تشهدها المحادثات النووية في فيينا الكثير من التباطوء والعرقلة ، فيما يرى مراقبون إيرانيون أن الأميركيين والأوروبيين يسعون إلى بناء إجماع ضدّ طهران، لإجبارها على تقديم تنازلات، والدخول في مفاوضات تتعدّى الملفّ النووي إلى بقية ملفّات المنطقة خاصة وأن الحكومة الإيرانية الجديدة تأخر إعلان صدورها عما كان مقررا في ظلّ خلافات أفيد عنها بين إبراهيم رئيسي، ونائبه الأوّل محمد مخبر، حول حقائب ترتبط بالشؤون الاقتصادية.
وهكذا بقي الوضع على حاله بعد مرورّ أسبوع على تولّي إبراهيم رئيسي الرئاسة في إيران، في ظلّ استمرار انشغال البلاد بمجموعة من الملفّات المعقّدة، بدءاً من التشكيلة الوزارية المرتقبة، مروراً بالتفشّي غير المسبوق لفيروس «كورونا»، وصولاً إلى تفاقم التوتّر الإقليمي عقب الهجوم الذي استهدف سفينة إسرائيلية، وليس انتهاءً بالمستقبل الغامض الذي يحيط بمحادثات إعادة إحياء الاتفاق النووي في فيينا. وبينما كان يُتوقّع أن يقدّم رئيسي أسماء وزرائه إلى البرلمان يوم السبت الماضي، أي بعد يومين على أدائه اليمين الدستورية، أرجأ خطوته إلى هذا الأسبوع. والسبب وراء التأجيل، وفق ما أفادت به بعض المعلومات، يتمثّل في وجود خلافات بين رئيسي ونائبه الأوّل محمد مخبر، الذي يُعدّ الشخصية المحورية في الحكومة، وذلك ربطاً ببعض الحقائب التي تُعنى بالأمور الاقتصادية. وفي انتظار ما ستحمله التشكيلة الحكومية من أسماء، يبقى أن رئيسي تسلّم مهامه في وقت تمرّ فيه إيران بأسوأ الظروف، خصوصاً من حيث تفشّي جائحة «كورونا»، حيث وصلت أعداد المصابين يومياً إلى أكثر من 40 ألفاً، فيما تخطّت أعداد الوفيات الـ500 شخص، في أرقام غير مسبوقة منذ بدء تفشّي الوباء. وتأتي هذه التطوّرات فيما تسير عملية التلقيح ضدّ «كورونا» ببطء في إيران، إلى حدّ أنّها لم تُسهم في خفض أعداد المصابين إلى الآن.
ضغوط لانتزاع تنازلات
بالتوازي مع ما تَقدّم، تَحوّلت قضية الهجوم الذي استهدف سفينة إسرائيلية في بحر العرب، نهاية تموز الماضي، إلى واحد من التحدّيات التي تواجهها إيران في مجال السياسة الخارجية، في مستهلّ عمل إدارة رئيسي. واتّهمت أميركا وبريطانيا وإسرائيل والاتحاد الأوروبي، إيران، بتنفيذ الهجوم، الأمر الذي نفته طهران، مؤكّدة أنّه مُلفّقٌ ضدّها. وجدّد وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، أوّل من أمس، في اجتماع لمجلس الأمن الدولي حول «الأمن البحري»، الحديث عن ضلوع إيران في مهاجمة سفينة «مرسر ستريت»، متوعّداً بأن «طهران لن تفلت من العقاب». وفي هذا الإطار، يرى الكثير من المراقبين في إيران أن التوتّرات الأخيرة في المنطقة، بما فيها مهاجمة السفن، تُعدّ مؤشّراً إلى الطريق المسدود الذي وصلت إليه محادثات إعادة إحياء الاتفاق النووي في فيينا، وتراجع الآمال بتسوية الخلافات بين طهران وواشنطن، في المستقبل المنظور. ويقول مصدر دبلوماسي إيراني مطّلع، لـصحيفة «الأخبار» اللبنانية، إن «التقديرات تشير إلى أن هدف أميركا وبريطانيا وأوروبا، في الفترة الحالية، ليس القيام بعمل عسكري ضدّ إيران، بل متابعة بناء نوع من الإجماع الدولي ضدّها، لإرغامها على تقديم تنازلات في المحادثات النووية». ويضيف المصدر أن «التطوّر الجديد الذي طرأ هو أن أميركا – جو بايدن اتّحدت مع أوروبا لمواجهة إيران، كما أن الحكومة الحالية في إسرائيل تسعى لمواكبة هذا التحالف».
أظهرت ستّ جولات من المفاوضات في فيينا أن واشنطن لا تزال غير جاهزة لرفع جميع العقوبات – أولويات مختلفة
تكثر التكهّنات داخل إيران وخارجها في شأن كيفية تعاطي رئيسي مع ملفّ المحادثات النووية، على اعتبار أن الرجل محسوب على «التيّار الأصولي» الذي يعارض أيّ تعامل مع الغرب. وعلى رغم أنه أعلن، في كلمة ألقاها في حفل أداء اليمين الدستورية، أنه يرحّب بأيّ خطّة دبلوماسية لرفع العقوبات عن إيران، إلّا أن ذلك لن يكون كافياً لإعادة إحياء المحادثات بسرعة، بالنظر إلى أن ثمّة عُقَداً مهمّة لا تزال تعترض هذا المسار. وتفيد الأنباء الواردة من ستّ جولات من المفاوضات، بأن الطرف الأميركي لا يزال غير جاهز لرفع جميع العقوبات التي أعيد فرضها بعد انسحاب الرئيس دونالد ترامب من الاتفاق النووي، بل هي بصدد الدفْع – من خلال الإبقاء على جزءٍ من العقوبات – نحو الحوار الأشمل الذي يتعدّى نطاق الاتفاق النووي، ليشمل القضايا الصاروخية والإقليمية، بينما تبدي إيران رفضها الخوض في غمار هكذا حوار.
في هذا الوقت، نقلت وكالة «بلومبيرغ» الأمريكية عن «مصادر مطّلعة على محادثات فيينا»، قولها إن «المسؤولين الأميركيين، وعلى خلفية عدم التوصّل إلى اتفاق خلال عدّة أشهر من المحادثات في فيينا، يقومون الآن بدراسة خياراتهم البديلة». وأضافت المصادر أن «واشنطن، وعلى الرغم من مطالبتها بالعودة السريعة إلى الاتفاق بوصفه مساراً يفضي إلى اتفاق أطول أمداً وأقوى، إلّا أنها ترغب في دراسة وتقييم الخيارات البديلة الأخرى، التي تشمل اتّخاذ خطوات مؤقّتة نحو خفض محدود للعقوبات مقابل قيام طهران بوقف معظم نشاطات التخصيب». وأشارت الوكالة إلى أن «إيران تمكّنت من إيجاد السبل الكفيلة بمواجهة العقوبات الأميركية، وهذا الأمر يحدّ من تشوّقها إلى إعادة إحياء الاتفاق النووي». من جهتها، كتبت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية «إن تقرّر التوصّل إلى اتفاق، فإن ذلك لن يحصل بهذه السهولة، بل بعد فترات طويلة من الأخذ والردّ».
وفي ظلّ كلّ ذلك، بات من الجليّ أن إدارة رئيسي تنوي، من خلال اعتماد خُطَطٍ في مجال «الاقتصاد المقاوم»، الاستفادة من المزيد من الطاقات الداخلية لتحسين الوضع الاقتصادي للبلاد، لكي يتمّ إحباط مفعول العقوبات، وفق ما يشير إليه المقرّبون من الحكومة. لذا، يبدو أنّ التعويل على المحادثات النووية كحلّ رئيس وأولوية، قد سُحِب من جدول أعمال الحكومة الإيرانية، وهو ما يشير إليه ترتيب مقاعد الضيوف الأجانب في حفل أداء رئيسي اليمين الدستورية، حيث تقدّمت مقاعد نائب الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، ورئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، إسماعيل هنية، والأمين العام لـ«الجهاد الإسلامي»، زياد النخالة، على مقعد مساعد مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، إنريكي مورا