أعلن تنظيم داعش الإرهابي قبل أيام قليلة عن مقتل زعيمه ، «أبو الحسين القرشي»، و«تعيين أبو حفص الهاشمي القرشي زعيماً جديداً» وذلك بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر على إعلان إردوغان عن مقتله على يد المخابرات التركية في قرية جنديريس المحتلة
واتّهم التنظيم في تسجيل صوتي للناطق الجديد باسمه «هيئة تحرير الشام» الإرهابية، بقتله وبتسليم جثّته للاستخبارات التركية، وباعتقال المتحدث السابق باسم التنظيم، أبو عمر المهاجر، وآخرين.
وقد ساق التنظيم في تسجيل صوتي للناطق باسمه رواية اتّسمت باختلاف واضح عن الرواية التركية، التي أُدرجت حينها في إطار الدعاية الانتخابية لإردوغان. وكما كان متوقّعاً، تأخّر التنظيم في إعلان هوية زعيمه الجديد، لاعتبارات عدّة يتعلّق بعضها بأولوية الحصول على البيعة من «الولايات»، وأخرى أمنية تتّصل بالخشية من مواجهة الزعيم الجديد مصير أقرانه، بعدما قُتِل آخر زعيمين للتنظيم في خلال عام واحد فقط، وهو ما يؤشّر إلى تعاظم الخروقات الأمنية التي يعانيها.
وكان إردوغان قد أعلن «تحييد» الزعيم المفترض لـ«داعش»، أبو الحسين القرشي، في منطقة جنديرس في ريف عفرين شمال حلب، جرّاء عملية أمنية عسكرية في 29 نيسان الفائت، فيما قالت الاستخبارات التركية، آنذاك، إن «القرشي قام بتفجير نفسه بحزام ناسف، إثر محاولة القبض عليه، ومحاصرة المنزل الذي كان يقطنه».
وبعد أكثر من ثلاثة أشهر على ذلك الإعلان، اعترف التنظيم، عبر تسجيل صوتي للمتحدّث الجديد باسمه، «أبو حذيفة الأنصاري»، بثته حسابات لـ«داعش» على مواقع التواصل الاجتماعي، بـ«مقتل أبو الحسين القرشي، بعد مواجهة مع هيئة الردّة والعمالة “أي هيئة تحرير الشام”، في إحدى بلدات ريف إدلب، إثر محاولة (مقاتليها) أسره وهو على رأس عمله، فاشتبك معهم بسلاحه حتى قُتل متأثراً بجروحه»، معلناً «تعيين أبو حفص الهاشمي القرشي زعيماً جديداً».
كما اتّهم المتحدث، «هيئة تحرير الشام»، العميلة لتركيا، بالمسؤولية عن مقتل زعيمه، قائلاً إنها «سلّمت جثّته للاستخبارات التركية»، مشيراً أيضاً إلى «قيامها باعتقال المتحدث السابق باسم التنظيم، أبو عمر المهاجر، وآخرين، وتسليمهم لتركيا». ويعدّ «أبو الحسين القرشي» رابع زعماء التنظيم، فيما تُعدّ فترة «ولايته» الأقصر، بعدما تسلّم مهامه في تشرين الأوّل 2022، ليحكم فترة لم تتجاوز الستة أشهر، ولم يُصدر خلالها أيّ بيان صوتي أو مكتوب، خلافاً لما جرت عليه العادة. وعلى الرغم من الاحتياطات الأمنية التي اتّخذها «داعش» للحفاظ على حياة زعيمه، وحرصه على عدم صدور أيّ وثيقة من الممكن أن تساعد في كشف هويته، إلّا أن كلّ إجراءاته تلك لم تنفع في حمايته، ليأتي تأكيد نبأ مقتله ويثبت تراجع القدرات الأمنية للتنظيم بشكل لافت، بعد أن خسر سطوته العسكرية مع نهاية عام 2019، وتكاثرت الأنباء حول تضاؤل أعداد عناصره في سورية والعراق، حيث تراجعت عملياته بشكل لافت أيضاً.
يبدو أن «داعش» بدأ يتحسّس خطر وجود غالبية قادته في مناطق سيطرة الفصائل المسلّحة
إزاء ذلك، يبدو أن «داعش» بدأ يتحسّس خطر وجود غالبية قادته في مناطق سيطرة الفصائل الإرهابية المسلحة، وتحديداً في المناطق الخاضعة لسيطرة «هيئة تحرير الشام» الإرهابية في شمال غرب سورية، حيث بات يواجه صعوبة في اختيار ملاذ آمن لهم، وخصوصاً مع تكرار حوادث تصفيتهم، سواءً عبر الاغتيال المباشر أو بالطائرات المسيّرة. وإلى جانب الإجراءات الاحترازية المنتظرة، تتوقّع مصادر مطّلعة، في حديث إلى صحيفة «الأخبار» اللبنانية، «قيام خلايا التنظيم بتنفيذ عمليات ضمن مناطق سيطرة الهيئة، ما يمهّد لاقتتال بين الإرهابيين في إدلب وريف حلب»، معتبرةً، في هذا السياق، أن حرص «داعش» على اتّهام «تحرير الشام» بقتل زعيمه في اشتباك مباشر، ليس دونما دلالة.
مع ذلك، ترجّح المصادر صحّة الرواية التركية، موضحةً أن «المؤشّرات جميعها تدلّ على أن القرشي قتل في جنديرس في عملية للجيش التركي، خاصة مع وجود توثيق للمنزل الذي قتل فيه»، مستدركةً بأن «هيئة تحرير الشام لعبت دوراً أمنياً في عملية الاغتيال، من خلال تزويد الاستخبارات التركية بالتفاصيل الكاملة عن مكان تواجد زعيم التنظيم وقادة آخرين، وهو ما اعتُبر حينها هدية الهيئة لإردوغان، لدعم ملفّ ترشيحه للرئاسة».
من جهة أخرى، تُبيّن مصادر متابعة لشؤون الجماعات الإرهابية أن «تأخّر التنظيم في إعلان زعيمه، يعود إلى اعتبارات أمنية وأخرى تتعلّق بخلافات بين عناصره المسلحة وهيئة الشورى المكلّفة باختيار الخليفة الجديد»، مضيفةً أن «رأي الشورى غلب رأي المسلحين»، متابعةً أن «الاختيار وقع على أبو حفص الهاشمي، وهو عراقي الجنسية، بعد وقت قصير من مقتل أبو الحسين الهاشمي، إلّا أن الإعلان رسمياً عن ذلك تأخّر خوفاً على حياة الأول».
وتعرب المصادر عن اعتقادها بأن «داعش يعيش أصعب أيامه، مع انكشافه أمنياً، وثبوت وجود خروقات أمنية واسعة في جسمه الأمني والعسكري».