(الخارجية الأميركية)
تم الكشف مؤخرا عن عقد اجتماع رسمي في الرياض، على هامش أعمال «المنتدى الاقتصادي العالمي»، في 29/4/2024، بين وزراء خارجية وممثلين عن «السداسية العربية» (السعودية والأردن ومصر والإمارات وقطر والسلطة الفلسطينية)، ووزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن. كان محوره، بحسب إعلانات تلك الدول، بحث مسألة «اليوم التالي» للحرب على غزة، ومحاولة التوصّل إلى رؤية موحّدة حول مستقبل القطاع.
وكانت سبقت ذلك الاجتماع، عدة لقاءات واتصالات بين دول السداسية العربية، قادت جزءاً كبيراً منها القاهرة، للتوصّل إلى «رؤية عربية» موحّدة، ومن ثم عرضها على الأميركيين. وبحسب وثيقة حصلت عليها صحيفة «الأخبار» اللبنانية، فإن الرؤية التي تمّ الاتفاق عليها مع بلينكن، تنقسم إلى مرحلتين، لن يكون ممكناً تحقيق أهداف ثانيتهما، من دون تحقّق أهداف الأولى. ووفق الوثيقة، فإن المرحلة الأولى تنص على:
1) الحاجة الملحّة إلى وقف إطلاق النار في غزة.
2) تحقيق متطلّبات الاعتراف الدولي بدولة فلسطين.
3) قبول إسرائيل بعودة السلطة الفلسطينية إلى غزة.
4) إطلاق سراح الرهائن، وإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين بتسهيل من الإدارة الأميركية (صفقة تبادل).
5) تشكيل حكومة إصلاحية للسلطة الفلسطينية (تكنوقراط)، إلى جانب «لجنة تكنوقراط» لإعادة إعمار غزة بتفويض عربي.
ِتنشغل الولايات المتحدة، ومعها بعض الدول العربية الحليفة لها، بما بات يُعرف بمسألة «اليوم التالي» للحرب الصهيونية المستمرة منذ نحو 8 أشهر على قطاع غزة. ومنذ بداية الحرب، حذّرت واشنطن، حلفاءها في تل أبيب، من السير في حرب بلا أهداف وخطة سياسية واضحة لما بعد انتهاء الأعمال العسكرية؛ إذ يعتقد الأميركيون، انطلاقاً من تجاربهم الخاصة، من فييتنام إلى أفغانستان والعراق، أن الحروب التي يكون هدفها الاحتلال والسيطرة فقط، من دون إيجاد بدائل سياسية وتطوير سبل لإنجاحها وتثبيتها، ستتحول إلى معارك استنزاف طويلة ضدّ «مجموعات مسلّحة محلّية»، ولن تنتهي سوى بأثمان باهظة، وهزيمة مدوّية للمحتلّ. كما لا يزال الأميركيون عند رأيهم، بل يبدون أكثر تشبّثاً واقتناعاً به، مع انقضاء كل هذه الأشهر من عمر الحرب، وفشل العدو الصهيوني في تحقيق أي هدف من أهدافها المعلنة، فضلاً عن تعاظم الأثمان السياسية بالنسبة إلى الرئيس الأميركي، جو بايدن، بشكل خاص، والأضرار التي يمكن أن تلحق بالمصالح الأميركية في المنطقة في حال توسّع الحرب إلى جبهات أخرى، علماً أن احتمالات التوسّع تزداد يوماً بعد آخر، بإرادة الأطراف أو من دونها.
تتضمّن الرؤية العربية – الأميركية حلّ «القسّام» ودمج عناصره ضمن موظّفي السلطة في القطاع
أما بالنسبة إلى أهداف المرحلة الثانية، فهي التي تهمّ الأميركيين بشكل خاص، والتي تتساوق مع رؤيتهم المعلنة لـ«الحل السياسي» للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي. كما أن فيها ما كان يسعى الأميركيون إلى تحقيقه قبل الحرب، ولا يزالون يصرّون عليه، وإن باتت أثمانه أكبر وتعقيداته أصعب، وهو اتفاقية التطبيع بين دولة الاحتلال والسعودية. وترى الإدارة الأميركية الحالية، أن إنهاء الحرب وتحقيق اتفاق تطبيع سيكونان بمثابة مكسب استراتيجي لواشنطن، وذخر انتخابيّ كبير، هو أمسّ ما يحتاج إليه بايدن في حملته الانتخابية. كذلك، حاولت الإدارة، خلال المرحلة الماضية، إقناع الحكومة الصهيونية بأن تطبيعاً مع السعودية سيكون «جائزة ترضية» مناسبة لها، مقابل فشلها في تحقيق أهداف الحرب، وهو ما سيتيح لها تحمّل عبء الهزيمة أمام الجمهور. وبالتالي، قامت المرحلة الثانية على أساسين – يُفترض أنهما متلازمان -، هما إطلاق عملية التطبيع، وتفعيل مسار المفاوضات في إطار «حلّ الدولتين». وبحسب الوثيقة، فإن أهداف المرحلة الثانية، هي:
1) إطلاق عملية السلام بما في ذلك (التطبيع) مع السعودية.
2) إعادة تأهيل وإعمار غزة.
3) العودة إلى مفاوضات الوضع النهائي (قضايا الوضع النهائي وهي: اللاجئون، القدس، المستوطنات والدولة).
4) تنشيط «منظمة التحرير الفلسطينية» والمصالحة الفلسطينية الداخلية، بما في ذلك نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج ودمج «حماس».
وبالنسبة إلى البند الرابع والأخير في المرحلة الثانية، فهو يقضي بشكل واضح لا لبس فيه، بوجوب حلّ حركة «حماس»، بجناحيها السياسي والعسكري، واستبدال حكمها في قطاع غزة بحكم السلطة الفلسطينية، والعمل على دمج جسمها السياسي في «منظمة التحرير الفلسطينية»، وحلّ الجناح العسكري ودمج عناصره ضمن موظّفي السلطة في القطاع. وهذا الإجراء الذي ورد في الوثيقة باللغة الإنكليزية (DDR)، ورد أيضاً في محاضر الاجتماعات التحضيرية لـ«اتفاقية أوسلو – 1993»، بين «منظمة التحرير» والعدو، حيث جرى الاتفاق على تطبيقه في الضفة الغربية بشكل خاص، عبر حلّ الأجنحة العسكرية للفصائل، وخصوصاً حركة «فتح»، ودمج العناصر المسلحين (سابقاً) ضمن الأجهزة الأمنية الرسمية، وإخضاعهم لبرامج تخوّلهم ما يُسمى «الاندماج في المجتمع» والمساهمة في «عملية السلام».
وكانت الدول العربية، سواء في اجتماعاتها على مستوى «جامعة الدول العربية»، أو على مستوى «منظّمة التعاون الإسلامي»، طالبت دوماً بوقف إطلاق النار في غزة. كما أن الأميركيين دعوا إلى الأمر نفسه، وإن قرنوه سابقاً بتعبير «مؤقت»، ثم تبنّوا وصف «المستدام»، وذلك على أساس صفقة لتبادل الأسرى بين المقاومة الفلسطينية والعدو الصهيوني، كان يجري العمل عليها – بتاريخ الوثيقة – برعاية أميركية، وكان الظنّ أنها على وشك الوصول إلى خواتيم إيجابية، قبل أن يعلن العدو رفضه للمقترح الذي أعدّه الوسطاء بشأنها، بالتنسيق معه، والذي وافقت عليه حركة «حماس»، فتوقفت المفاوضات إلى اليوم. كما كان رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، قد رعى تشكيل حكومة «تكنوقراط» فلسطينية، برئاسة محمد مصطفى، ضمن الرؤية العربية – الأميركية، لتكون جاهزة لتسلّم مهامها الجديدة في قطاع غزة، كما هو مرسوم لها.