دخلت المقاومة الشعبية للاحتلال الأمريكي لمناطق واسعة من شرقي الفرات مرحلة جديدة دفعت بقوات الاحتلال إلى تكثيف دورياتها، واستقدام ذخائر ومعدات عسكرية من العراق إلى الأراضي السورية المحتلة، منها وسائل دفاع جوي لاعتراض الصواريخ التي تدك القواعد العسكرية الأمريكية غير الشرعية بشكل شبه يومي، والتي امتدت مؤخرا إلى حقل كونيكو بعد أن كانت مقتصرة على حقل العمر.
وفي هذا السياق، تؤكد مصادر ميدانية تحدثت لوسائل إعلام لبنانية، أن “القواعد الأميركية تشهد إرباكاً شديداً نتيجة خشية الجنود الأميركيين من تجدّد الهجمات الصاروخية عليهم في أيّ لحظة”، لافتة إلى أن “الهجمات ولّدت ضغطاً نفسياً كبيراً على الجنود الذين يتعرّضون لأوّل مرّة لمثل هكذا هجمات منذ بدء التواجد الأميركي في سورية في عام 2015″، مضيفة أن “هذا الخوف دفعهم إلى شنّ حملات تمشيط ومداهمة لعدّة قرى محيطة بالقواعد، خشية من وجود قواعد صواريخ أو خلايا تستهدفهم انطلاقاً من هذه المناطق”. وتعتبر المصادر أن “عدم ردّ واشنطن على الهجمات يؤكد إدراكها أن أيّ هجوم جديد على الجيش السوري وحلفائه، سيلقى رداً حتمياً، ويدفع الأمور نحو تصعيد ميداني خطير”.
بدورها، ترى مصادر سياسية مطّلعة على واقع المنطقة، أن “ما يحصل يمهّد لتحوّلات سياسية وميدانية سيشهدها الملفّ السوري، تنفيذاً لاتفاقات أوّلية روسية – أميركية”، موضحة أن “نجاح التنسيق بين الطرفين في ملفّ المعابر يمهّد الطريق لإنجاز تفاهمات جديدة على الأرض، تراعي الواقع الميداني الجديد الذي فرضته الهجمات الأخيرة على القواعد الأميركية”. وتشير المصادر إلى أن “تكثيف استهداف القواعد الأميركية يهدف إلى رفع الضغط على واشنطن لدفعها إلى تخفيف الضغط الاقتصادي، والقبول بفكرة حق الدولة السورية في فرض سيادتها على أراضيها”، مُتوقّعة أن “تتّخذ واشنطن خطوات تُخفّف من مستوى العقوبات ضدّ سورية في الفترة القادمة
«قسد» تدرك أنها ستكون المتضرّر الأكبر من أيّ انسحاب أميركي
من جهتها، تدرك “قسد” أنها ستكون المتضرّر الأكبر من أيّ انسحاب أميركي من الأراضي السورية، ولذا فهي سارعت إلى الترحيب بالدعوة الروسية للحوار مع الحكومة، مع نفي فكرة وجود أيّ مقاومة شعبية للوجود الأميركي، واتهام خلايا “داعش” بالوقوف خلف الهجمات ضدّ الأميركيين. وهو ما جاء، مثلاً، على لسان مدير المركز الإعلامي لـ”قسد”، فرهاد شامي، الذي رجّح، في تصريحات إعلامية، “وقوف خلايا داعش وراء استهداف قواعد التحالف الدولي”، مشيراً إلى أن “قوّاتهم نفذت حملة تمشيط في منطقة العزبة بحثاً عن مشتبه فيهم بالوقوف وراء الحادثة”، في إشارة إلى الهجوم الصاروخي على معمل غاز كونيكو، فجر الأحد. والظاهر أن “قسد” تريد، من وراء الترويج لمسؤولية “داعش” عن العمليات الأخيرة، ضمان دعم غربي وأميركي إضافي لقوّاتها في المنطقة، وإقناع الأميركيين بالبقاء أطول فترة ممكنة لمنع أيّ تحركات جديدة للتنظيم. لكنّ استمرار عمليات الاستهداف العسكري للوجود الأميركي في سورية، مع احتمال تطويرها وتزخيمها، كل ذلك يضع شرق الفرات أمام سيناريوَين اثنين: انسحاب أميركي تدريجي من المنطقة، أو استقدام أعداد إضافية من الجنود مع تعزيزات عسكرية جديدة، لمواجهة التهديد المتنامي هناك. ووفق المؤشّرات، فإن واشنطن لا ترى حتى الآن في الملفّ السوري أولوية، وهي في صدد إعادة تشكيل سياستها في هذا البلد بما يكفل تفادي حالة الاشتباك وتقليل الخسائر إلى الحدّ الأدنى، وهو ما يجعل الفرضية الأولى الأكثر ترجيحاً، لكن من دون التمكّن من التنبّؤ بتوقيت الانسحاب وشكله.