أثارت المحكمة الجنائية الدولية أمس “الخميس” موجة من ردود الأفعال المتضاربة على أوامرها باعتقال رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع الصهيوني السابق يوآف غالانت ومحمد دياب إبراهيم المصري، الشهير باسم محمد الضيف، القيادي بحركة (حماس) بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، فكانت الردود الأمريكية معارضة للأوامر بينما مالت أوروبا إلى تأييد بدرجات مختلفة.
وحسب رويترز ذكر القضاة في قرار إصدار أوامر الاعتقال أن هناك أسبابا كافية للاعتقاد بأن نتنياهو وغالانت مسؤولان جنائيا عن ممارسات تشمل القتل والاضطهاد واستخدام التجويع سلاحا في الحرب في إطار “هجوم واسع وممنهج ضد السكان المدنيين في غزة”.
وأضاف القضاة أن هناك أيضا أسبابا كافية للاعتقاد بأن الحصار المفروض على غزة ونقص الغذاء والمياه والكهرباء والوقود والإمدادات الطبية “أوجد ظروفا معيشية مصممة لإحداث تدمير بجزء من السكان المدنيين في غزة، مما أسفر عن وفاة مدنيين، من بينهم الأطفال، بسبب سوء التغذية والجفاف”.
وقوبل القرار بغضب في الكيان الصهيوني الذي وصفه بأنه مخز وسخيف. وأعرب سكان غزة عن أملهم في أن تساعد الخطوة في إنهاء العنف وتقديم المسؤولين عن جرائم الحرب إلى العدالة. ورحبت حماس بمذكرات الاعتقال ضد نتنياهو وغالانت، وقال مسؤول كبير لرويترز إنها خطوة على طريق العدالة.
ويتضمن أمر اعتقال محمد المصري تهما تتعلق بالقتل الجماعي في هجوم حماس على مستوطنات دا في السابع من أكتوبر تشرين الأول 2023 فضلا عن اتهامات بالاغتصاب واحتجاز رهائن.
وقال الكيان الصهيوني إن قواته قتلت المصري في غارة جوية في شهر تموز الماضس، إلا أن حماس لم تؤكد أو تنف مقتله. وأشار الادعاء إلى أنه سيواصل جمع المعلومات فيما يتعلق بأنباء وفاته.
والولايات المتحدة، الداعم الدبلوماسي الرئيسي للكيان، ليست عضوا في المحكمة الجنائية الدولية أيضا. وقالت إنها «ترفض بشكل قاطع قرار المحكمة إصدار مذكرات اعتقال بحق مسؤولين إسرائيليين كبار».
وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض «لا نزال قلقين بشدة بسبب إسراع المدعي العام لإصدار مذكرات اعتقال وبسبب أخطاء العملية المثيرة للقلاقل التي أدت إلى هذا القرار»، مضيفا أن واشنطن تبحث الخطوات المقبلة مع شركائها.
ولم توقع روسيا والصين والهند على الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية، وهي المحكمة الدائمة لجرائم الحرب في العالم، والتي يدعمها كل من الاتحاد الأوروبي وأستراليا وكندا وبريطانيا والبرازيل واليابان وعشرات الدول الأفريقية ودول من أمريكا اللاتينية.
ولا تملك المحكمة قوة شرطة خاصة بها لتنفيذ أوامر الاعتقال وتعتمد في ذلك على الدول الأعضاء البالغ عددهم 124 دولة، إلا أن المحكمة ليس لديها سوى وسائل دبلوماسية محدودة لإجبار أعضائها على تنفيذ القرارات إذا لم يكونوا يرغبون في ذلك.
قبول أوروبي بالقرار… وتعهد بالتنفيذ | «شعلة المساءلة» تغضب أميركا: لا لمعاقبة “إسرائيل”
من تظاهرة أمام مكاتب فرع السفارة الأميركية في تل أبيب تطالب بوقف الإبادة في غزة (أ ف ب)
وقد جاء إعلان «المحكمة الجنائية الدولية» إصدار أمرَي توقيف بحقّ نتنياهو، وغالانت، بشبهة ارتكابهما جرائم حرب، من بينها استخدام التجويع كسلاح ضد الفلسطينيين،بعد ساعات من عرقلة الولايات المتحدة إصدار قرار في «مجلس الأمن الدولي» يدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة، ليعاكس قرار المحكمة أهواء الحلف الأميركي – الصهيوني. ولاقى هذا الإعلان ترحيب الأمم المتحدة، التي شددت، على لسان المقررة الأممية المعنية بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، فرانشيسكا ألبانيز، على ضرورة «العمل معاً لدعم قرار المحكمة الجنائية الدولية بخصوص مذكرتَي الاعتقال، والحفاظ على شعلة المساءلة مشتعلة»، مع العلم أن القرار سبقته تهديدات وضغوط تعرّض لها المدعي العام للمحكمة، كريم خان، من قبل واشنطن وتل أبيب وبعض العواصم الأوروبية، بسبب طلبه من قضاة «الجنائية الدولية»، بدءاً من شهر أيار الفائت، استكمال إجراءات ملاحقة الرجلين، على خلفية عدة اتهامات، من بينها ارتكاب «جرائم ضد الإنسانية» في غزة.
وعلى غرار مواقف كل من مسؤولي حكومة نتنياهو، ومعارضيها على حد سواء، الذين تخندقوا في موقع التنديد بما صدر عن «الجنائية الدولية»، برزت المواقف المعارضة للقرار في الولايات المتحدة، سواء عن الإدارة الديموقراطية المنتهية ولايتها، أو عن أبرز وجوه الجمهوريين المتأهبين للإمساك بزمام البيت الأبيض والكونغرس بمجلسَيه، خلال الشهرين المقبلين. إذ فور شيوع الأنباء عن صدور الأوامر، سارع الرئيس الأميركي، جو بايدن، إلى انتقاد المحكمة، مجدّداً دعمه لما وصفه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها». كذلك، نقلت وسائل إعلام أميركية عن متحدث باسم مجلس الأمن القومي، تأكيده عدم اعتراف واشنطن باختصاص المحكمة، بينما توعّد مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، مايكل والتز، بـ«رد قوي» على ما سمّاه «تحيّز الجنائية الدولية المعادي للسامية»، بحلول موعد تسلّم الرئيس الفائز لمنصبه، في كانون الثاني المقبل. ورأى والتز أن المحكمة لا تتمتع بأي مصداقية، زاعماً أن “إسرائيل” «دافعت بشكل قانوني عن شعبها وحدودها ضد الإرهابيين». بدوره، وصف السيناتور الجمهوري، ليندسي غراهام، إعلان المحكمة بـ«المزحة الخطيرة»، معتبراً أنّه «حان الوقت الآن لمجلس الشيوخ الأميركي للتحرك ومعاقبة هذه الهيئة غير المسؤولة».
ورفض «البنتاغون» أوامر الاعتقال، قائلاً أنه «ليس لدينا تقييم قانونى حول الإجراءات “الإسرائيلية” فى غزة، لكننا نرفض قرار الجنائية الدولية». وعلى المنوال نفسه، أعلن المتحدث باسم «البيت الأبيض»، جون كيربي، رفض بلاده للقرار، معرباً، في تصريحات صحافية، عن «القلق» إزاء ما سمّاه «اندفاع المدعي العام للمحكمة إلى إصدار أوامر اعتقال، وإزاء الأخطاء الإجرائية التي أدت إلى القرار». وأضاف أن «الولايات المتحدة كانت واضحة بأن المحكمة الجنائية الدولية ليست لها ولاية قضائية على هذه المسألة، ونحن نناقش الخطوات التالية بالتنسيق مع الشركاء، بما في ذلك إسرائيل».
المواقف الأوروية تبتعد عن مواقف واشنطن وتجنح لتأييد قرار المحكمة
لكن موقف حلفاء واشنطن الأوروبيين بدا أكثر توازناً نسبياً، وهو ما عزّز الإشارات حول عزلة الموقف الأميركي، على خلفية انحيازه الصارخ للكيان الصهيوني، ودعمه المستمر لحربه على غزة. فقد أشار المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية، كريستوف لوموان، إلى أنّ ردّ فعل بلاده على تلك الأوامر سيكون متوافقاً مع مبادئ المحكمة، من دون أن يوضح ما إذا كانت باريس ستعتقل نتنياهو إذا ما وطئ أراضيها، بدعوى أنّ الإجابة عن هذا السؤال «معقّدة» من الناحية القانونية، فيما قال نائب رئيس المفوضية الأوروبية، جوزيب بوريل، إن أحكام «المحكمة الجنائية الدولية» ليست سياسية ويجب تنفيذها.
ومن بين المواقف الأوروبية الأكثر انسجاماً مع ما أدلى به بوريل، ما صدر عن كل من بروكسل وأمستردام وروما، إذ شددت نائبة رئيس الحكومة البلجيكية، بيترا دي سوتر، عبر حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي، على أنّه «يتعين على أوروبا أن تمتثل (لمضمون مذكرتَي الاعتقال)، وتفرض عقوبات اقتصادية، وأن تعلّق اتفاقية الشراكة مع إسرائيل»، مضيفة أن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية لا يمكن أن تمرّ من دون عقاب.أما وزير الخارجية الهولندي، كاسبار فيلدكامب، فأكد «(أننا) سنعتقل رئيس الوزراء “الإسرائيلي”، بنيامين نتنياهو، عند مجيئه إلى هولندا»، وأن بلاده «لن تجري بعد الآن اتصالات غير ضرورية مع نتنياهو. ومن جهته، قال وزير الخارجية الإيطالي، أنطونيو تاجاني، إن بلاده ستدرس مع حلفائها كيفية تفسير القرار، معرباً عن دعم بلاده لإجراءات المحكمة التي ينبغي «أن تلعب دوراً قانونياً لا سياسياً». واتفق موقف كل من السويد والنرويج على أنهما ملزمتان بالتعاون مع «الجنائية الدولية» بموجب «نظام روما»، وبالتالي سيتعيّن عليهما تنفيذ أمر الاعتقال. وأكدت وزيرة خارجية السويد، ماريا مالمر ستنيرجارد، أن أوامر الاعتقال «قرار مستقل» للمحكمة، لافتة إلى دعم بلادها «مع الاتحاد الأوروبي العمل المهم للجنائية الدولية، وحماية استقلاليتها ونزاهتها».