ألمح تقرير عسكري صهيوني إلى أن الخطورة تكمن على إسرائيل في حال قيام حرب على كل الجبهات المحيطة بها موضحا أن ليس لدى الجيش الصهيوني الكتلة المقاتلة التي تغطي هكذا حرب.
فقد وجّه نائب رئيس أركان جيش العدو، اللواء آيال زامير، تحذيراً مدوّياً في رسائله وأبعاده، اختار أن يطلقه علناً في كلمته الوداعية من منصبه، حيث أشار إلى أنه في “معركة متعدّدة الساحات، يحتاج الجيش الإسرائيلي إلى كتلة حرجة نوعاً وكمّاً”، مستدركاً بأن الجيش بوضعه الحالي “موجود على حافّة الحدّ الأدنى” ممّا هو مطلوب. وينطوي تحذير زامير على أكثر من رسالة تتّصل بمجموعة عناوين، بدءاً من ارتباطه بخطّة رئيس الأركان، أفيف كوخافي، الفاشلة، لبناء القوة (تنوفاه)، مروراً بكونه يأتي بعد مرور 15 عاماً على حرب عام 2006.
وتكمن خصوصية كلمة زامير في كونها صادرة عن المسؤول المباشر عن عمليات بناء القوة وتطويرها في الجيش الإسرائيلي، ما يعني أنها تُمثّل خلاصة تقييم سنوات من الخطط والبناء. وإذ انطوت الكلمة على انتقاد لرئيس الحكومة السابق، بنيامين نتنياهو، الذي سمح بتقليص حجم القوّات، فهي عكست وجود اختلاف داخل المؤسّسة العسكرية حول متطلّبات مواجهة التحدّيات الماثلة أمام إسرائيل. ففي مقابل رؤية زامير، يركّز كوخافي على تكريس التكنولوجيا في الوحدات المقاتلة، وأحياناً على حساب الكتلة التي حذّر نائبه من وصولها إلى الحدّ الأدنى. وفي ضوء هذا التباين، لفتت تقارير إسرائيلية إلى وجود مَن يرى أن بالإمكان خوض المواجهات بالاعتماد على التكنولوجيا، في حين يعتقد كثيرون أن الجيش بلغ “الخطّ الأحمر”.
تكمن خصوصية كلمة زامير في كونها صادرة عن المسؤول المباشر عن عمليات بناء القوة وتطويرها
في كلّ الأحوال، تكشف التقديرات المتداولة عن عمق حضور التطوّر في إمكانات أعداء إسرائيل، لدى الجهات والقيادات المختصّة في الكيان، وعلى رأسها نائب رئيس الأركان، بالنظر إلى أن من مهمّاته الخاصة بناء قدرات الجيش التكنولوجية والبشرية وتطويرها، علماً أن تحديد فعّالية هذه القدرات يتمّ بالقياس إلى حجم المخاطر وإمكانات “الأعداء” ومسارها التطوّري. المفارقة أن تصريحات زامير، التي يتزامن إطلاقها مع الذكرى السنوية لحرب عام 2006، تأتي بعد 15 عاماً من العمل على تطوير خطط الجهوزية، التي توالت مذّاك بدءاً من “خطّة تيفن” مروراً بـ”خطّة غدعون” وصولاً إلى “خطّة تنوفاه”، ما يؤشّر إلى نتائج سباق الجهوزية بين جيش العدو وبين قوى المقاومة، التي استطاعت أن تفرض على الكيان تحدّيات جديدة تفوق طاقته، مع ما خلّفه هذا من تأثيرات على تقديراته وخياراته وخطط جهوزيته. وليس كلام زامير عن عدم جهوزية الجيش في حرب متعدّدة الساحات، إلّا تعبيراً عن تلك الحقيقة. كذلك، لا يبدو التقدير المُعلَن أخيراً منفصلاً عن العِبَر التي استُخلصت من معركة “سيف القدس”، خاصة أن العدو لمس قدرة المقاومة في قطاع غزة على شلّ كيانه من شماله إلى جنوبه، فيما لم تنجح كلّ قدراته الجوّية والبحرية والبرّية الدقيقة في إخماد نيران الصواريخ التي بقيت تتواصل بمعدّلات متصاعدة حتى اليوم الأخير. وعلى هذه الخلفية، كثرت التساؤلات في الكيان عن أنه في مواجهة مقاومة محاصَرة منذ 15 عاماً، حصل ما حصل، فكيف سيكون الحال في حرب واسعة على جبهات متعدّدة؟
في الخلاصة، تجد قيادة العدو نفسها، في ضوء التحوّلات التي شهدتها البيئة الإقليمية، أمام وقائع ومعادلات قوّة مختلفة، تفرض عليها تبنّي مفاهيم مغايرة في قراءة التهديدات وفي تقدير نتائج أيّ مواجهات عسكرية. ويبدو أن مفاعيل هذه التحوّلات فرضت نفسها على وعي قادة الجيش، ودفعت بعضهم (زامير نموذجاً) إلى الإقرار بفشلهم في سباق الجهوزية مع محور المقاومة. ومن هنا، كانت دعوة زامير “دولة إسرائيل، بظروفها الفريدة”، إلى “الحفاظ على هامش أمن وقوة كبيرَين، إلى جانب الحاجة الحيوية إلى تحويل ومواءمة فعّالية الجيش الإسرائيلي لعهد الحروب المستقبلية. إسرائيل بحاجة إلى قدرات تكنولوجية متقدّمة، لكن إلى جانب هذا، كتلة حرجة من نَظم القوات نوعاً وكمّاً”.