نفّذ ما يسمى «التحالف الدولي»، الذي تقوده الولايات المتحدة، أمس، إنزالاً جوّياً على قرية ملوك السرايا في ريف القامشلي الجنوبي، الخارجة عن سيطرة ميليشيا قسد العميلة لأوّل مرّة منذ اندلاع الحرب على سورية وتذرع واشنطن بها لاحتلال مناطق شاسعة من الأراضي السورية، وذلك بذريعة ملاحقة أحد تجّار الأسلحة، بعد لجوئه إلى المنطقة.
وحسب شهود من المنطقة استخدم الأميركيون، في إنزالهم، عدداً أكبر من المروحيّات والجنود قياساً إلى إنزالات مشابهة نفّذوها سابقاً في العديد المناطق الخاضعة لسيطرة «قسد»، تحسُّباً ربّما لأيّ مواجهة مع الوحدات السورية المتمركزة في نقاط قريبة من القرية. ومن غير المعلوم، إلى الآن، ما إن كان الأميركيون قد أبلغوا القاعدة الروسية في القامشلي، عبر غرفة «منع التصادم» بين البلدَين، بموعد العملية ومكانها تجنّباً لأيّ اشتباك مباشر، نظراً إلى وجود قاعدة روسية ونقاط للجيش السوري على بعد كيلومترات قليلة من موقع الإنزال.
وقال المتحدّث باسم القيادة الوسطى الأميركية، بيل أوربان، في تصريحات إعلامية، إن «قواتنا نفّذت غارة شمال شرقي سورية، استهدفت مسؤولاً رفيعاً في تنظيم الدولة»، من دون أن يبيّن ما إذا كان جرى قتله أو اعتقاله. لكن مصادر ميدانية مطّلعة، أوضحت في حديث إلى صحيفة «الأخبار» اللبنانية، أن «ستّ طائرات مروحية أميركية نفّذت إنزالاً جوّياً على منزل في قرية ملوك السرايا على بُعد نحو 20 كلم جنوب مدينة القامشلي، يقطنه شخص وافد إلى القرية منذ نحو شهرَين ويدعى راكان أبو حايل».
وبيّنت المصادر أن «أبو حايل ينحدر أساساً من قرية الطائف التابعة لبلدة تل حميس الخاضعة لسيطرة قسد، وحاول الفرار من المنطقة، قبل أن يتمّ صعقه بالكهرباء من إحدى المروحيّات، ما أدّى إلى مقتله على الفور». وأشارت إلى أن «الجنود الأميركيين قاموا باعتقال أحد الأشخاص الذي كان يستضيفه أبو راكان، مع أفراد أسرته، متسببّين بحالة من الذعر في أوساط أهالي قرى ريف القامشلي الجنوبي».
والظاهر أن «التحالف» تلقّى معلومات من «قسد» عن وجود الأشخاص المستهدَفين في ملوك السرايا، علماً أن هؤلاء متّهَمون بالضلوع في عمليات تهريب أسلحة وأموال لتنظيم «داعش»، وهو ما لا يشذّ عن الاتّهامات المُوجَّهة عادةً إلى جميع المستهدَفين بالإنزالات الأميركية.
بدا واضحاً حرص «التحالف» على استعراض قدراته العسكرية
وبدا واضحاً حرص أمريكا على استعراض قدراتها العسكرية، وفي الوقت نفسه حصْر مهمّتها باستهداف مطلوبين بتهم إرهابية، في ما يستهدف الحفاظ على ذريعة تواجدها على الأراضي السورية، والمتمثّلة في منْع تنظيم «داعش» من إعادة بناء قدراته البشرية والمالية مجدّداً. وتتلاقى مصالح الأميركيين، في ذلك، مع مصالح «قسد»، التي تحرص، بين فترة وأخرى، على تزويد القواعد الأميركية القائمة في مناطق سيطرتها، بمعلومات عن وجود أشخاص متّهمين بالانتماء أو التعاون مع التنظيم. وتَكرّرت، أخيراً، حوادث الإنزال الجوّي، وبخاصة في قرى ريف الحسكة الجنوبي وريفَي دير الزور الشمالي والشرقي، حيث اعتُقل العشرات من السكّان بتهمة الانتماء إلى «داعش»، قبل أن يتمّ الإفراج عن غالبيتهم، لثبوت عدم صحّة التهم المُوجَّهة إليهم.
وفي هذا المجال، تتّهم مصادر عشائرية، تحدّثت إلى «الأخبار»، «قسد» بـ«تعمّد تزويد الأميركيين بمعلومات عن وجود منتمين إلى داعش في مناطق تنتشر فيها العشائر، بما يدفعهم إلى تنفيذ إنزالات جوّية في هذه المناطق»، معتبرةً أن «الغاية من ذلك إلصاق تهمة الإرهاب بمناطق محدَّدة، بهدف قمع أبنائها من المكوّن العربي تحديداً». وتَلفت المصادر إلى أنه «في غالبية الإنزالات التي يتمّ تنفيذها، يَثبت بطلان الادّعاءات المُوجَّهة إلى الأشخاص المستهدَفين، ليتمّ الإفراج عنهم لاحقاً، وهو ما يستدعي من الأميركيين مراجعة مصادر معلوماتهم». وتشير إلى أن «قيادة قسد، خلال فترة سيطرتها على أرياف الحسكة ودير الزور، ألقت القبض على مئات القياديين والعناصر المنتمين لداعش، قبل أن تُفرج عن عدد كبير منهم، في إطار تسويات مجهولة الأسباب»، مضيفة أن «قسد تملك مصلحة محدَّدة في إطلاق سراح هذا العدد من المجرمين، بهدف إثبات وجود أنشطة لخلايا داعش، والحفاظ على ذريعة تبرّر وجود الأميركيين في المنطقة، والحفاظ على حالة التحالف معهم». وتُشدّد المصادر على أن «هذه الممارسات تستدعي ضرورة وجود حراك شعبي يضغط على الأميركيين، ويُجبرهم على مغادرة المنطقة»، متابعةً أنه «في النهاية، لن تبْقى العشائر متفرّجة على الجرائم التي تُرتكب بحقّها، وسيكون لها رد فعل على ذلك، طال الزمن أم قصر».