عاد الجميع الآن للحديث عن سياسي للقضية الفلسطينية بعدما أظهرت عملية طوفان الأقصى عجز الكيان الصهيوني عن الانتصار على المقاومة وبدأ البعض بالحديث عن حل لدولتين بعدما امتنعوا عن فيه الكلام لسنين طويلة.
إذ تكشف وثائق دبلوماسية حصلت عليها صحيفة «الاخبار» اللبنانية عن أن الجميع، بمن فيهم الكيان الصهيوني وأميركا وأوروبا والدول العربية، كانوا يسيرون في مشاريع تهمل بصورة نهائية هذه الفكرة، وتبحث في آليات جديدة وشخصيات جديدة لإدارة السلطة الفلسطينية. وهو أمر يقرّ به بقوة رئيس السلطة محمود عباس نفسه، كما العاملين في فريقه.
ففي تموز الماضي، أوضح رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو خلال اجتماع الحوار الإستراتيجي مع بريطانيا والذي انعقد في القدس المحتلة، أن أولويته تركز على التطبيع مع السعودية، وقال إنه لا يرى مانعاً من إقامة «كيان فلسطيني يقوم على الحكم الذاتي على أن يكون منزوع السلاح». ووفقاً لملخص عن الاجتماع تبلغته جهات عربية تقيم علاقات مع الكيان، أبدى نتنياهو اعتقاده بأن «الولايات المتحدة مقتنعة بوجهة النظر الإسرائيلية في شأن أولوية التطبيع مع السعودية، ولذلك لا توجد أي جهود أميركية لتحريك المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية».
وكان قد سبق كلام نتنياهو، حديث لوزير خارجيته إيلي كوهين مع وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك في برلين. وبحسب برقية لسفارة عربية في ألمانيا، فإن كوهين قال «إن الفلسطينيين كانت لهم دولة في غزة (غزة وأريحا أولاً) وفشلت، وأي مشروع جديد لإقامة دولة فلسطينية من جديد سيفشل. ويجب أن يعرف العالم بأن المستوطنات هي جزء لا يتجزأ من الإجماع الإسرائيلي ولا يمكن تجميدها».
موقف حكومة نتنياهو هذا، لم يكن عنصراً مفاجئاً لكثيرين، إذ إن كثيرين في العالم أظهروا قلقهم من طبيعتها. وتكشف برقية سرية صادرة من نيويورك أن الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريش أعرب أمام ديبلوماسيين خليجيين لدى الأمم المتحدة «عن تشاؤمه الشديد من عودة نتنياهو إلى الحكم». وقال إنه «متأكد من أن الأخير لا يؤمن بحل الدولتين، وأنه يسعى إلى طرد الفلسطينيين تدريجياً من الأراضي المحتلة إلى دول أخرى، وعلى رأسها الأردن». وأضاف غوتيريش «إن الفلسطينيين يواجهون أخطاراً عدة، لعل أهمَّها الإنجيليون في الولايات المتحدة الذين لهم تأثير في الانتخابات الأميركية ويساندون إسرائيل من منطلق ديني، وهم يعتقدون بضرورة إقامة إسرائيل التاريخية وضم الضفة الغربية إليها ووجوب طرد الفلسطينيين من داخل إسرائيل نفسها، إضافة إلى تشييد الهيكل الثالث محل المسجد الأقصى قبل عودة المسيح».
واعترف الأمين العام للأمم المتحدة بأن «المجتمع الدولي خذل الفلسطينيين وكذلك فعلت قيادتهم».
محمود عباس، الرجل الذي اشتهر بفيديوهات مثيرة للسخرية حول طريقة إدارته ملف الصراع. كشف خلال لقائه مع السفراء العرب في أنقرة أنه طالب الرئيس الأميركي جو بايدن عندما التقاه في رام الله العام الماضي، باعتراف الولايات المتحدة بدولة فلسطين وحصولها على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة. وقال عباس – بحسب المحضر – إن الرئيس الأميركي رد عليه قائلاً: «إن حصول فلسطين على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة يحتاج إلى موافقة سيدنا المسيح»!
ونقلت وثيقة ديبلوماسية أخرى عن عباس قوله خلال لقاء مع عدد من السفراء العرب في باريس «إن من أنشأ إسرائيل ليس اليهود ولا الإنكليز، بل الأميركان الذين أتوا بهم من كل مكان لأسباب اقتصادية، وأضاف أن مشكلتنا مع أميركا وليست مع إسرائيل، وحين تنتهي المصلحة بين أميركا وإسرائيل ستنتهي إسرائيل. ورأى أن إسرائيل قد لا تكمل عقد الثمانين. ومن جملة الأسباب التغيّر الديموغرافي، ذلك أن عدد الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية أكثر من اليهود».
وتنسحب حالة الإحباط على وزير خارجية السلطة الفلسطينية رياض المالكي الذي أقر خلال لقاء في المعهد الملكي البريطاني للشؤون الدولية في لندن قبل شهور عدة «أن السلطة لم تجد في السنوات الأخيرة شريكاً حقيقياً للسلام في إسرائيل». وقد أقر المالكي بأن قيادته «أخطأت في التعاطي مع المخططات الإسرائيلية. ومع ذلك فإن خيار القيادة هو التفاوض، وإذا فشل هذا الخيار سيُترك للأجيال الفلسطينية المقبلة تقرير كيفية حل الصراع».
ورغم كل الاحتجاجات الفلسطينية على سلوك الإدارة الأميركية، فإن واشنطن لا تقف عند خاطر أحد غير إسرائيل. فقد كشفت برقية لسفارة خليجية في واشنطن، أن مساعدة وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى باربرة ليف قالت إن «الإدارة الأميركية لن تطلق مبادرات سلام بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل بعد فشل المحاولات السابقة، وإن واشنطن ترفض مطالبة السلطة الفلسطينية بإعطاء الأولوية للمفاوضات السياسية بدلاً من الانخراط في منتديات إقليمية تعمل من أجل التطبيع الاقتصادي مثل منتدى النقب».
وكان الموقف الأكثر وضوحاً، ما أبلغت المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا غرينفيلد (حسب محضر لقاء بينها وبين مندوبين عرب لدى المنظمة الدولية) أن بلادها «ستستخدم حق “الفيتو” ضد أي مشروع ينصّ على منح فلسطين صفة دولة عضو في الأمم المتحدة». وقالت «في حال تقدمت السلطة الفلسطينية بهذا الطلب، ستخسر أيضاً الدعم المادي الأميركي بما فيه دعم وكالة الأونروا».