تؤكد الدراسات العلمية التي نشرت مؤخرا أننا نولد جميعاً بعينين زرقاوين لغياب صبغة الميلانين منهما، لأن هذه الصبغة هي التي تعطي اللون الأساسي لهما. صبغة الميلانين هذه تحدّد لون البشرة والعيون والشعر. ففي الأشهر الأولى من عمر الطفل، يبدأ الميلانين بالتراكم داخل قزحية العينين بدرجات. فإذا كان التراكم كبيراً يتحوّل لون العينين إلى البني، ويشكل الأشخاص أصحاب العينين البنيّتين ما نسبته 55% من البشرية.
لا عيون في طرفها حور يا جرير
وإذا كان تركيز الميلانين كبيراً جداً، يخيّل إلينا أنّ العينين أصبحتا سوداوين، بينما في الحقيقة يكون اللون لا يزال بنياً، ولكنه داكن للغاية. لذلك لم يعد لقول الشاعر الأموي جرير:«إن العيون التي في طرفها حور قتلننا ثم لم يحيين قتلانا»، لم يعد له معنى فلا حور، أما التركيز الخفيف للميلانين فيجعل من لون العينين فاتحاً أكثر، وصولاً إلى اللون الأزرق الذي نولد فيه، إذ يغيب فيه الميلانين بشكل شبه نهائي. ويشكل أصحاب العيون الزرقاء ما نسبته 8% من البشرية.
الشمس ولون العيون
يخضع لون العينين لعوامل وراثية تحدّد كمية الميلانين الموجودة في القزحية. وتختلف شعوب الكرة الأرضية في ما بينها بلون العينين تبعاً لتعرّضها لأشعة الشمس. فالميلانين له وظيفة أساسية وهي حماية بصرنا من الأشعة فوق البنفسجية الصادرة من الشمس. ومن هنا يمكننا أن نفهم أكثر سبب الاختلاف الكبير في لون العينين بين شعوب منطقتنا مثلاً، حيث نتعرّض للأشعة بشكل أكبر من شعوب المناطق الشمالية في أوروبا. وعليه فأيّ إنسان بعينين زرقاوين في منطقتنا لن يستطيع العيش كإنسان قديم يصطاد ويفتش عن غذائه بنفسه لعدم قدرته على تحمّل الشمس لوقت طويل، ولذلك لا نجد عيوناً بألوان فاتحة بين شعوب منطقتنا قبل بدء الغزوات المتبادلة.
تُستخدم أشعة الليزر لتعطيل الميلانين الموجود في القزحية
ولو ذهبنا في بحثنا نحو الأمور الجمالية، سنجد أبيات الغزل متمحورة حول عينين سوداوين في جحريهما، أو حجم العيون الكبيرة بقول المتنبي “ترنو إليّ بعين الظبي مجهشةً”، وقول ابن الجهم «عيون المهى بين الرصافة والجسر جلبن الهوى من حيث أدري ولا تدري» والمهى لون عيونها بني غامق. هذا ما عند قدماء العرب نستخدمه للاستدلال على أمرين، الأول غزارة الغزل بالعيون ذات الألوان الداكنة بسبب عدم التعرّف على الشعوب الأخرى وقتها. والأمر الثاني يشير إلى تعلّق الناس كثيراً بـ”جاذبية العيون” وما تحمل من جمال.
مخاطر كبيرة
أما اليوم، ومع انقلاب معايير الجمال لسيطرة النمط الغربي على المجتمعات، فقد أصبحت العيون الزرقاء والخضراء وحتى الرمادية هي “الأجمل”. وبرز سعي من الراغبين من الناس، نساءً ورجالاً، لتغيير لون عيونهم بالطريقة الأقدم والأكثر أماناً وهي “العدسات اللاصقة الملونة”. إذ لا تكاد تخلو صيدلية من هذا المنتج بسبب رواجه والطلب الكبير عليه، رغم ارتفاع سعره. ومع تطوّر العلوم الطبية أكثر، ظهرت عمليات جراحية يمكن من خلالها تغيير لون العيون بشكل دائم بطريقتين: زراعة لون جديد للقزحية أو عبر تقنية الليزر (femtolasik أو ultralasik).
وفي تقنية الليزر، التي يجري الترويج لها حالياً، سيعمد الطبيب الى استخدام هذه الأشعة لتعطيل الميلانين الموجود في القزحية، وخلال الأيام والأسابيع التالية يتخلّص الجسد من الصبغة الموجودة في العين، وبالتالي يتغيّر لون العيون بحسب درجة التعطيل التي تمّت. إن كانت تامة وكبيرة يتحوّل اللون نحو الأزرق (اللون الأساسي لعيون الأطفال)، ويمكن التحكم بدرجات اللون للحصول على ألوان مختلفة. ولكن حتى اللحظة، لم يحصل أيّ من هذه التدخلات الجراحية على الترخيص اللازم من الجهات الطبية العالمية، ولا تزال النصيحة الدائمة لمعظم أطباء العيون باعتماد العدسات اللاصقة الملوّنة في حال الرغبة بالحصول على لون عيون جديد. المخاطر المتأتية من عمليات كهذه كبيرة، وهي تتراوح بحسب الأكاديمية الأميركية لأطباء العيون بين الالتهابات الحادة، وصولاً إلى العمى التام. تضاف إلى هذه المخاطر مشكلة “تحرير الصبغة” داخل العين، ما قد يؤدي إلى انسداد قنوات التصريف داخل العيون، وبالتالي ارتفاع ضغط العين قبل الوصول إلى مرض “الماء الأزرق” glaucoma