى عام 2000.
الزبيدي هو الوحيد الذي لم يسلّم سلاحه ضمن التفاهمات الأمنية الفلسطينية الإسرائيلية التي قضت بإنهاء المقاومة المسلحة لـ«فتح» عام 2005، كجزء من الخطة الاستسلامية لرئيس السلطة، محمود عباس، والذي تسلّم الرئاسة عام 2007.
ولوقت طويل طارد الاحتلال الزبيدي المتهم بالمسؤولية عن تفجير في تل أبيب أسقط قتيلاً وعشرات الجرحى، وفي خلال محاولات القبض عليه، وفي خضمّ عملية اجتياح مخيم جنين عام 2002، استشهدت والدته وشقيقه. تعرّض الزبيدي لمحاولات اغتيال عديدة كلها انتهت بالفشل، فيما هُدم بيته في المخيم ثلاث مرات.
وفي عام 2011، ألغت الحكومة الإسرائيلية قرار العفو عنه الذي كانت قد أدرجته فيه خلال التفاهمات الأمنية مع السلطة، ومنذ ذلك الحين، ظل الزبيدي على لائحة المطلوبين في إسرائيل. وفي 27 شباط 2019، اعتقل جيش الاحتلال الزبيدي من رام الله، بذريعة «عودته لنشاطه العسكري».
فجر اليوم، هرب الزبيدي من السجن تماماً مثل جده محمد الذي كان محكوماً مؤبداً، وفرّ من السجن ذاته في فترة الانتداب البريطاني على فلسطين.
يعقوب محمود قادري: إن لم تنجح في المرة الأولى… ستنجح في الثانية!
لمّا كان في سن الـ15، تعرّض يعقوب قادري (49 عاماً) للاعتقال أول مرّة بسبب مشاركته في الاحتجاجات التي عمّت المدن الفلسطينية إبان الانتفاضة الأولى. ولم يكن هذا الاعتقال إلا الأول بين أربعة اعتقالات أخرى لابن قرية بير الباشا جنوب جنين، والتي انتهت عام 2003 بسجنه.
عام 1996، لم يُكتب لعملية يعقوب الاستشهادية النجاح، بسبب اعتقاله من قبل أجهزة الأمن الفلسطينية التي كانت قد وقّعت على اتفاق أوسلو قبل عامين. لم يستسلم يعقوب الذي انضمّ إلى صفوف «سرايا القدس»، الذراع المسلّحة لـ«حركة الجهاد الإسلامي» مطلع انتفاضة الأقصى عام 2000.
وبالرغم من تعرّضه للمطاردة، نجا من الملاحقة الأمنية لسنتين، ليشارك بعد ذلك بعملية الدفاع عن مخيم جنين إبان اجتياحه في عام 2002، فيما عُرف بعملية «السور الواقي» الإسرائيلية. محاولات اغتياله كلها انتهت بالفشل، إلى حين اعتقاله في 18 تشرين الأول، عام 2003، حيث بقي أربعة أشهر تحت التعذيب، لتنتهي بمحاكمته في تاريخ 28/7/2004 ويُحكم عليه بالسجن المؤبد مرتين، و35 عاماً إضافية. أمّا التهم التي وُجهت اليه فهي «الانتماء والعضوية في سرايا القدس، وقتل مستوطن قرب مستوطنة مابودوتان الواقعة جنوب غرب جنين، والمشاركة في عمليات السرايا ضد الجيش الإسرائيلي».
يُشار إلى أنه في عام 2014 حاول يعقوب الهرب مع أسرى آخرين ولكن سلطات الاحتلال اكتشفت ذلك قبل نجاح عمليتهم.
محمود عارضة يحفر… ومخابرات العدو تسأل: «أين أخفيتم التراب؟»
«التقيت الأسير محمود العارضة قبل 5-6 سنوات. أراد حينها تقديم التماس ضد تصنيفه بما يسمى (سجاف) اختصار لثلاث كلمات عبرية معناها خطورة عالية للهرب وهو تصنيف يجلب ما يجلب معه من (معاملة خاصة) تشمل في بدايتها العزل وتستمر في منع زيارات وتفتيشات وخلافها». سألت العارضة عن سبب تصنيفه، فقال: «والله يا أستاذ مسكونا بنحفر بنفق نشرد (نهرب) من السجن ومن يومها متغلب ومش عارف أزور العيلة». هذا ما كتبه اليوم المحامي أحمد خليفة ابن مدينة أمّ الفحم في الأراضي المحتلة عام 1948، على صفحته عبر «فيسبوك»، في معرض شهادته عن محمود العارضة.
وفي شهادته أضاف خليفة أن «محمود العارضة، المصنّف كأسير خطر (ومعه كان أيضاً أيهم كمامجة إن لم تخني ذاكرتي) حفر في سنة 2014 نفقاً امتد لعدة امتار في سجن شطة الملاصق لجلبوع، استمرت عملية الحفر في حينه شهوراً وجلّ تحقيقات المخابرات معه تمحورت حول سؤال واحد: ماذا فعلتم في التراب الذي استخرجتموه من الأرض؟».
وأشار المحامي إلى أن «هذا السؤال ليس عابراً بل هو محاولة لإصلاح خلل أمني لم يكن مكتشفاً في منظومة السجن. الغرفة الواقعة في قسم مشدّد الحراسة والقسم الواقع في سجن مشدّد الحراسة والتي تتكون دوائر الحراسة فيه من أبراج وأضواء كاشفة وحراس وعدّ الأسرى عدة مرات يومياً، وعملاء للإدارة ووسائل عالية التقنية جعلت بعض الأسرى يشكون في وجود كاميرات ومايكروفونات مراقبة داخل الجدران نفسها …كلها لم تكشف عملية حفر استمرت لشهور إلا صدفة!».
فمن هو العارضة؟ تعرّض محمود (46 عاماً) من بلدة عرابة جنوب جنين، للاعتقال عام 1992 وحُكم عليه بخمسين شهراً بتهمة «المشاركة في الانتفاضة الأولى». أمضى من حكمه 41 شهراً ثم أُفرج عنه عام 1996 في إطار التفاهمات التي أعقبت «اتفاقيات أوسلو» الانهزامية. وبعد أن أمضى حوالي 8 شهور حراً أعيد اعتقاله مجدداً في العام ذاته.
حكمت محكمة الاحتلال على العارضة بالسجن المؤبد بالإضافة إلى خمسة عشر عاماً، بتهمة «الانتماء والعضوية في الجهاد الإسلامي»، والمشاركة في عمليات تابعة لـ«سرايا القدس» أدّت إلى مقتل جنود إسرائيليين. حصل على شهادة الثانوية العامة وشهادة البكالوريوس في التربية الإسلامية وهو داخل الأسر، كما ألّف عدداً من الكتب والروايات، من بينها «الرواحل» و«تأثير الفكر على الحركة الإسلامية في فلسطين»، ومؤلفات أخرى لم تخرج إلى النور بعد.
في تاريخ 11/6/2014، وعلى خلفية اكتشاف نفق في سجن شطة معدّ للهروب، عزلته سلطات السجن، فأمضى في العزل ما يزيد عن سنة، فضلاً عن حبسه الإفرادي مرات عديدة قبل ذلك. انتخب أخيراً عضواً في الهيئة القيادية العليا لأسرى الحركة في السجون، ونائباً للأمين العام للهيئة.
محمد عارضة: الفرار من المؤبّد!
في تاريخ 15/5/2021 دخل الأسير محمد قاسم عارضة (37 عاماً)، من بلدة عرابة جنوب مدينة جنين، عامه العشرين في السجن. وكان العارضة قد اعتُقل عام 2002 على خلفية ضلوعه في عمليات مقاومة قادتها حركة «الجهاد الاسلامي» خلال الانتفاضة الثانية، وحُكم عليه بالسجن الفعلي المؤبد المكرر ثلاث مرات، إضافة إلى 20 عاماً آخر.
ولد محمد في 3/9/1982، درس المرحلتين الابتدائية والإعدادية في مدارس بلدة عرابة، والتحق بمدرسة عرابة الثانوية إلا أن اعتقال السلطة الفلسطينية له حال دون حصوله على شهادة الثانوية العامة (التوجيهي) في كانون الثاني عام 2000. بعد عامين من ذلك، اعتقله جيش الاحتلال إثر الحصار المشدّد الذي ضربه حول مبنى كان يختبئ فيه في مدينة رام الله.
حصل خلال سنوات أسره على دورات عديدة في كلّ التخصصات الدينية والسياسية والثقافية، بالإضافة إلى حصوله على شهادة البكالوريوس في علم التاريخ من جامعة الأقصى، وحصل على الماجستير المهني في إدارة الأعمال (تخصص إدارة مؤسسات) من جامعة القاهرة في مصر. وهو حافظ للقرآن.
أيهم كممجي: ليس المهم أن نُعتقل… المهم أن نعرف كيف نهرب!
في 4/7/2021 دخل أيهم كممجي (35 عاماً) من قرية كفر دان غرب جنين عامه الـ16 في الأسر، وهو المحكوم بمؤبدين اثنين على خلفية خطف وقتل المستوطن، إلياهو أوشري. انضم إلى صفوف المقاومة وهو في سن الـ17 عاماً. عام 2003 اعتقلته أجهزة الأمن الفلسطينية على خلفية تخطيطه لعملية فدائية، ووضعته في سجن أريحا، ولكنه بعد عام واحد فقط نجح في الفرار من السجن، لتعتقله الاستخبارات الفلسطينية قبل أن يصبح أحد عناصرها، إلى حين اختطف مستوطناً وقتله، فأعيد اعتقاله لدى أجهزة أمن السلطة. وبعد اعتقاله حاصر الجيش الإسرائيلي مقر اعتقاله بالطائرات، واعتقله من هناك.
كان أيهم ضمن المجموعة التي اتهمها الاحتلال عام 2014 بحفر نفق ومحاولة الهروب من السجن الذي نجح في الفرار منه اليوم، وجرى تحويله إثر ذلك للعزل الانفرادي. يُشار إلى أن أيهم تنقّل في صفوف المقاومة بين حركتَي «الجهاد الإسلامي» و«فتح»، وعاد بعد اعتقاله إلى صفوف «الجهاد» داخل الأسر.
مناضل نفيعات: أصغر الفارّين!
المناضل يعقوب نفيعات هو ابن قرية يعبد جنوب غرب جنين، وهو أصغر أسرى المجموعة الهاربة، وعمره فقط 26 عاماً. قضى في الاعتقال ما مجموعه ست سنوات، وحُرر قبل أن يُعاد اعتقاله عام 2019، وهو منذ ذلك الحين محكوم إدارياً (أي من دون توجيه تهمة إليه).