تقرير إخباري إعداد أحمد بدور
أغدق المذيع الثناء على ابن سلمان قبل المقابلة وبعدها
ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي في اليومَين الماضيَين بمقابلة مجمد بن سلمان وليّ العهد مع القناة الأميركية «فوكس نيوز» مستغربة المعاملة التي تلقّاها في المقابلة المذكورة، التي لا تحظى بها إلّا قلّة قليلة من زعماء العالم، مما طرح علامات استفهام كثيرة حول المقابل المالي الذي حصلت عليه المحطة مقابل هذه الإطلالة
ففي السنوات القليلة الماضية، باتت تتكرّر الاتّهامات لوليّ العهد السعودي محمّد بن سلمان بأنّ مشاريعه «التنموية» والثقافية والإعلامية لا تصبّ سوى في سياق محاولات تلميع صورته وصورة المملكة، ولا سيّما بعد اغتيال الصحافي جمال خاشقجي في السفارة السعودية في إسطنبول أواخر عام 2018 وتشديد الطوق على رقاب المعارضين السعوديّين، وانتشار تقارير عن تهجير سكّان بعض البلدات القديمة تمهيداً لاستبدالها بمشاريع المدن الجديدة.
وقد الآراء بتقييم المقابلة مع القناة التي تُعتبر ( عادةً اللسان الناطق باسم المحافظين)، بين مَن أثنى عليها وعلى أجوبة ابن سلمان، ومَن هاجمها معتبراً أنّ فيها ما يثير الشكوك بدءاً بالأسئلة المطروحة وليس انتهاءً بتعابير المُحاور بعد كلّ جواب، مثل إطرائه بجملةyou think outside the box (أنت تفكّر خارج الصندوق)، كما بدئه المقابلة بقوله «نحن في جزيرة سندالة، أوّل مشاريع نيوم، رؤيتك 2030. إنّها رائعة. إنّها حقّاً مذهلة. كثر وصفوك بقائد ذي رؤية. تحدّثت مع عدد من المواطنين السعوديّين، الذين لم تزرعهم أنت بالمناسبة، وهكذا يتكلّمون عنك. لقد مررت بهذا التحوّل في جميع الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية».
وأنهى المقابلة بمزيد من «التبخير» بقوله إنّه ذهب إلى السعودية مرّات عدّة من قبل، لكنّه لم يرَ تحوّلاً بحجم الذي يحصل اليوم، لا فقط في ما يتعلّق بالنساء (وحقوق النساء في المملكة من أبرز ما يهتمّ له الجمهور الأميركي) بل في «المباني». هذا ما دفع المشكّكين إلى طرح أسئلة مثل: هل كان يمكن تخيّل مُحاور لقناة غربية يبدأ مقابلة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مثلاً، بجملٍ شبيهة؟
ورغم سؤاله عن أمور مثل الحكم بالإعدام على شخص بسبب منشورات على الإنترنت، إلا أنّ الأجوبة بدت كأنّها مخصّصة لاسترضاء الجمهور الأميركي رغم عدم انحصارها بذلك، وهو ما رآه المشكّكون دليلاً، بنظرهم، على أنّ الأسئلة كانت محضّرة مسبقاً. مثلاً في ما يخصّ الحكم بالإعدام، تنصّل ابن سلمان من المسؤولية، معتبراً أنّه في السعودية «نخجل من ذلك»، واضعاً الأمر على عاتق السلطات القضائية ومدّعياً أنّ العمل جارٍ على قدم وساق لتحديث القوانين.
وتوجّه المُحاور بأسئلة حول الاتّفاق السعودي مع إيران ودور الصين، ودور المملكة في «استرضاء» روسيا عبر «أوبك+»، وتطبيع العلاقات المنتظر بين المملكة العربية السعودية والكيان الإسرائيلي، وغيرها من أحداث ساخنة تلعب السعودية دوراً فيها، ويراقب العالم مآلاتها. وكان التبرير جاهزاً لكلّ واحد منها. في ما خصّ إيران، اعتبر ابن سلمان أنّ الأمر متعلّق بالسلام والتعاون في المنطقة، وإيران هي التي بادرت إلى التواصل مع المملكة عام 2020 عبر العراق.
وفيما خصّ «الاتّهام» باسترضاء روسيا، كان التبرير بأنّ الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي أثنى على الدعم السعودي لأوكرانيا، وأنّ المملكة تحاول تقديم نفسها كوسيط بين روسيا وأوكرانيا، وأنّ إيران كانت جزءاً من تحالف «أوبك+» عندما كانت على خلاف مع المملكة، ولم يعنِ ذلك أنّ السعودية كانت تسترضي إيران. أمّا في ما خصّ التطبيع مع الكيان الصهيوني، فقد وضع ابن سلمان الكرة في ملعب الرئيس الأميركي جو بايدن، محاولاً التسويق للتطبيع على أنّه يحقّق المصالح الأميركية كما السعودية في ما بدا كأنّه رفع لسقف المطالب السعودية ثمناً له، ولم ينسَ وضعه تحت شمّاعة «القضية الفلسطينية» و«حقوق الشعب الفلسطيني» وشرط «تحقيقه السلام في المنطقة» و«لعب الكيان دور إيجابيّ في الشرق».
بدت الأجوبة كأنّها مخصّصة لاسترضاء الجمهور الأميركي
كما طُرح سؤال حول كون غالبية منفّذي أحداث 11 أيلول 2001 من السعوديّين، فكان الجواب بأنّ (زعيم تنظيم «القاعدة» في حينه) أسامة بن لادن اختارهم عمداً لتعكير صفو العلاقات الأميركية – السعودية، وبأنّ المملكة نفسها تعرّضت لهجمات من «القاعدة» في تسعينيّات القرن الماضي، بالإضافة إلى أسئلة «شخصية» مثل واحد حول ردّة فعل ابن سلمان على فوز منتخب بلاده بكرة القدم على نظيره الأرجنتيني في «كأس العالم» العام الماضي، وآخر حول اهتمامه برياضة الغولف، في محاولة ربّما لإضفاء الطابع الإنساني على الأمير وتعزيز نظرية إرضاء الجمهور الأميركي الذي تستهويه أسئلة مماثلة بشكل عام.
الاتّهامات لم تتوقّف عند حدّ التكهّنات، بل هناك مَن ربط بين أوضاع «فوكس نيوز» المالية والمقابلة. تجدر الإشارة إلى أنّ للقناة تاريخاً في العلاقات المالية مع المملكة، فكانت للأمير السعودي الوليد بن طلال حصّة وازنة من الشركة الأمّ للقناة، «21st Century Fox» المملوكة لعائلة مردوخ (الصهيونية المتطرّفة)، قبل أن يبيع حصّته لجهات مجهولة قبيل احتجازه عام 2017 في حادثة فندق الـ«ريتز-كارلتون» الشهيرة. علماً أنّ روبرت مردوخ البالغ 92 عاماً تنازل منذ فترة عن «العرش» لمصلحة ابنه لاكلان. لذا دارت النقاشات افتراضيّاً، ولا سيّما من حساب «مجتهد» الشهير المعارض على منصّة «X»، حول احتمال إفادة القناة والمُحاور من أموال سعودية قبيل المقابلة، ولو أنّ ذلك صعب إثباته من دون تسريبات مثل «ويكيليكس» على سبيل المثال.
صحيح أنّه يُنظر إلى المملكة على أنّها «بقرة حلوب»، وهي نظرة استشراقية في الغالب، فيسهل اتّهامها إقليميّاً أيضاً بأنّها «دفعت الأموال» عند كلّ شاردة وواردة. لكنّ دفع الأموال لتلميع صورة المملكة ليس بالأمر الجديد، يمكن تتبّعه في أعمال اللوبي السعودي في الولايات المتّحدة الذي يصل تأثيره حتّى إلى مراكز الأبحاث وتالياً الكونغرس وقراراته. مع ذلك، لا يمكن الجزم بمصادر «مجتهد» الذي نال الثناء على معلوماته بقدر ما تعرّض للهجوم.
ومن أبرز ما قاله الحساب في منشور له إنّ «مقابلة ابن سلمان مع «فوكس نيوز» كان قد رُتّب لها أن تُقام في جدّة، لكنّ ابن سلمان غيّر رأيه ونقلها إلى جزيرة في نيوم حتّى يحظى بلحظة السير التي تمّت في المقابلة وحتّى تكون نيوم جزءاً مهمّاً من المقابلة». وأردف «كان المقرَّر أن يجيب ابن سلمان باللغة العربية، لكن بعد مراجعة الأسئلة والتدرّب على الأجوبة باللغة الإنكليزية، اطمأنّ إلى أنّ الجواب بالإنكليزية أفضل». واتّهم الحساب ابن سلمان بأنّه «هو الذي يضع الأسئلة وكذلك الأسئلة المتابعة»، والمذيع بأنّه «يقرأ الأسئلة فقط ولا يقاطع ولا يضع أسئلة متابعة ويمدح ويعلّق تعليقات ثناء على ابن سلمان قبل المقابلة وبين الأسئلة وبعدها».
أمّا الأخطر فكان الاتّهام بأنّ «التسجيل وتحرير المقابلة يقومان به فريق الديوان (الملكي السعودي) ولا يُسمح للقناة بتسجيل مستقلّ»، وبأنّ «فوكس نيوز تتلقّى مقابل ذلك مبلغاً ضخماً (لم يصلني الرقم بالضبط لكن يزيد عن 100 مليون دولار وفق مجتهد) والمذيع يحصل على إكرامية مستقلّة». وذكر الحساب الأزمة المالية التي تمرّ بها القناة بعد «سلسلة خسائر أكبرها صدور حكم قضائي عليها بدفع ما يقارب مليار دولار لشركة «دومنيون» التي قذفتها «فوكس نيوز» واتّهمتها باستخدام آلاتها بالتزوير لصالح بايدن في انتخابات 2020»، وهو أمر مثبَت. واعتبر «مجتهد» أنّ القناة كانت بحاجة إلى المقابلة والأموال التي دُفعت من أجلها «أوّلاً للترويج لابن سلمان للجمهور الأميركي، وثانياً لتجيب على كلّ ما نُشر من نقد لابن سلمان في الصحافة الأميركية آخره قصّة إعدام شقيق الشيخ سعيد الغامدي». وأنهى الحساب منشوره بالقول إنّ «المقابلة لم يلق لها أحد بالاً في الإعلام الأميركي»، لافتاً إلى أنّ قناة «فوكس نيوز» الفضائية لم تبثّها في القناة الرئيسة، بل في إحدى القنوات الفرعية، وأنّ المقابلة لا يمكن العثور عليها في موقع القناة الإلكتروني من دون البحث عن اسم ابن سلمان، وهي الحال فعلاً.
لكن الملاحظ ومهما دارت التكهّنات فإن الثابت أنّ المعاملة التي تلقّاها محمّد بن سلمان في المقابلة المذكورة لا تحظى بها إلّا قلّة قليلة من زعماء العالم، ولا سيّما من إعلام من خارج بلدانهم. ولئن كان فيها رسائل كثيرة أريدَ إيصالها ووصلت حقّاً، إلّا أنّها لم تلقَ الآذان الصاغية في الولايات المتّحدة، وهو الهدف الأساس من دفع الأموال لقناة «فوكس نيوز»، إن صحّ ذلك.