صحيفة الرأي العام – سورية
سياسة

قمة الألغاز: بوتين يصف لقاءه مع بايدن بالبناء وبايدن: فعلت ما جئت من أجله

  من يتمعن بالمؤتمرين الصحفيين للرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأمريكي جو بايدن قمتهما منذ يومين، يشعر بأن  هناك لغزا أو قطبة مخفية، فقبل القمة بيوم واحد أعلن بوتين أن الوضع في سورية وليبيا سيكونان على رأس المواضيع التي ستبحث، بينما لم يرد ذكرهما في أي من المؤتمرين للرئيسين، وفيما أشاد بوتين بزميله بايدن لم يقدم الأخير ولو كلمة طيبة واحدة بحقه، بل دعا إلى تغيير سلوك روسيا ورئيسها، ومن كل المواضيع الساخنة في المنطقة لم يذكر سوى أقلها أهمية الآن وهو الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، وتم المرور لماما على موضوع النووي الإيراني.

 لا يمكن لعاقل أن يصدق أنه في قمة كهذه يتم تناسي الوضع في سورية، وليبيا، واليمن، والعراق، وفلسطين، والإرهاب الذي ما يزال خطره داهما على المنطقة، وباعتقادي أن عدم ذكر أي من الرئيسين لهذه المواضيع بالغة الأهمية يدل إما، على عدم الاتفاق على أي تفصيل فيها، وارتأى الجانبان إغفال ذكرها، وتركها لقمم قادمة، وإما أن ما تم الاتفاق بشأنه  خطير ومزعج لأطرافها، وفي مثل هذه الحالة يكون تلافي ذكرها أفضل للجانبين.

 في كل الأحوال فإن لا شيء يبقى سريا، وخاصة مواضيع حساسة جدا، وذات أهمية بالغة جدا كهذه المواضيع، فالمستقبل كفيل بكشف المستور، الذي ربما سيكون له أثره البالغ على مستقبل المنطقة بكاملها.

 وبالعودة إلى مجريات المؤتمرين نرى أن بوتين أعطى صورة إيجابية عن اجتماعه المباشر الأول مع نظيره الأميركي جو بايدن في جنيف ، فوصفه بأنه كان بناءً، مشيرا إلى أن الحوار كان صريحاً ومباشراً و«لم نشعر بضغط» و«لم يكن هناك ضغط من أي طرف». ووصف نظيره الأميركي بأن لديه قيماً أخلاقية عالية وهو بعكس سلفه (دونالد ترامب)، لا يناور، ويعطي إجابات واضحة.

 وأعلن بوتين عن اتفاقهما على إجراء مشاورات حول الأمن الإلكتروني، وعلى عودة سفيريهما، موضحا أن توقيت عودتهما «مسألة إجرائية بحتة».

  وأوضح بوتين، أنه اتفق مع بايدن على إجراء «مشاورات حول الأمن الإلكتروني»، في وقت يتبادل فيه البلدان التهم بارتكاب عدد كبير من الهجمات الإلكترونية. وأشار إلى أمر غير متداول في الأوساط الإعلامية، وهو أن معظم الهجمات الإلكترونية في العالم، تأتي من داخل الولايات المتحدة بشكل رئيسي، تليها كندا وبريطانيا في المرتبة الثانية والثالثة.

 وحول موضوع تبادل السجناء بين البلدين، قال بوتين، لقد «تباحثنا في الأمر، قد تكون هناك تسويات معينة»، موضحاً أن المسألة طرحها بايدن خلال القمة.

 وفي معرض ردّه على سؤال أحد الصحافيين عن اعتقال المعارض، أليكسي نافالني، وعن حقوق الإنسان في روسيا، قال بوتين: «هذا الشخص (لم يذكر اسم نافالني) كان يعلم أنه ينتهك القانون في روسيا»، وأنه هو الذي سعى إلى اعتقاله بعودته إلى روسيا، في إشارة إلى خرق نافالني شروط السجن مع وقف التنفيذ.

 وعن حقوق الإنسان، قال بوتين: «تتحدثون عن حقوق الإنسان وغوانتنامو موجود حتى الآن؟». وأكمل: «الولايات المتحدة شرّعت قانوناً لدعم الحركات السياسية في روسيا وتعتبرنا دولة عدوة، ونحن نسمي هؤلاء (المعارضين) مثلما كانت الولايات المتحدة تسمّيهم خلال الثلاثينيات عملاء أجانب». وأضاف إن واشنطن «وجّهت اتهامات لـ 400 شخص بالإرهاب المحلي فقط لمجيئهم إلى الكونغرس (غزوة الكابيتول)، فماذا كان أساس ذلك؟ لا يوجد تفسير رسمي بهذا الشأن، نتعاطف مع ما جرى في الولايات المتحدة ولن نسمح بتكراره في بلادنا».

 وأشار بوتين إلى أنّه ليس على واشنطن أن تقلق من عسكرة روسيّا للقطب الشمالي الاستراتيجي وحيث لا تخفي روسيا طموحاتها. وأضاف إنّ «قلق الطرف الأميركي من العسكرة لا أساس له… على العكس، أنا مقتنع بأنّ علينا التعاون».

بايدن فعلت ما جئت من أجله

 الإيجابية التي أظهرها بوتين لم تظهر على لسان بايدن الذي أنهى المؤتمر الصحفي بصراخ في وجه مراسلة شبكة «سي إن إن»، كايتلن كولينز محاولا إخفاء قلقه من الظهور كرئيس ضعيف، خصوصاً بعد الأصوات العديدة التي خرجت في الداخل الأميركي لتقول أنه غير مستعد لهذه المواجهة.

 وقال بايدن:«فعلت ما جئت لأفعله» مؤكدا أنه نجح في ثلاثة مجالات، هي:

 أولاً، «تحديد مجالات العمل التي يمكن لبلدينا القيام بها لتعزيز مصالحنا المشتركة وإفادة العالم أيضاً».

 ثانياً، «التواصل مباشرة، والقول بشكل مباشر، بأن الولايات المتحدة ستستجيب للإجراءات التي تضر بمصالحها الحيوية أو مصالح حلفائنا»

ثالثاً، «تحديد أولويات بلدنا وقيمنا بوضوح ولقد سمعها مني مباشرةً».

 وأعلن بايدن أنه أثار العديد من القضايا مع بوتين، وأنه حاول تغيير سلوكه مضيفا: «هذا يتعلق بالمصلحة الأميركية». وأكمل «تقريباً أي شخص يمكنني التوصل إلى اتفاق معه يؤثر على مصلحة الشعب الأميركي». ومضى قائلا: «أنا لا أقول، حسناً، أنا أثق بك، لا مشكلة. لقد تحدثنا واتفقنا على أمور، لنرى ماذا سيحدث».

 ورداً على تصريحات بوتين حول اقتحام مبنى الكابيتول، قال بايدن إن نظيره الروسي أجرى مقارنة خاطئة بين هجوم «مجرمين» على مبنى الكابيتول وبين التظاهرات السلمية في روسيا لأناس حرموا من حرية التعبير. معتبرا أن نظيره الروسي قد أجرى مقارنات «سخيفة» حول حقوق الإنسان.

 وأضاف بايدن إنه أثار مع بوتين وسيستمر في إثارة قضايا مثل زعيم المعارضة المسجون أليكسي نافالني، والمحاربين القدامى المسجونين «بشكل غير قانوني». مشيرا عدة مرات إلى أن هذا السلوك «يضعف» وضع روسيا على الساحة العالمية. موضحا أنه «لم تكن هناك تهديدات، فقط تأكيدات بسيطة تم الإدلاء بها. لم يكن هناك شيء مثل إذا فعلتم هذا سنرد هكذا، كان الأمر يتعلق فقط بإخباره أين أقف من هذا الأمر، وما اعتقد أنه يمكننا تحقيقه معاً».

 وتابع بايدن: «أنا والرئيس بوتين، نتشارك مسؤولية فريدة لإدارة العلاقة بين بلدين قويين وفخورين، وهي علاقة يجب أن تكون مستقرة ويمكن التنبؤ بها». وأضاف «يجب أن نكون قادرين على التعاون حيث يكون ذلك في مصلحتنا المشتركة. وحيث توجد اختلافات، أردت من الرئيس بوتين أن يفهم لماذا أقول ما أقوله، ولماذا أفعل ما أفعله، وكيف سنستجيب لأنواع معينة من الأعمال التي تضر بمصالح أميركا».

 وفيما يتعلق بالهجمات الإلكترونية، قال بايدن: «إنهم وافقوا على تكليف الخبراء في كلا البلدين للعمل على تفاهمات محددة حول ما هو محظور، ومتابعة حالات محددة تنشأ في دول أخرى». وأضاف: «كيف سيكون الحال إذا انخرطنا في الأنشطة (أي مواجهة روسيا بالقرصنة مثلما فعلت) التي قاموا بها؟» وتابع «هذا يضعف وضع بلد يحاول باستماتة ضمان الاحتفاظ بوضعه كقوة عالمية كبرى».

 وحول الشرق الأوسط، قال بايدن إن بوتين أثار انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان. وقال أيضاً إنهما اتفقا على أنه من مصلحة البلدين عدم السماح لإيران بامتلاك أسلحة نووية.

 عملياً، يعتبر الرئيس الأميركي أن مجرد لقائه بنظيره الروسي «وجهاً لوجه» كافٍ للإعلان عن نجاح اللقاء. لكن قلقه من أن يظهر على أنه وثق به وبما اتفق معه عليه، جعله ينفعل من سؤال الصحفية كولينز، التي قالت له:«لماذا تبدو واثقاً من أنك استطعت تغيير سلوك الرئيس الروسي؟» وهنا استشاط غضباً، وقال:«ما الذي تفعلينه طيلة الوقت بحق الجحيم، متى قلت إني واثق؟ لقد قلت إذا لم يغيّر سلوكه هذا سيضعف وضع روسيا على الساحة العالمية». وهنا عادت كولينز وسألت «لكن بالعودة إلى تصرفاته السابقة، التي لم تتغير، وكيف نفى ضلوع روسيا بالقرصنة وكيف تلاعب بقضية حقوق الإنسان وعدم ذكره لاسم نفالني، كيف لك أن تقول أن هذا اللقاء كان مثمراً؟»، وهنا قال بايدن «إذا لم تفهمي ذلك، فأنت في الوظيفة الخاطئة».

الروبل يرتفع بعد القمة

 وكان من النتائج الإيجابية لهذه القمة أن العملة الروسية ارتفعت أمام الدولار واليورو، أمس، فقد  كشفت البيانات التجارية أن الروبل الروسي أظهر زيادة طفيفة في قيمته مقابل الدولار الأميركي واليورو بعد انتهاء القمة.

 وذكرت وكالة أنباء «تاس» الروسية أن الدولار بلغت قيمته 71.64 روبل روسي انخفاضا من 71.97 روبل، أما قيمة اليورو فقد انخفضت إلى 8 ر 86 من 87.2 للروبل.

مواضيع ذات صلة

اترك تعليق