باسيل: لا تطلبوا من ميقاتي أن يواجه أوروبا لأنه لا يجرؤ على ذلك (هيثم الموسوي)
وافق مجلس النواب اللبناني أمس على توصية لإعادة النازحين السوريين كانت معدّة وجاهزة ومطبوعة بعد الاتفاق عليها في الاجتماع التشاوري الذي عقد أول من أمس، وتمثلت فيه كل الكتل النيابية. لكن الاتفاق على السيناريو والحوار لم يحل دون الخروج على النص، وخصوصاً أن الجلسة كانت تُنقل مباشرة، ما أطالها لثلاث ساعات من المزايدات والاستعراضات، إلى درجة أن حزب القوات اللبنانية الذي بصم على التوصية عشيّة انعقاد الجلسة، لم يجد غضاضة في المزايدة على نفسه عبر اقتراح النائب جورج عدوان، باسم كتلة القوات، توصية إضافية أمام كاميرات التلفزيونات قوامها 4 كلمات: «ترحيل النازحين السوريين فوراً»، لكنها سقطت بعدم رفع الأيدي لسذاجة الفكرة وعدم قابلية تطبيقها.
وحسبما نشرت صحيفة الأخبار اللبنانية اليوم فإن التوصية التي صدرت، وصدّقها رئيس المجلس نبيه بري فوراً لعلمه بتوافق الكتل عليها، .نصّت على أن لبنان ليس بلد لجوء كما أكدت عليه مذكرة التفاهم الموقّعة بين الحكومة اللبنانية ممثّلة بالمديرية العامة للأمن العام والمكتب الإقليمي لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بتاريخ 9/9/2003، والتي لا تزال سارية المفعول ومنظمة للعلاقة بين الدولة والمفوضية.
كما أوصى المجلس بتفعيل لجنة وزارية موجودة أصلاً يرأسها رئيس الحكومة وتضمّ وزراء الدفاع والداخلية والمهجرين والشؤون الاجتماعية وقيادة الجيش والأمن العام والأمن الداخلي وأمن الدولة للتواصل مع الجهات الدولية والإقليمية والهيئات المختلفة، ولا سيما مع الحكومة السورية، لوضع برنامج زمني وتفصيلي لإعادة النازحين باستثناء الحالات الخاصة المحمية بالقوانين اللبنانية التي تحددها اللجنة. كذلك تضمنت التوصية ضرورة تنظيم عملية الدخول الى لبنان والإقامة فيه والخروج منه والقيام بالإجراءات القانونية اللازمة لتسليم السجناء من النازحين الى السلطات السورية وفق القوانين والأصول المرعية.
ودعا النواب المجتمع الدولي والهيئات المانحة لمساعدة الحكومة في تخصيص الإمكانات اللازمة للأجهزة العسكرية والأمنية من أجل ضبط الحدود البرية، وطالبوا مفوضية اللاجئين والجهات المانحة بدفع المساعدات المالية للتشجيع على إعادة النازحين الى بلدهم ومن خلال الدولة اللبنانية ومؤسساتها. وحضّوا على الاستفادة من قرار الأمم المتحدة الصادر عام 2021 حول خطة التعافي المبكر والذي يمكن أن يشكل المدخل لتسريع العودة الى الداخل السوري عن طريق المساعدات لتأهيل البنى التحتية من دون تعرض الدول المانحة لعقوبات قانون قيصر.
ونص البند الأخير في التوصية على دعوة الحكومة إلى الالتزام بها وتقديم تقرير كل 3 أشهر للمجلس النيابي حول مراحل تنفيذ ما تضمّنته، وأولها نقل رسالة واضحة الى الدول والهيئات العالمة بملف النزوح في لبنان بأن البلد «لم يعد يحتمل جعله سداً أمام انتقال النازحين الى بلدان أخرى. وفي كل الأحوال، لن تكون مهمته حماية حدود هذه الدول من إمكانية الانتقال إليها ممّن يرغب أو يحاول من النازحين مغادرة لبنان بأيّ وسيلة ممكنة. وبالتالي المسؤولية الأساس هي في تحويل الدعم نحو تعزيز انتقال النازحين وتأمين استقرارهم في بلدهم مع ما يتطلّب ذلك من تأمين مقوّمات حياتهم».
وقبل تلاوة التوصية، أدلت الكتل النيابية بدلوها كلّ حسب توجهها السياسي. فتغافل رئيس حزب الكتائب سامي الجميل عن الضغوط الأميركية والأوروبية، محمّلاً المسؤولية، كالعادة، لحزب الله الذي «يخطف لبنان» ولـ«النظام السوري الذي يمنع عودة»، مذكّراً باقتراحه بإنشاء أبراج مراقبة وإعطاء العسكريين «نواضير».
واتهم رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بمنع العودة الطوعية للنازحين وتمويل بقائهم، معتبراً أن هذه السياسة مستمرة عبر استبعاد الحكومة السورية عن مؤتمر بروكسيل للنازحين هذا الشهر. وأكد ضرورة التنسيق بين الحكومتين اللبنانية والسورية، وحذّر من «استغلال النازحين مجدداً لإضعاف النظام والتحريض وتبرير الأمن الذاتي، بعدما استخدموا سابقاً في محاولة إسقاطه». وتوجّه الى بري قائلاً: «أنتم اخترتم ميقاتي، فلا تطلبوا منه أن يواجه أوروبا لأنه لا يجرؤ على ذلك»، مؤكداً أن المساعدات الأوروبية «مشروطة لأنها لا تأتي عبر الدولة، بل عبر المنظمات وتوزع بطريقة تتناسب وأجندتها».
بدوره، هاجم النائب أسامة سعد رئيس الحكومة «المحتار» الذي «لا يواجه ولا يجمع الحكومة لتقوم بدورها بأخذ موقف ممّا يسمى هبة، ولا يفصح عن خطة عملية لإعادة النازحين».
وذكّر النائب حسين الحاج حسن، الذي تحدث عن كتلة الوفاء للمقاومة، بالحرب في سورية ومن «موّلها وقادها ما تسبّب بموجة النزوح الأولى الى لبنان، واستتبعتها واشنطن بفرض عقوبات نتيجة فشلها في إسقاط “النظام” ما تسبب بموجة نزوح ثانية اقتصادية. لذلك لا يفترض معالجة الأزمة بعيداً عن معالجة تلك الأسباب». وأكد وجود تدخلات ديبلوماسية للضغط على لبنان، مشيراً الى ضرورة التفكير بكيفية الضغط لتعديل الموقف الدولي حتى يسير الحل السياسي.
وقد تهرّب ميقاتي، من مسؤولياته، وبدا من خلال الكلمة التي ألقاها في المجلس ثم التزامه الصمت حيال كل الانتقادات التي طاولته من كل القوى النيابية، في موقف ضعيف ومناقضاً لنفسه. فهو أقرّ بأن الهبة الأوروبية التي احتفى بها لدى إعلانها هي نفسها المساعدات التي دأبت المفوضية على تقديمها منذ سنوات عبر بعض المنظمات والمؤسسات الحكومية، ولكن «تلقّينا وعوداً بزيادتها وبالقيام باستثمارات في لبنان في حال إقرارنا رزمة الإصلاحات». كذلك أكد أن «المساعدات غير مشروطة ولم نوقّع أيّ اتفاق»، علماً أن الأموال لا تأتي الى الدولة بل الى منظمات غير حكومية توزعها كما يحلو لها ومن دون علم أيّ مسؤول في الدولة ومن دون تسجيلها في قيود وزارة المال. أما الإجراءات التي اقترحها رئيس الحكومة فتنوعت بين الطلب من الجهات الأمنية التشدد في تطبيق القانون على النازحين غير الشرعيين وتوصيته بضرورة زيادة عناصر الجيش المنتشرين على الحدود اللبنانية السورية (4838 عنصراً موزعين ضمن 108 مراكز) 5 أضعاف على الأقل. وكرر ما كانت اللجنة الوزارية المكلفة بمعالجة شؤون النازحين قد أشارت إليه منذ أشهر: التشدد باتخاذ التدابير بحق المخالفين لقانون العمل، الطلب من النيابات العامة التشدد بإجراءات ضدّ مافيات الاتجار بالبشر وترحيل الموقوفين وتكثيف الجهود الديبلوماسية لشرح خطورة النزوح السوري على لبنان.