الحديث في الاقتصاد يطول ويتشعب ويؤدي إلى منعرجات كثيرة من اقتصاد اشتراكي إلى آخر رأسمالي، إلى ثالث بين بين، إلى ما سمي في سورية في عهد الدردري والعطري اقتصاد السوق الاجتماعي، وهي تسمية عجيبة غريبة جمعت النقيضين، ولم تقدم إلاَّ تدمير الاقتصاد الذي كان مزدهرا إلى حد كبير.
لكن على ما اعتقد أن المنطقة المحيطة بسورية وخاصة العربية اقتصاداتها تتوزع على نمطين، الأول اقتصاد منتج وهو ما كان الاقتصاد السوري سائرا فيه قبل تخريب الدردري والعطري، وآخر اقتصاد خدمي أي يقوم على تقديم الخدمات بكل أنواعها بما فيها الخدمات الأمنية، وهو ما يقوم عليه الاقتصاد اللبناني والى حد كبير الأردني، وهذا النوع من الاقتصاد قد يزدهر لمدد معينة عندما تكون ظروف المنطقة المحيطة بالبلد الذي يتبناه مساعدة لوجوده وازدهاره، لكنه ينهار وبسرعة لا تصدق عندما تنعدم الحاجة إلى الخدمات التي يقدمها هذا الاقتصاد، لذلك شهدنا انهيارا مريعا للاقتصاد اللبناني في السنوات القليلة الماضية، لان الحاجة للخدمات التي كان يقدمها للغرب ولبعض العرب لم تعد قائمة، بينما وخلال سنوات الحرب الأهلية الطويلة التي كان من المفروض أن تودي بالاقتصاد لم يتأثر كثيرا، وحافظت العملة اللبنانية على قوتها إلى أن أخرجت منظمة التحرير من لبنان، وانتهت أكبر خدمة كان لبنان يقدمها من خلال وجود المقاتلين الفلسطينيين، وما يستتبع ذلك من تواجد قوى عربية ودولية أخرى بشكل استخباري ودبلوماسي وغيره، وهذا ما كان يجلب الأموال وحتى الاستثمارات، ولا اعتقد بأن الأزمة الاقتصادية المالية الحادة التي يشهدها لبنان حاليا ستجد حلا جذريا لها في المستقبل القريب.
وعلى ما اعتقد إن الاقتصاد السوري رغم الحرب وما لحق به من تشويه وتخريب قبلها ما زال قابلا للنهوض، وبمدة زمنية ليست طويلة ولربما تكون أقصر مما يتوقع، وذلك من خلال الابتعاد عن الاقتصاد الخدمي قدر الإمكان، والتوجه بشكل حاسم إلى الاقتصاد الإنتاجي، وخاصة في مجالي الزراعة والصناعة، وللزراعة أهمية فائقة بسبب الحصار المفروض على سورية، فمن خلال تحفيزها وتنشيطها يمكن التغلب على الجزء الموجع من الحصار وهو الغذاء، الذي يمكن تأمين الأغلبية الساحقة منه من خلال الإنتاج الزراعي بشقيه الحيواني والنباتي، وخاصة القمح والحبوب بشكل عام.
من هنا فإننا في سورية على ما اعتقد في ظل الظروف الصعبة الحالية لسنا مخيرين، بل مجبرون على إتباع الاقتصاد الإنتاجي، الذي هو الوحيد الذي يمكن أن ينتشل البلاد من الضائقة الاقتصادية التي تعاني منها، ويخلق فرص عمل هائلة في القطاعين الزراعي والصناعي، وهذه العمالة التي ستقبض رواتب وتضخ ما تقبضه في السوق لشراء حاجياتها ستساهم في إنعاش السوق، وهكذا تتحرك عجلة الاقتصاد، وتتسع دوائر الإنتاج وتتفرع، وعلى المدى ليس البعيد تتوفر مواد للتصدير ولجلب عملات صعبة فيتم دعم الليرة، وهذا، كله ينعكس انتعاشا لحالة المواطنين الاقتصادية، التي ستبدأ بالتعافي وفق سرعة تحرك عجلات الإنتاج.
م جهاد الحمصي