عقد سياسية وعسكرية تدفع الوسطاء إلى البحث عن «حلول إبداعية» العدو يسعى لادارة عميلة له في غزة

العدو يبدأ تسليح مجموعات فلسطينية مهمتها العلنية إدارة المساعدات وهدفها اقتتال أهلي داخل غزة

يرى عدد من المراقبين السياسيين أنه عملياً، وكما يقول الرواة عن وقائع مفاوضات وقف اطلاق النار في غزة، إنه في ظل «عدم توفر مؤشرات إلى استعداد أي من الطرفين لتقديم تنازلات كبرى، فإن الأعين تتجه مرة جديدة نحو الميدان، لكن المفارقة هي أن الميدان نفسه، يواجه عقدة من نوع مختلف. وهي عقدة التوازن العسكري القائم، حيث لم ينجح الكيان الصهيوني في كسر المقاومة. بينما لا تقدر المقاومة على كسر إرادة الحرب عنده ». وعند هذه النقطة، يُنقل عن أحد الوسطاء البارزين قوله: «قد يكون الأفضل لنا جميعاً، أن نجمّد البحث لبعض الوقت، حتى لا تكون نتيجة الاستمرار بالتفاوض سلبية».

اليوم التالي

وحسب تقارير صحفية عربية يجمع الوسطاء على وصف مواقف الطرفين بالـ«المتصلبة»، ومع وجود تباين في تقييم مواقف كل طرف، إلا أن الوسطاء، يظهرون رغبة في تحميل طرفي النزاع المسؤولية عن عدم حصول تقدم، علماً أن المصريين والقطريين، قالوا أكثر من مرة للجانب الأميركي، بأن حماس «أظهرت مرونة واضحة مقابل تصلب إضافي من جانب إسرائيل». لكن الجميع، يتفق على خلاصة أولية، تقول بأن الصفقة قد لا تتم من دون إطلاق النقاش حول اليوم التالي. وقد وافق الجانب الأميركي الوسيطين المصري والقطري، على أنه يجب إقناع “إسرائيل” بالدخول في هذا البحث، مع خطوة إضافية قامت بها قطر، إذ أبلغت إلى الجانبين المصري والأميركي، بأنها «حصلت على تقييم مشترك من جانب حركة حماس وحزب الله أيضاً، بأن نتنياهو لا يريد إقرار الصفقة، لأنه لا يملك أي قدرة على التحكم باليوم التالي. وهذا ما يجعلنا أكثر خشية من تصاعد التوتر على الجبهة اللبنانية، وأن هناك أرضية واقعية لاحتمال توسع الحرب صوب لبنان».

قطر ومصر تحاولان إقناع أميركا: لنفتح البحث حول «اليوم التالي» كضمانة لاستمرار وقف إطلاق النار

يلجأ العاملون في عالم الوساطات، إلى مصطلح «الحل الإبداعي»، في كل مرة تصل فيه المفاوضات إلى طريق مسدود. وفي حالة غزة، يجد الوسطاء أنفسهم أمام تحدي «الحل الإبداعي». ويقول أحدهم: «كل ما نقوم به الآن، هو محاولة صياغة عبارات أو استخدام مصطلحات بطريقة تساعدنا على الاحتيال على الوقائع، بغية كسر الجمود القائم، وأن الحل الإبداعي يحتاج إلى مصطلحات وعبارات إبداعية أيضاً». لكن الوسيط إياه يستدرك قائلاً: «ومع ذلك، فإن الوصول إلى اتفاق على قاعدة «المصطلحات الإبداعية» لا يكفي، لأن غياب التفاهم على اليوم التالي، يعرّض أي اتفاق لانتكاسة تدمره فوراً، وتوسع الهوة بين الطرفين، وتصعّب مهمة الوسطاء في أي محاولة جديدة. ولذلك يجب فهم، أن تردد الوسطاء الذي يظهر في بعض الأحيان، سببه الخشية من الذهاب نحو «اتفاق بأي ثمن» ثم يكون الانهيار الذي لا يمكن لأحد بعده ضبطه».
ويوافق مصدر فلسطيني على أن سؤال «اليوم التالي» بات مطروحاً بقوة. لكنه يحذر من أن مناقشته وفق الأولويات الإسرائيلية تعني المراوحة، حتى في ملف المساعدات وإدارتها، ولو أظهرت استعدادها لتقديم تنازلات في هذا العنوان، إلا أنها تفعل ذلك، وهي تعرف أنه لا توجد جهوزية لوجستية عند أي جهة لإدارة عملية بهذا الحجم. وفي حال تعثر ملف المساعدات، من شأنه تعريض أي اتفاق لوقف إطلاق النار لخطر الانهيار السريع، لأن المساعدات ملف أساسي عند حماس».
وفي هذا الجانب، قد يكون الوسيط المصري هو الأكثر حماسة للبحث في ملف «اليوم التالي»، وبحسب مقاربة مصر، التي لا يرفضها بقية الوسطاء، فإن «أي اتفاق على وقف لإطلاق النار، يحتاج إلى تسوية سياسية حتى يتحول إلى مستوى وقف كامل للحرب». ويقول إن «الولايات المتحدة تركز على صورة حماس ودورها في اليوم التالي، وترى أنه عنوان أساسي في أي بحث جدي، برغم وجود الكثير من الأفكار حول كيفية العودة التدريجية للحياة في غزة. لكن المهم، معرفة موقف حماس، من خطط تتعلق بتفعيل عمل الشرطة المحلية، وتشغيل خدمات الكهرباء والمياه وفتح الطرقات». وفي هذه النقطة، تبدو الولايات المتحدة «غير مقتنعة بعد» في إقناع “إسرائيل” بالدخول في بحث «اليوم التالي». وهو ما جعل كلاً من قطر ومصر تطرحان السؤال بطريقة مختلفة: أي حكومة يمكن أن تقبل بها “إسرائيل” ولا ترفضها حماس؟
يبدو من كواليس المفاوضات، أن هذا العنوان بات «المخرج الوحيد لجسر الهوة بين الطرفين. ويقر الوسطاء، بأن مرونة وانفتاح حماس، يقابلهما تصلب صهيوني. وتفسير الوسطاء، أن نتنياهو لا يعرض صراحة تصوره لحكومة ما بعد الحرب، لكنه يريد جماعة تخضع “لإسرائيل”!».

وقد يُصدم كثيرون، عندما يعلمون، أن الوسطاء الثلاثة في ملف المفاوضات حول غزة، أي الولايات المتحدة ومصر وقطر، لم يُصدموا بالمجزرة التي ارتكبها جيش العدو يوم السبت في مواصي خان يونس. صحيح، أنه لا يمكن الحديث عن تقديرات أو توقعات أو معلومات، لكن هذه الأطراف، كانت وصلت إلى قناعة، بأن المفاوضات دخلت عنق الزجاجة من جديد، وهم يتصارحون، بأن رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو لا يريد تقديم تنازل جدي، وهم استنتجوا – بل ربما أكثر من ذلك – أن جيش الاحتلال، وعد رئيس حكومته بتحقيق «إنجاز نوعي» يسمح بإحداث اختراق في المفاوضات. وعند هذه النقطة، يقوم تمايز جدي بين الأطراف الثلاثة، إذ إن الولايات المتحدة كانت تنتظر عملاً عسكرياً – أمنياً كبيراً (بحجم اغتيال محمد الضيف) ليس لأجل أن يعلن نتنياهو «النصر ويوقف إطلاق النار»، بل لأجل أن تضطر حركة حماس إلى تقديم تنازلات بشأن مطلبها الرئيسي بإنهاء الحرب وانسحاب قوات الاحتلال. أما الجانب المصري، فهو وإن كان أقرب إلى الأميركيين في الموقف من حماس، إلا أن القاهرة كانت تتوقع أن يتم استخدام أي «إنجاز عسكري إسرائيلي» في غزة، لأجل فتح الباب أمام «فرصة لحل واقعي»، بينما كان القطريون، أقرب إلى «العقل البارد» الذي يفترض أن كسر التوازن العسكري القائم على الأرض، من شأنه دفع أحد الطرفين، أو الاثنين معاً، إلى مغادرة المربع الحالي للمواقف المانعة لعقد صفقة.هذا من جانب الوسطاء، لكن من جانب المقاومة وإسرائيل، فإن الصورة والمنطلقات مختلفة تماماً. بمعنى، أن المقاومة تعرف حقيقة ما يجري على الأرض. هي تعرف تفصيلياً حجم ونوع وقساوة المواجهة. وهي تعرف حجم التضحيات التي تُقدم على مستوى المقاومين أو المواطنين، لكنها تعرف أيضاً، أن العدو، ليس في موقع القادر على ادّعاء الانتصار، وأنه في وضع «الطرف المتوتر» الذي يظهر استعداداً لارتكاب المزيد من المجازر، لكنه ليس في موقع القادر على منع المقاومة من إيلامه. وبالتالي، فإن المقاومة التي تتحسّب لعمليات كالتي جرت السبت، تعرف أن المعركة قائمة، وأنها برغم سعيها الجدي إلى عقد صفقة توقف الحرب، إلا أنها لا ترى، مطلقاً، ما يُفرض عليها. أما بالنسبة إلى قيادة العدو، والمشترك الذي يجمع نتنياهو بقادته الأمنيين والعسكريين، فهو السعي إلى انتزاع أي إنجاز، من أجل القول بأن الحرب تحقق أهدافها، ومن أجل القول بأن الضغط العسكري يثمر نتائج في المفاوضات.

الوضع حتى صباح السبت


لكن، من المفيد مراجعة واقع المفاوضات خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، وكيف كانت الصورة عليه حتى صباح السبت الماضي، عندما دخل الجميع في مرحلة جديدة. صحيح أن المفاوضات لم ولن تتوقف، لكنها ستكون أمام اختبار البقاء من دون خرق لفترة طويلة، أو الانهيار الكلي. أما توقع خروقات نوعية، فبات رهن ما يمكن للإدارة الأميركية أن تحصل عليه من حكومة “إسرائيل”، وهو ما لا يبدو أنه في متناول اليد.
في هذا الإطار نسبت صحيفة «الأخبار» اللبنانية إلى ثلاث جهات معنية بالمفاوضات الجارية حول غزة، آراء وأمكن بناءً على تفاصيل كثيرة، تقديم العرض التالي، حول ما حصل، وحول ما يفكر به الوسطاء وما تفكر به المقاومة، وما هو متوقّع من قبل قيادة العدو.
يبدو أن الجميع بات يقر، بأن العملية العسكرية الصهيونية لم تحقق هدفها في كسر ظهر المقاومة، بل هناك إجماع عند كل من له علاقة بالملف، أن المقاومة ، لم تخسر المعركة العسكرية، بل إن كل الوقائع والمعطيات المجمّعة لدى حكومة وأجهزة استخبارات عالمية وإقليمية، تقول بأن الوضع العسكري لها جيد ومتماسك، وآيل إلى التكيف أكثر مع متطلبات المرحلة. كما يجمع هؤلاء، على أن شعبية المقاومة التي كانت قد تضررت كثيراً في السنوات السابقة، عادت لتظهر على شكل التفاف أكبر من الجمهور، خصوصاً بعدما دفع الغزيون الثمن الكبير حتى الآن، وحيث ينعكس الأمر، تصلباً أكبر لدى شريحة كبيرة من الجمهور التي لا تريد للحرب أن تنتهي بمشهد يريده العدو. ويقر الجميع بأن قدرة المقاومة على إعادة تنظيم أوضاع تشكيلاتها المدنية عالية جداً، وأظهرت مرونة عالية في العمل، و”إسرائيل” هي أول من يقول، بأنه في حال وقف إطلاق النار، فإن قدرة حماس على إعادة الإمساك بمفاصل الإدارة المدنية، عالية جداً.
وبناءً على ذلك، براهن لكيان بقوة على تعب الناس. وهو يعتقد أن الحرب قاسية، وأن الجمهور وإن أطلق خطاباً مرتفع السقف، لكنه جمهور يريد وقف الحرب. ولذلك، فإن العدو، يلجأ صراحة، وجهاراً إلى ابتزاز سكان القطاع عبر ملف المساعدات، والقول لأبناء غزة، بأن الدعم الإنساني لن يعرف طريقاً إليهم في حال ظلوا يساعدون حماس. وقد كثّفت أجهزة استخبارات العدو، بالتعاون مع فريق «منسق أنشطة الاحتلال» غسان عليان، من الجهود لإقناع شخصيات وعائلات غزية بالتعاون من باب المساعدات الإنسانية. ويبدو أنه بات بالإمكان الحديث، عن حصول «أمور مريبة» في هذا الجانب، حيث عمدت قوات الاحتلال، في بعض مناطق شمال القطاع، إلى عقد اجتماعات (بالواسطة) مع عدد من الأفراد، وزودتهم حتى بالسلاح لمواجهة أي قمع يمكن أن يتعرضوا له من قبل حماس. ومع ذلك، فإن الأميركيين الذين تم إطلاعهم على هذه الخطوات، قالوا في اجتماعات القاهرة، إنهم لا يعتقدون بأن هذه المجموعات قادرة على القيام بانتفاضة جدية ضد حماس، بل إن ضباط المخابرات العامة في مصر، قالوا، بأن هذه المجموعات يمكن لها أن تختفي في دقائق لو قررت حماس التخلص منها. ومن الخطأ المراهنة على هذا الخيار، وأن “إسرائيل” تخطئ في قراءة تصرفات حماس حيال هؤلاء، فهي تتجاهل أن الحركة، ليست في وارد الدخول في صدام مع أحد الآن. وهي لن تعرقل إمكانية حصول الناس على أي مساعدات. لكنّ المصريين كانوا حاسمين بأن حماس لن تقبل بأن يفرض الاحتلال سلطة بديلة، أو أن يشرّع وجود مجموعات تعمل بإمرته أو حتى بالتنسيق معه.
وبحسب مصادر فلسطينية في رام الله، فإن ضباط الاحتلال، ينسقون علناً مع أجهزة الأمن الفلسطينية، من أجل «خلق دائرة اتصال واسعة مع عائلات غزية بعينها، ومع رجال أعمال وشركات محلية»، وأن الهدف، هو «تشكيل نواة لسلطة بديلة». وهو أمر تعززه معطيات لدى الجهات المعنية، بأن العدو يمعن في إضعاف مؤسسات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، لأجل حصر ملف المساعدات بالجماعات التابعة له وبسلطة رام الله. وكل هذه التطورات، تجعل الوسطاء في «خشية كبيرة، من أن تدبّ الفوضى العارمة في القطاع، وأن ينجح الاحتلال في افتعال صدامات أهلية داخل القطاع».

واشنطن سلّمت بفشل الكيان في كسر المقاومة عسكرياً لكنها تطالب بتعطيلها سياسياً وتسريح هيئاتها المدنية

وتشير الرواية المجمعة، إلى أن هذا العنصر يُعتبر أساسياً في هذه اللحظة، كون الوسطاء باتوا على قناعة بأنه ليس هناك من تغيير حقيقي في جوهر مواقف الطرفين: الكيان يريد حلاً يسمح لها بتفكيك حماس عسكرياً وسياسياً وحتى مدنياً. ويريد أن يفرض صفقة يُطلق من خلالها سراح أسراه مقابل ثمن يقرره هو. وفي المقابل، تريد حماس وقفاً دائماً وواضحاً لإطلاق النار، مع انسحاب لكل قوات الاحتلال. وتصر حماس أيضاً على وضع ملف المساعدات كعنوان ثانٍ، أما تبادل الأسرى فهو في المرتبة الأخيرة. وكل الوسطاء يعرفون أن «حماس» لن تقبل بتبادل الأسرى ما لم تحصل على وقف دائم للحرب وإدخال المساعدات وبدء الإعمار.

Related posts

الجنائية الدولية تصدر أوامر اعتقال بحق نتنياهو وغالانت وقيادي بحماس وردود أفعال واسعة عليها

الجبهة الطلابية الأمريكية مستمرّة في مظاهرات استنكار مجازر غزة

استشهاد 66 فلسطينياً وإصابة مائة آخرين بجراح في مجزرة جديدة للاحتلال الصهيوني في جباليا