تشهد التركيبة التي يسمونها معارضة بما فيها الائتلاف انشقاقات واسعة بين من يرتهنون لقطر وبين الذين يرتهنون لأردوغان وتيار العثمانية الجديدة مما دفع رئيس الائتلاف سالم المسلط، إلى فصل 14 عضوا فصلا تعسفيا كما يقول منافسوه التابعون لقطر ليتبع ذلك انسحاب كتلة معارِضة احتجاجاً على القرار الذي اعتبرته «تعسّفياً»، في وقت ظهر فيه شقاق كبير بين أجنحة المعارضة المحسوبة على أطراف عدّة، أبرزها الجناح القطري الذي رأى في ما يجري «انقلاباً للاستئثار بالمعارضة».
وقالت تقارير صحفية عربية إنه وسط حالة التجاذب القائمة بين أفراد المعارضة وهيئاتها، بدأت الأطراف تتبادل الاتهامات بالتبعية، حتى لـ (الحكومة السورية)، الأمر الذي اعتبره البعض «إيذاناً بتفكّك المعارضة وانهيار الائتلاف.
وفي الآونة الأخيرة ظهر شقاق واضح، بين الموقفَين التركي والقطري إزاء أداء المعارضة السورية، حيث حاولت الدوحة تصعيد المواقف والعودة بالزمن إلى مرحلة «إسقاط النظام»، وهي مرحلة تمّ تجاوزها على الساحة الدولية، في حين رأت أنقرة في السلوك القطري خرقاً للأوضاع السياسية والميدانية الحالية، وانحيازاً إلى الموقف الأميركي على حساب روسيا التي تحاول تركيا المحافظة على توازن علاقتها معها.
وبحسب مصادر معارِضة تحدّثت إلى صحيفة «الأخبار» اللبنانية، فإن الأزمة التي تعيشها المعارضة بدأت قبل بضعة أشهر، عندما حاولت قطر إعادة تصدير رياض حجاب، الذي أعلن عقد مؤتمر لـ«توحيد المعارضة» في قطر، قبل أن يتحوّل هذا «المؤتمر» إلى مجرّد «ندوة حوارية»، جرّاء مناوءة تركيا الجهود القطرية بشكل علني.
تركيا تحاول تلميع الجولاني وتحويله إلى «مشروع يمكن لتركيا البناء عليه» بعد انصياعه التام لها
وقد اجتمع مسؤول أمني تركي بقادة «الائتلاف» أكثر من مرّة، حيث تلقّى مسؤولو الأخير أمراً واضحاً بعدم الانسياق وراء المشروع القطري، وعدم مقاطعته في الوقت نفسه، وإنّما المشاركة في ندوة حجاب بشكل صوري لا أكثر، بالتوازي مع عملية «تصفية للائتلاف من الأصوات غير التركية، سواءً الشخصيات المعارضة المدعومة أميركياً أو حتى قطرياً»، وبدء عملية ربط المعارضة السياسية بمجالس محلّية تمّ إنشاؤها بدعم تركي في المناطق التي تحتلها تركيا، وذلك بهدف تشكيل «جسم معارض متكامل يرتبط بالأرض». ووفقاً للمصادر المعارِضة، فإن «الائتلاف» و«الحكومة المؤقّتة» التابعة له استشعرا خطر الدعم التركي الكبير لـ«هيئة تحرير الشام» التي يقودها أبو محمد الجولاني و«حكومة الإنقاذ» التابعة لها، خصوصاً مع فتح تركيا الباب أمام الجولاني للتوسّع في ريف حلب، في ظلّ حالة الفوضى الكبيرة التي تعيشها مناطق الفصائل التي تتلقّى دعماً مالياً كبيراً أبدت تركيا رغبة في تخفيضه، مقارنة بحالة «استقرار نسبي» تعيشها مناطق الجولاني، التي لا تتلقّى دعماً مماثلاً، الأمر الذي حوّل الأخير إلى «مشروع يمكن لتركيا البناء عليه»، بعدما أبدى انصياعاً تامّاً لأنقرة.
وقد بدأت تركيا تخفّض الميزانية المخصَّصة للمعارضة، سواءً السياسية أو حتى للفصائل الإرهابية المقاتلة في الشمال السوري، ما دفع «الائتلاف» المعارِض إلى إغلاق مقرّه في أنقرة، بالإضافة إلى إيقاف مشاريع عديدة في الشمال السوري، حيث انصبّ اهتمام تركيا على بناء تجمّعات سكنية على خطوط قريبة من الحدود السورية – التركية، لإعادة توطين لاجئين سوريين يتمّ الدفع بهم بشكل متتابع بهدف تشكيل حزام سكّاني يميل إلى تركيا من جهة، والتخلّص من أكبر قدر من اللاجئين السوريين في تركيا، من جهة أخرى. ويبدو أن الخطوة التركية أضرّت بمصالح معارِضين وهيئات معارِضة عدّة، تتلقّى تمويلاً من دول مختلفة بينها الولايات المتحدة وقطر وبعض الدول الأوروبية، حيث سيؤدي استبعادها من المشهد السياسي إلى قطع التمويل عنها، في ظلّ عدم جدوى هذا التمويل، خصوصاً أن هذه الهيئات منفصلة عن الميدان بشكل كامل. ويفسّر ذلك ردّة الفعل العنيفة من بعض الشخصيات التي تمّ استبعادها، والجدل الذي تعيشه أوساط المعارضة بشكل عام، وسط توقّعات بأن تؤدّي تلك التجاذبات إلى كشف المزيد من ملفّات الفساد، وعلاقة العديد من الأفراد والهيئات بجهات مختلفة خلال الفترة المقبلة.