تؤكد تقارير صحفية عربية أن الجهود الحكومية في تسوية أوضاع أعداد كبيرة في محافظات حلب والرقة ودير الزور، جميعهم من مناطق سيطرة «قسد»، نجحت ما شجّع آخرين على الانخراط في هذه الحركة، وهو ما يُعتقد أنه سيمهّد لتوسيع البيئة المطالِبة بعودة الدولة هناك.
ولاقت هذه التسويات التي أعلنتها الحكومة منذ نحو ستة أشهر، انطلاقاً من مدينة دير الزور، إقبالاً شعبياً واضحاً، دفع السلطات إلى استحداث مراكز جديدة في أرياف دير الزور والرقة وحلب، وتقديم تسهيلات استثنائية لم تكن متاحة من قبل. فعلى سبيل المثال، مُنحت «بطاقة تسوية» لكلّ المطلوبين الأمنيين فور التزامهم التسوية، فيما المطلوبون للخدمة الإلزامية أُعطوا مهلة من 3 إلى 6 أشهر للالتحاق بإحدى الوحدات العسكرية ضمن محافظتهم، مع منحهم جميعاً حرّية التنقّل بين المحافظات فوراً. وقُوبلت الإجراءات الحكومية الميسّرة بحملة مضادّة من «التحالف الدولي» و«قسد»، لتحريض السكان على عدم الوثوق بالدولة، والتحذير من الانخراط في التسوية، والتهديد باعتقال أيّ شخص ينضمّ إليها، خاصة في ظلّ إقدام عدد من عناصر وقيادات «قسد» و«المجالس المدنية» في دير الزور على تسوية أوضاعهم.
وبالفعل، سجّلت مناطق منبج وريفَي دير الزور والرقّة اعتقالات لعدد من الأشخاص الذين قاموا بتسوية أوضاعهم، فضلاً عن وجهاء عشائر عملوا على تسهيل وصول الأهالي إلى مراكز التسوية، انطلاقاً من مناطق سيطرة ما تسمى «الإدارة الذاتية»، بهدف ترهيب بقية الراغبين في دخول المصالحة. كذلك، وجّهت «قسد» جميع مجالسها بإصدار تعاميم تدعو إلى منع السكّان من الانخراط في التسوية، مع فصل كلّ الملتحقين بها من صفوف مؤسّسات «الإدارة الذاتية»، ومنعهم من الحصول على وظائف حتى في الجمعيات الخيرية المرخّصة من «الذاتية». وبالتزامن، كثّفت كلّ من قيادتَي «قسد» و«الذاتية» من التصريحات حول عدم جدوى هذه التسويات، وأنها «تمهّد لبثّ الفتن والمشكلات، وضرب السلم الأهلي»، و«تهدّد إنجاز أيّ حل سياسي شامل للمنطقة».
قوات الاحتلال الأمريكي التي تسمي نفسها قوات «التحالف» عقد قادتها عدّة اجتماعات مع وجهاء وسكان عدّة مناطق في ريف دير الزور، “وحذّروهم من مغبّة الانضمام إلى حركة المصالحة مع الدولة السورية”.
وعلى رغم كلّ هذا الحراك المضادّ، فرضت التسهيلات الحكومية نفسها، وأثمرت التحاق أعداد كبيرة بقطار المصالحة، حيث سجّلت محافظة دير الزور الرقم الأعلى في هذا المجال، والذي وصل إلى أكثر من 36 ألفاً في مدن دير الزور والبوكمال والميادين والقرى والبلدات التابعة لها.
ويرى محافظ دير الزور، فاضل النجار، في تصريح إلى صحيفة «الأخبار»، اللبنانية أن «التسوية فرصة ثمينة أمام كلّ مَن غُرّر به ولم تتلطّخ يداه بالدماء من المدنيين المطلوبين والعسكريين الفارّين والمتخلّفين عن الخدمتَين الإلزامية والاحتياطية للعودة إلى حضن الوطن وممارسة حياتهم الطبيعية»، لافتاً إلى «وجود تسهيلات كبيرة من قِبَل لجان التسوية، وسط استمرار الإقبال الكثيف، على رغم كلّ الإجراءات التعسّفية التي تتّخذها ميليشيا قسد لمنع وصول أبناء المحافظة المقيمين في منطقة الجزيرة إلى مراكز التسوية». وينوّه النجار بـ«الدور المهمّ الذي يقوم به شيوخ ووجهاء العشائر في دعوة واستقطاب وتسهيل وصول الراغبين بالانضمام إلى المصالحة، ولا سيما القادمين من منطقة الجزيرة
من جهته، يلفت رئيس «مركز المصالحة السوري – الروسي» في دير الزور، الشيخ عبد الله الشلاش، إلى أنّ «الأشخاص الذين قاموا بتسوية أوضاعهم، عانوا كثيراً حتى تمكّنوا من الوصول إلى مناطق سيطرة الحكومة، بسبب عراقيل قسد»، مبيّناً أن «معظمهم يصل تهريباً عبر نهر الفرات، بعد سلوك طرق ترابية». ويُشير الشلاش، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أنّ «الكثير من الأشخاص الذين سُوّيت أوضاعهم تعرّضوا للمساءلة والاعتقال، فيما عاد عدد كبير منهم إلى مدنهم وقراهم وبلداتهم الخاضعة لسيطرة الجيش»، معتبراً أنّ «تصرّفات ميليشيات قسد غير مبرّرة، وتعكس حالة الضعف لديها، أمام الحاضنة الكبيرة للدولة». وإذ يشدّد على «حقّ كلّ مواطن فى تسوية وضعه، والعودة إلى حياته الطبيعية، بعيداً عن ضغوطات الميليشيات»، فهو يؤكد أن «أبواب التسوية ستبقى مفتوحة لكلّ الراغبين في الالتحاق بها».
أمّا في الرقة، فقد أثّرت عراقيل «قسد»، والمساحات مترامية الأطراف فيها، وعدم وجود عدد كافٍ من المعابر أو طرق التهريب، على أعداد الذين قاموا بتسوية أوضاعهم، والذين تجاوزوا أربعة آلاف شخص، مع استمرار العملية بمعدّل 50 إلى 60 شخصاً يومياً، في وقت تجاوز العدد 6 آلاف في ريف حلب. ويفيد محافظ الرقة، عبد الرزاق الخليفة، «الأخبار»، بأنه «رغم الضغوطات الكبيرة على الأهالي، والعراقيل التي فرضتها ميليشيا قسد، إلّا أنه تمّت تسوية أوضاع أكثر من 4200 شخص حتى الآن، منذ افتتاح مركز في ريف الرقة». ويضيف الخليفة أن «التواصل مستمر مع شيوخ العشائر والشخصيات الاجتماعية لتهيئة الظروف لكلّ الراغبين.